18 ديسمبر، 2024 10:17 م

إضاءة لقصائد مجموعة ( جلالة الوقت )

إضاءة لقصائد مجموعة ( جلالة الوقت )

للشاعر خضر حسن خلف
( جلالة الرؤية و تضاعيف زمن الدلالة الشعرية )
مدخل : إن مادة القصيدة في مجموعة قصائد ( جلالة الوقت)للشاعر الصديق خضر حسن خلف ، راحت تشكل في ذاتها حالة من حالات الوعي الاغترابي الزمني ، الذي غدا ينبع من أسئلة الذات الشعرية ، وهي تباشر تجربتها الملفوظية نحو رحلة دال الحلم الاغترابي و في مسارية صعوده و نزوله ، احتكاكا له بالواقع اليومي ، فتظهر لنا من خلالها فضاءات القصيدة المرتبطة بخيط داخلي واحد وهو
(=الاغتراب ) وتبعا لهذا الالتقاء الاغترابي بمحورية دلالة وجوهر حوارية الأشياء ، أخذت تواجهنا ثيمات محسوسة من الرؤى في عوالم نقطة خروج الشاعر وهو يصف تصوراته الايقونية عبر الحالة الراهنة لديه من محفزات الذات الواصفة ، وصولا إلى مجالات فاعلية صياغة منطقة الآخر الحلمية و بجل مقارباتها المتموضعة عبر منظومة ثلاثية تتكون من ( الزمان / المكان / الذات ) و من خلال هذه الثلاثية المحفزة ، راح منها الشاعر يصوغ لذاته و لنصه أفقا صراعيا محكوما بتضاعيف الذاكراتية و التأملية و الملحقات اليومية ، دخولا منها إلى صورية الافتراضات الأكثر اتساعا في فسحة مقصودية دلالات النزوع المتخيل في القصيدة : ( لي سلطان الأحلام .. و بميعتي حشد من النجوم و الأسرار .. حاشيتي كلمات و حدائق معان .. أكتبني مختلفا في كل مرة أحلم .. أرسمني جسدا يتربص بالأحزان .. و يتلاشى في أثرها مجدا محددا .. أرسمني جسدا في حضرة البكاء ..يعض على سبابته ندما . / قصيدة : حياة : ص40 ) . إن حال انبثاقية الحلم الاغترابي تنبثق هنا كتصور وحيد في تكوين ، المضمون الذي لا يتفق مع انطباعية الحلم الشعري الذي قد لا يلتفت أحيانا إلى جملة المبررات التي تماشي إمكانية التأكيدات العاملة في معطى شيفرة الحلم ذاته . فالشاعر و عبر محصلة دلالة الجملة الاستهلالية في النص : ( لي سلطان الأحلام )راح يقودنا نحو دليل نقطة الانطلاق ثم إلى منطقة ناصية الانفتاح الملفوظي بالحلم ، فيما أخذ في الوقت نفسه يعلن الشاعر و يستوقف بوحه الشعري ، عند حدود فاصلية تشكيل جملة التكثيف التداخلية بالمشهد الرسمي : ( أرسمني جسدا = الانتقال = حوار = فضاء مغلق ) و تبعا لهذا الأمر يبقى حدس الحلم الاغترابي هو المهيمن الزمني المكلف في تحديد فاصلة انغلاق الحلم ذاته، و ذلك نظرا إلى طبيعته الاغوائية الخاصة في مد الملفوظ الوصفي بهذه الجمل : ( و يتلاشى في أثرها مجدا محددا ) غير إن قابلية جلالة الحلم الزمني بالاغتراب تعاود مد نشورها ، وعلى مدى استتباع الزمن الاحوالي ، اتجاها توصيفيا ، كبعد لصياغات التحفظ من الخروج من آتون سلطان الحلم ، وذلك تركيزا على قول الشاعر الأتي : (أرسمني جسدا في حضرة البكاء ) هنا يبدو الموقف الحلمي بالزمن عبر مجموعة الشاعر على ما يبدو عليه الحال في مجرى اشتغالية القصيدة ، و كأنه حالة اتصال بالوعي الآخر ، وصولا إلى مستويات من القابلية الاشارية ، لتكون عملا ملازما للانطباع القصدي في حالة انبثاقاته الموقفية من حال موقف استقراء وجود الأشياء في تمظهرات القصيدة .

