18 ديسمبر، 2024 9:35 م

إضاءة لمجموعة ( أرباض ) للشاعر مقداد مسعود

إضاءة لمجموعة ( أرباض ) للشاعر مقداد مسعود

النص بين مخاتلة الدال و تضاعيف المؤشر القصدي
مدخل :
لاشك إن الفعل القرائي في تجربة مجموعة ( أرباض ) للشاعر مقداد مسعود ، تضعنا إزاء فضاءات شعرية تشتغل بما هو نواة داخل مقاطع المشهد الوحداتي من زمن مقاطع القصيدة ، إذ إننا نواجه في متن تلك الصورة المتخيلة في نصوص المجموعة ، ثمة عامليات أخذت تؤسطر لغة الأمثولة و الأشجار و الغيوم و الوجوه و طواحين الدقيق و تنقلات وجهة نظر الذات الشاعرة الى سلسلة مؤولات خاصة من الصعب غالبا تحديد طبيعة انتمائتها الخارجة عن شكلية البناء الشعري السائد ، لذا فإننا نجد الشاعر مسعود يتعرض دون أن يخدش منطقة القول الدلالي السليمة لديه ، لتمظهرات صورة القصيدة البنائية المتفق عليها سلفا . نتعرف في مجال وحدات مقاطع مقداد مسعود ( أرباض ) إلى عدة جهات فاعلة من حيوية فضاء التزاوج بين ثنائية (المنافرة ــ الملاءمة ) و يحقق الشاعر من خلال هذه الثنائية حالة من حالات الكشف عن لحظات كشوفية خاصة تكفلها المتخيل الشعري المرسوم في دائرة الأنا و كثافة الجملة الأحوالية المحتملة في أتون مؤشرات العمق التصويري و اللقطاتي في بوح حالات النص : ( كلما تكسرت السلالم بي .. على مرأى جنائن الملصقات الملونة .. أغمضت عيني على جمر العينين .. و بسطت ــ لست شحاذا ــ راحت اليسرى ــ فأشرقت فيها زهرة صفصاف .. ثم تسطحت صحنا طائرا . / ص10 ) يبدأ الشاعر هنا بعملية سرد مطرد أخذت تكاشف حساسية ( مخاتلة الدال ) و تشخيصه و تعريفه ، و لكن الأمر يبدو من جهة خاصة راح يتمخض عنها القول التهكمي في أفق تصريفات توصيفية تمتد و تتنهد ، لتنهض نموذجا يستجيب لحالات جمالية خلاقة ، من شأنها استعادة مفاتيح القول القصدي من حسية الأشياء ، مضيا نحو مكنز واجهة الحساسية الشعرية المتمرسة . إن حالة انتقال الجملة ( كلما تكسرت السلالم بي ) تنفتح خارج قيم التحطم المادية ، لتدخل بالدليل التوصيفي نحو علاقة حراك الذات الكاشفة . و بهذا المعنى نعاين أصعدة الحركة و الدلالة و الصورة و التشكيل في آن معا ، تنتج تفاعلا و جدلا يكشف عن صراع عالي الوتيرة بين الدوال و حراكها المنبثق عن خصوصية وحداتها التضادية الكبرى : ( أنا و هذه البرية نتشارك بوفرة الأخطاء .. هي الأفضل في الصبر و التصابر .. منذ شفق أرتطم بأخضرار الضحى و حتى كتابة هذا الكلام بالنيابة عني . / ص11 ) إلا إن انتقالات جمل الوحدات الشعرية في تجربة المجموعة ، أخذت تعكس أحيانا في تواصلها التشكيلي الى محددات منطقة الحال الآنوي : (بالنيابة عني ) تمحورا توقيعيا يحول خاصية الانتباه نحو جهة لحظة حساسية الصورة الذاتية الى جملة قيم متغايرات الفعل الدوالي ، أي بمعنى ما ، ونحن نقرأ البنية الوحدوية في الصورة الشعرية صرنا نتبع جملة تقابلات من التصوير و الانشاء لربما يبدوان لنا أكثر قربا من حالات حساسية الأنا و أكثر بعدا من حقيقة معنى الموصوف على نحو ما . كما هو الحال في مركب هذه الوحدة 🙁 أنا مازلت أصيح ملء القلب .. لعله يسمعني ذلك الدغل الذي تسللت منه .. ليته يسمعني / يسامحني فأنا خدعت الدغل و استعملته جسرا للتملص من لزوجة الغابة و تخليت عن أخوتي . / ص11 ) لذا فأن حالة و واقعة التلقي هنا تستهدف الانفتاح على حركة صوت الأنا المهيمنة على مواجيد أصوات الحالات الأخرى ، و دون الوصول التوافقي و بالتركيز على نحو أكثر عمقا على معادلات جدلية الاداة المتحولة في موجودات الفعل الشعري.

