18 ديسمبر، 2024 7:08 م

إضاءة قصيرة لنصوص ( قبرها أم ربيئة وادي السلام )

إضاءة قصيرة لنصوص ( قبرها أم ربيئة وادي السلام )

للشاعر جواد الحطاب
( نصوص المرثية في مآتم فاجعة قصيدة اللارثاء )
( توطئة )
تتبنى المنظورية اللسانية لجورج لايكوف و مارك جونسون 
في تحليل النزعتين ( الموضوعية ــ الذاتية ) بوصفهما
أسطورتين معاصرتين تضغطان على اللاوعي العلمي و
البحثوي و المخيالي لعصرنا .. فهما أشبه بالنظام الأستعاري
الذي بات يأطر أمكانات تفكيرنا الصوري و العقلي و
العاطفي و التأملي : فهل يمكن لنا وفق هذا الصدد ادراج
محمل تنصيصات أدلجة نصوص ( جواد الحطاب ) في
مجموعته الرثائية الجديدة ( قبرها أم ربيئة وادي السلام )
ضمن مشروعية خطاطة موضوعية المحايثة و الإسنادية
الشعرية القصدية الجديدة ؟ أم لربما يجوز لنا زجها في
منحى شعريات أرتباط الموضوعية الخطابية في قطب
وخانة النزعة التلطيفية في مناجاة روح المتوفى ؟ في
مجموعة شاعرنا العزيز جواد الحطاب ثمة توزيعات فسائلية
شتى تتحد بأمكانية توفير محدد تواصلي بين الأوجه الدلالية
الغير جادة في صنيع خطاطة رثائية صورة المرثية و
أصولها الثيماتية التي تنصب عادة في قولبة رثائية رصينة
لا يخالجها أدنى درجة من درجات التهكم أو الأستخفافية
أو أدنى درجة من درجات اللاحرفية الحسية في التعبير عن
صياغة مبنى غنائية المرثية . و لدرجة وصول الأمر
بالخطاب الغنائي للنص ( الأم ) و وقوعه القسري في أقصى
محطات قاع الأنفصالية و الأنحرافية عن خطية المؤول
التعرفي في أدوات و موجهات النص الموضعية و
الموضوعية وليس الذاتية الانطباعية في صوت دلالات
الشاعر العابثة قسرا :
أنا الآن من دون بدرية نعمة ؟ !!!!
للمرة الأولى ، يحدث هذا :
أن تتركني بدرية نعمة
و تذهب بزيارة مجهولة !!
أن الشاعر الحطاب في موجهاته التمهيدية يطلعنا على أن
هناك أشياء و حالات ظرفية غير محددة على الرغم من
توفر القدرة العنوانية الكاملة وصورة الغلاف الدلالية
الكاشفة بأن هناك حالة من حالات المنازل الموتية الواضحة
و التي تتعلق خاصة بما قاله آيزر : ( أن العمل الأدبي
قطبين قد نسميهما : القطب الفني و القطب الجمالي : الأول
هو نص المؤلف وحده و الثاني هو التحقيق الذي ينجزه
القارىء احتمالا ) و في ضوء هذا التقاطب يتضح بأن العمل
ذاته لا يمكن أن يكون مطابقا لا للنص ولا لتحقيقه بل لابد
من أن يكون واقعا في أمكانية أستدلالية نسترشد منها القدرة
التواصلية بين فجوة اللاتحديد و التحديد ذاته . أي بمعنى ما
أن القارىء لجملة ( أن الآن من دون بدرية نعمة ؟!!!! )
ربما لا يستدرك القارىء من خلالها على مدى صلة فعل
الوصل بين شخص ( بدرية نعمة ) و بين دلالة اللاتحديد
في مقولة ( الأنا الشاهد ) المتساءلة عن غياب ذلك الشخص
الذي ليس هو بالزوجة أو الحبيبة أو الأم أو الشقيقة أو حتى
الصديقة مثلا . و ذلك ما يؤكد احتمالنا وهو قول الشاعر
( للمرة الأولى يحدث هذا / أن تتركني بدرية نعمة / و تذهب
بزيارة مجهولة ) فالشاعر لربما أراد للقارىء الدخول
المتمسرح في دوامة آلية التمويه و السياق اللاأظهاري لهوية
و معرفات شخص بدرية نعمة بادئ ذي بدء : ولكن قد
نتساءل لوهلة أولى ؟ كيف أن الشاعر رغم علمه التوكيدي
بأن بدرية قد ذهبت بزيارة مجهولة وهو في مطلع القصيدة
يخبرنا بأنه ( أنا الآن من دون بدرية نعمة ) إذا فللشاعر
الأسبقية العلمية و الأولية بأن شخص بدرية ــ قد أضحت في
غياهب المجهول ( الموت ) هذا تبعا لقوله التوكيدي أيضا
