18 ديسمبر، 2024 9:20 م

إضاءة على حياة الأديب زاحم جهاد

إضاءة على حياة الأديب زاحم جهاد

الرحيل لا ينتظر الكلمات ولا يلتفت اليها ولا يعنيه شأن القلوب ولا المواعيد المتأخرة ولا الرغبات والأمنيات هو جامح يحصد مثلما الريح أمامه ، ويلتف حول الأشياء والأشخاص والكائنات ويطويها في دوامته المفرطة في القسوة ويترك الباقين بإنتظار مصيرهم المحتوم .

زاحم جهاد الشاعر الموسوم بالحزن وصورة المتأمل الطامح المفعم برغبة التغيير وصناعة الحياة ونشر كلمات الأمل بلوحات شعرية ، رحل عن دنيانا وترك إرثا أدبيا رائعا وأرشيفا يؤرخ لمرحلة إبداعية لعائلة عراقية محترمة معروفة بوجود شخصيات فذة نبغت وتألقت كالأستاذ الإعلامي والصحفي عاصم جهاد وهو شخصية عرفت كونها شخصية ثقافية متزنة ومعتدلة ولها حضور في الأوساط الإعلامية والثقافية ، كذلك شقيقه الأستاذ زاهد جهاد الذي يعمل في قطاع الصحافة وله باع طويل في العمل الإداري والصحفي وهو من الشخصيات المعروفة .

الأستاذ الأديب الراحل زاحم جهاد ترك بصمة واضحة في مجال الأدب والشعر والصحافة ، ويعد الفقيد الراحل احد رواد المقامة ومن محدثيها والمقامة هو نص نثري تشبه القصة القصيرة في اسلوب صياغتها ولكنها تختلف بانها تتميز ببلاغة لغوية في المفردات ، وكان حاضرا في النشاطات العامة وله إسهامات إنسانية عديدة ، ويحظى بصداقات في الوسط الصحفي والإعلامي ، كما يشهد له ميدان الشعر والأدب ، كما يشهد له الشعب العراقي وخاصة مناطق البادية والحدود وأغلب محافظات البلاد بمعالجة الألغام غير المنفلقة ، حيث اسس المنظمة العراقية لإزالة الألغام لخبرته الكبيرة في هذا المجال كما ساهم مع المنظمة الدولية لصناعة الأطراف الصناعية للمتضررين في حوادث الألغام وقام بإجراء عمل إنساني للمسح العام للحدود الشرقية والجنوبية بخصوص مديات تأثير الإشعاعات النووية المنبعثة من مخلفات المعدات العسكرية ومنها إشعاع اليورانيوم ومدى تأثيرها على البيئة وسكان هذه المناطق التي إكتظت بهم صالات مستشفيات الطب الذري ، وكذلك أشرف على منتخب الهندسة العسكرية لكرة القدم كونه آمرا لهذه المديرية .

وبجهوده الوطنية المخلصة حذر الحكومة العراقية بعد عام 2003 بوجود اكثر من 25 مليون لغم منتشر في أغلب المناطق الحدودية والتي جعلتها السيول تمتد إلى الكثير من المناطق حيث الى مقتل وبتر اطراف العديد من الضحايا ، وسببت هذه الألغام والمقذوفات والمخلفات الحربية إلى ضرر كبير في مجال الزراعة ، ويعرفه المثقفون العراقيون بأخلاقه الطيبة وبإنتاجه المتزن ، فلم يكن يبحث عن الدعاية لمجرد الحضور والتسابق من أجل أن يكون تحت الضوء لأنه يؤمن بأن الأدب الرفيع رسالة إنسانية لا تقف عند حد الشهرة والظهور الإعلامي ، حيث جمع مخزونه الشخصي بين العلوم العسكرية بجوانبها الإنسانية ومهنيته الثقافية والأدبية والرياضية ، رحم الله هذه الشخصية المتعددة العطاءات التي هي منجز إنساني من أجل الإنسان ومستقبله الذي يشكل هاجسا يوميا للمجموعات البشرية الطامحة والقلقة من الغد والراغبة بالمزيد من الطمأنينة والذهاب بتوجس نحو تطلعاتهم .

هذا الأديب نجح في خلق عوالم فكرية جميلة مؤثرة من خلال مؤلفاته وكتاباته التي شكلت جزءاً من ملامح ثقافة المجتمع العراقي والعربي ، يعد النقاد الفقيد الراحل زاحم جهاد مطر هو أحد فرسان الشعر والهايكو و أحد رواد “المقامة” ومن محدثيها ، و”المقامة” هو نص نثري شبه القصة القصيرة في أسلوب صياغتِها ، ولكنها تختلف عنها بأنها تتميز ببلاغةٍ لغويةٍ في المفردات ، يقف الأديب الراحل الذي ولد ببغداد في مقدمة من كتب شعر ” الهايكو” أيضاً وأبدع فيه ، كتب الرواية والقصة والدراما التلفزيونية والمسرحية ، لديه دراسات وبحوث ونقاشات عن “ملحمة كلكامش ” التاريخية ، حصل على جوائز عديدة منها جائزة المثقف لعام 2013 ، مؤلفاته : مقامات معاصرة ، أنا كلكامش آخر – مجموعة شعرية ، كلكامشيات مجموعة شعرية مسرحية ” ، هو الذي رأى كل شى” مقتبس من ملحمة كلكامش الخالدة ” قيد الطبع ” ، ترجمت أعماله الشعرية إلى اللغة الإنكليزية والألمانية واليابانية والتركية ، رئيس ملتقى المثقف العراقي ، عضو إتحاد الادباء والكتاب العراقيين ، مؤسس ورئيس للمنظمة العراقية لإزالة الألغام ” امكو ” أول منظمة إنسانية بعد عام 2003 ، أول من أعلن عن وجود أكثر من 25 مليون لغم ومقذوف من مخلفات الحروب السابقة منتشرة على أراضي شاسعة تهدد حياة العراقيين ، ساهم في فريق المنظمة التطوعي بتنظيف وإزالة الألغام لمساحات تقدر بآلاف الكيلومترات ، يعد خبيرا عالميا معتمدا من الأمم المتحدة وناشطا انسانيا .

ليس غريبا أن يحظى الأديب الراحل زاحم جهاد بكل هذا الإهتمام والتبجيل من قبل الأوساط الأدبية والنخب الأكاديمية وقطاعات إجتماعية عدة فهو قد ترك في نفس كل واحد من المهتمين والمحبين للأدب والثقافة والعلوم العسكرية الميدانية والمواقف الإنسانية أثرا لا يمحى جعله محط ذلك الإهتمام وتلك الرعاية الإستثنائية وأخير وبعد رحيله تم تكريمه في مهرجان بابل الدولي . فألى جنات عدن ونعيم وحشر مع الطيبين الطاهرين .