ــ تشكيل المعنى الاحتمالي .
ثمة طاقة و كفاءة لا حدود لها في مساحة وحدات مجموعة الشاعر ، حيث نواجه ثمة حدود خفية و ضبابية راحت تبلغها دلالات المقاطع الشعرية ، في لحظة مباغتة و خاطفة أخذت تنكشف من عندها معادلة ( التفكير التأملي ) و على نحو الذي راح يدفع بالقارىء الى محاولة الإمساك بالمواضع الأشد ارتباطا و لغة انسنة الأشياء: ( أنين حدبات الأرض ــ الكراسي ــ الأسرة ــ لا أرى غبار المكتبات ولا الحدائق النائمة في خضرتها الملحية .. لست معنيا بالمجاديف ولا نقيق آراء المياه الراكدة . / ص10 ) و في إطار هذا التشكيل الشييء نجد الوحدة المقطعية تحقق لذاتها ، تناظرا داخليا مركبا ، إذ تتضح من خلالها ملامح خاصية ، تزحيف الحالات الآنوية ضمن عضوية البناء التماثلي المتصل بين (حركة النص + مخاتلة الدال + معاينة الأنا الواصفة = تواصل المؤشر القصدي ) و على هذا المستوى جاءتنا صور و وحدات مجموعة ( أرباض ) كهيئة مقاطع شعرية قصيرة ، ولكنها لا تقلل من قيمة المنجز الأرسالي في الوظيفة الشعرية . لذا فأننا نجدها حينا عبارة عن انتاجية ملفوظية هائلة ، من شأنها طرح حالات الدوال خرقا لسلامة البنية التقليدية في شكل القصيدة ، و حين نجدها هيئات احوالية تحتشد في طبقات و بؤر و مستويات بليغة من لغة التهكم و السخرية و الكشف الكفائي المتزايد في خلق نموذجية التخصيص الاسلوبي . فما بين تمني و استدعاء نقرأ إجرائية هذه الوحدة الشعرية : ( ربما .. ألتقيه في الأرباض .. ذات أغماضة .. مر بي .. أنذاك مظلتي شعلة خضراء كثيفة الزقزقة و الثمرات .. هل تلاقينا بعد مسافة من الأزرق ؟ ! هناك من يحرس الطريق من الهوام .. يليه من يتحكم بجهد الخريطة و جهات المسافات .. ستتملص قدماي منه و من سواه .. وهكذا و هكذا .. من مسافة القدمين الى الأجنحة .. إذن علي أن أكتب : نافذة و خلفها أكون ولا أطل منها .. لا يكون معي ظلي ولا مرايا . / ص7 ) و هكذا ينفتح فضاء فردوسية الغياب أمام قابلية تشكيلات المحتمل من جهة الشاعر ، و ذهنه المشحون بمواثيق رسم الآخر و غيوب الدلالات الأخرى ، وصولا منه الى ( تصيدني شباكها .. أو تعويذة تحرسني ) ثم بالتالي يتم إقفال المشهد على شبكة من الاشارات و الإيماءات التي راحت تتداخل فيما بينها وعلى نحو حيوي و متوالد على مجموعة إحتمالات و تساؤلات لا تتحقق .

(تعليق القراءة)

إن طبيعة تجربة وحدات مجموعة ( أرباض ) ليست من قبيل أطروحة منتج الحشو و الزوائد الدلالية في مقولات مقاطع المجموعة ؟ بل أنها جملة علامات خاصة وهامة في البعد الشعري و القصدي بامتياز من عناية الشاعر ذاته . ولعل الذي يعطي السمة الشعرية الكاملة لتلك الوحدات النصية الشعرية ، ليست رؤية مساحات تشكيلاتها الطباعية و البياضية و الفراغية في معنونات ساحلية المكتوب ، بل لكونها إمكانية شعرية قابلة للتوظيف و الأخذ و الفهم المتعدد بمقدرات المؤولات و الإحالات الدلالية الناجزة في استعادة حياة و شواغل لعبة و تقانة مخاتلات الفعل الدوالي المتضاعف في مكونات و مؤشرات الفعل القصدي للذات الشعرية التي قامت باستعمالاتها التوظيفية الى قلب لغة و هوية الأشياء الكيانية و الأحوالية ، لكي تصبح وظيفتها اللاتحديد المنسكب في زمن محاور صورة الملفوظ الذواتي و الأفعالي و الصفاتي و العلائقي من زمن مخاتلات الدليل و الدلالة القصدية .