بيقينية أن شخص بدرية هي منذ دخوله الأول عين المقولة
الأيقونية بأنها لم تعد موجودة أصلا . أن فضاء العتبة
الاستهلالية في مقولة الشاعر النصية الأولى تبدو لنا غير
مؤهلة موضوعيا بشكل و بآخر لاسيما من حيث تماسكها
الدلالي و العلامي لأنها ببساطة لم تكن محمودة في سبكها
وحبكها خاصة و أن موضوعة الغياب تطرح ذاتها منذ
الأزل من إجرائية عتبات القصيدة .
( الاظهارية المرتبطة بمسار جزئي )
حين كنت أرتكب الحماقات
و أباشر أهوائي باجتياز خطوط الرب الحمراء ..
أخرج للوعيد لساني
: ههه .. معي : بدرية نعمة
. . . أعرف أن الله
صديق شيلتها السوداء كأفراح القديسين
أقول لصور القديسين ،
للأولياء الذين تراقبني أعينهم
بحنو و اشفاق
أنا في حرز مكين فمعي : بدرية نعمة
يبدو أن المؤول السنني الذي أعتمده الشاعر في كتابة هذه
السطور قد لا يحقق شكله الاعتباري الموضوعي و الفني
و البرهاني و القياسي من خلال هكذا دلالات عائدة لزمن
مشاهدات و شواهد الشاعر الافتراضية التي لا يستحسن
كتابتها في مجال قطعة رثاء لمتوفى ما . و لربما هذا الكلام
و الصور من لدن الشاعر لا تتوفر على مساحة اظهارية
مقنعة و مؤثرة في ذهنية القارىء الشعري . كما أن عاملية
المصدرية المعاشة في دليل رسومية الشاعر لأحداثه
التصويرية مع الأسف قد جاءتنا من خلال لغة لا تحمل في
دلالتها الأنيقة و الرشيقة سوى مزيد من المثالب و
الارهاصات اللامدروسة في كتابة و تدوين شعرية الحزن
على فقدان المتوفى . بل أنها تبدو لنا محض اشارات
اسقاطية التقطها الشاعر من خلال ذاكرة يومية أقرب الى
الحدوتات و حكايات هزل الأطفال : فأنا شخصيا لست
بناقد في أي يوم من الأيام ولكن يجوز لي أن أحاكم و أن
أنتقد نصوص الشاعر من ناحية قرائية و ذوقية لذلك أجدني
أقول بأنني لم أجد أية قيمة شعرية ما في مثل قول الشاعر
في هذه الجملة ( أعرف أن الله صديق شيلتها السوداء كأفراح
القديسين ) في الحقيقة أنا لا أجد ثمة علاقة رابطة ودالة بين
جملة ( أن الله صديق شيلتها السوداء ) و جملة ( كأفراح
القديسين ) و جمل أخرى عديدة في أماكن متفرقة حيث
جاءتنا و كأنها قوالب فوضوية بلا وزن ما في عضوية
وظائفية القصيدة الرثائية .
( تعليق القراءة )
و نحن نقرأ قصائد الشاعر جواد الحطاب في مجموعته
( قبرها أم ربيئة وادي السلام ) لم نجد الشاعر في وظائف
مجموعته الشعرية معتمدا انتاجية رصينة في إداء وظيفته
الجادة ، بل على العكس وجدنا هناك محاور ذاتية مفرطة
في خواصها المستل منها أغراض و صفات و لوازم
انطباعية بحتة لدرجة عدم وصول النصوص الى مرتبة
الاستثمار الدلالي المفيد و القرائي الجاد الذي من شأنه
دعم نمو وظيفة دلالة المرثية الشعرية بشكل متكامل .
فالشاعر الحطاب في نصوص مجموعته بات يستخدم ثمة
تواصيف خارجة عن حدود أطر مختزلات الرثاء المؤثر
كقوله ( وما دام موتك في أوله ــ سنرتب شمسا تليق بقمامة
قيلولتك ) وكقوله ( ستنامين .. و أنا .. تحت ملل ناعم ..
أنتظر .. تصحيح مسودة الحياة ) و تبعا لهذا أقول كان ينبغي
على الشاعر الصديق جواد الحطاب توفير حالة من حالات
التوافق مع صفات الأصل وصفات التعارض من أجل بناء
حيثيات توصيفية جادة تساعد النص على خلق القناعات
الذهنية و الذوقية و العاطفية و الفنية بالمتغير المتعارض ،
لا أن تبدو مواضع حالات الأشياء الرثائية و كأنها تؤدي
وظيفة مغايرة لغايات لحظة الرثاء الشعرية في نموها و
تطورها و قواعدها و معاييرها السياقية الثابتة في مدار
لحظة وعيها القصدي المتميز و الإيحائي المشوق .