ــــ الصورة الشعرية و منظور الرؤية .
إن الوظيفة الأساسية للغة هي التعبير عن حالات و مواقف الشاعر , الخالقة لجملة مركبات دلالاته الشعرية المتمثلة أصلا بالأصوات و الصور و الإيحاءات و الأستعارات و الترميز و الحلمية ، وعلى تشكيل قابلية الإثارة و المتعة في مخزون مجليات دوال قصيدته المحفوفة بالسؤال و الأشارة : فالشاعر خضر حسن خلف و عبر قصائد مجموعته ( جلالة الوقت ) أخذ ينقلنا نحو الموضوعة الثرية بالإيحاءات الشعورية ، كما و له القدرة الكبيرة في الآن نفسه على إثارة الانفعالات الغامضة في مواقع العناصر المكونة لمنظور رؤيته التوليدية ذات الكفاءة الوصفية المركزة : ( منذ ذلك الحين .. إلى عصر يتنفسني بمرارة .. مصحوبا بكل ما هو حزين .. متوهجا بالمتحرك و الساكن .. و الفطرة حياة انشغالاتنا .. الطبيعة تنشج بالاحتمال .. تواري أعماق فتنتها عن عواصف الوقت . / قصيدة : الشوارع تحت مضمار القصد : ص36 ) تثير هذه المقاطع من القصيدة تلك الثنائيات الكينونية الخاصة ، بعتبات تضاعف الحضور الزمني إزاء مسار أسئلة : ( منذ ذلك الحين ــ إلى عصر يتنفسني بمرارة ) و إلى جملة ( مصحوبا بكل ما هو حزين) وإلى ( الفطرة حياة انشغالاتنا ) فهذه الدلالات تشير بدورها إلى تتابعية نمو المراحل الزمنية لدى الذات الواصفة وصعودها التكاثري نحو نقطة معطيات دلالة الفجوة (بتوجس الساسة ) وصولا منها إلى ( معلنة استبسالها بالخطاب ) فالذات الواصفة هنا استدمجت أنماط تفسير ما تراكم في جوهر كينونة زمن الأشياء و تحولها إلى خطابات متشنجة بالاحتمال ، فيما راحت ذروة فتنة فطرية ما (تواري أعماق فتنتها عن عواصف الوقت ) و تتابعا لهذه الجملة القصدية ، يفهمنا الشاعر من أنها جملة فواصل حدوثية الزمن ــ أي مرجعيات الذات نفسها ــ و على وفق طبيعة تلك الخطابات ، أخذ يدخلنا الشاعر مقاربا بداية الحكي مع نقطة العلاقة الأولى باللاحقة : (منذ ذلك ) مما يجعلها تؤول بالزمن نحو الفضاءات المتشكلة من خلفية وجوه التداخل و التقاطب بالحضور و الغياب : ( و أنا أصغي لتنفس الشوارع .. و أصغي لاحتدامي عليها إيقاعا متقطعا .. في فضاء القصائد ) و بهذا تظل أشكال القصيدة مفرطة في الاشارة و تطلعات الذات المتخيلة نحو وسائط وجودها الاغترابي بالقيم المفقودة . و ما يميز هذه الفضاءات أن المرجعية الذاتية فيها شبه مغلقة و شبه مفتوحة : ( لغة الذات = حيادية = مجردة / فضاءات مفقودة = الزمن المفقود = فراديس الذات = مولد الشاعر = الخوف و الرهبة = القصيدة ) و هكذا يبقى الشاعر بوصفه الذي لا يتكلم عن مرجعية حالاته بواقعية عيانية ، أنما يبقى محاولا رسمها صورا بطريقة أحلامه و ذكرياته و أزمنته الاغترابية . و يتسم هذا النوع من قصائد الشاعر بشعرية خاصة تنزاح به عن التأويل الأحادي لتقود نصه نحو خصوصيات الفضاء الشعري بأبعاده الدالة و المستترة و المثيرة .

ــ تعليق الإضاءة ــ
و بهذا الوجيز منا في دراسة بعض من أوجه فقرات قصائد مجموعة ( جلالة الوقت ) حيث تتكامل لدينا إيجازا ملامح و ثيمات مشروع ودليل قصائد مجموعة الشاعر ، حيث كانت تحاول وصف مسار تجربة القصيدة ضمن عوامل زمنية الذات وحالات الأشياء ، ولكننا من جهتنا نتعرف كإضافة لفعل صراع الذات مع وقائع تعارضات الواقع لها ــ أي مرجعيات الواقع الخارجي ــ التي تنحصر في الاغتراب و التغريب و الفقدان و المفقودية . و بهذا التصور بدت قصائد الشاعر و كأنها الفراشة التي تقف بوجه الرياح : ( إلى أين تمضي بي هذه المحارق ؟ وكدت أقول : سأندم كثيرا على جسد يحترق في الأيام .. فقد تقاسمته الأمنيات و وعود الساسة .. بكاء أمي على كفة توازن به أضغاث أحلامي . / 13 . إل أين : ص91 ) هكذا هو الحال في قصائد ( جلالة الوقت ) للشاعر خضر حسن خلف ، حيث جاءتنا مشحونة بالقلق الوجودي ، فيما تنتهي بآخر قصائدها المعنونة ب ( آخر محارقي ) لتتشكل من خلالها تمظهرات التصويرية التوصيفية الحاذقة و هي في أواخر دوال فصول جلالة الرؤية و تضاعيف دلالة الزمن الشعري.