بعض الساسة العرب وقادتهم يتحدثون عن إصلاح الخطاب الديني ويتجاهلون إصلاح الخطاب السياسي الذي هو الأساس , فلو كان الخطاب السياسي صالحا ومستوعبا وجامعا ووطنيا حقا , بمعنى يضع مصلحة الوطن والمواطنين أولا , لكان الخطاب الديني متماثلا معه.
فالخطاب الديني إنعكاس للخطاب السياسي , وفي المجتمعات العربية التي يفسد فيها الخطاب السياسي ويكون مفعما بالفئويات والمناطقيات والتحزبيات , ترى الخطاب الديني ينساق وراءه ويحذو حذوه ويكون مثله وأشرس.
فالمشكلة التي يتغافلها الساسة العرب أن الخطاب السياسي هو الأهم في رسم خارطة السلوك البشري , وأن الخطاب الديني عبارة عن صدى للخطاب السياسي , وهذا ماضٍ على مرّ العصور وفي مختلف المجتمعات البشرية , وما نسميهم بوعاظ الكراسي أو السلاطين موجودين في جميع المجتمعات والديانات.
فالديني يعتاش على السياسي والعكس صحيح , لأن العلاقة متبادلة ومترابطة وتكاد تكون إعتمادية أو تكافلية , ولهذا فأن الدعوة إلى إصلاح النتيجة والإمعان في تأكيد السبب وتطويره , سلوك فيه من الإضطراب ما يشير إلى العمل المغفل لصناعة الكوارث الإجتماعية والتداعيات المدمرة للبلاد والعباد.
وعليه فأن المطلوب أن يتحقق إصلاح حقيقي للخطاب السياسي , ويعمل القادة على كتابة الخطابات المدروسة والواعية المستوعبة , البليغة القادرة على توظيف الطاقات والقدرات لتحقيق تفاعل إيجابي مشترك ما بين أبناء المجتمع , للوصول إلى أهداف ذات قيمة شاملة وطاقات تأهيلية للأخذ بالناس إلى آفاق التقدم والرقاء , وعندها سينساق الخطاب الديني وراء الخطاب السياسي ويكون عونا له ومعززا لخطواته الحميدة الطيبة.
لكن إحتشاد الخطاب السياسي بالعدوانية والبغضاء والإنتقامية والإقصائية , والتهديد والوعيد والتخويف والقسوة على المواطنين , وأسرهم بالحرمان والركض المطلق وراء الحاجات , يؤسس لخطاب ديني مشحون بالسلبية والعدوائية , فيخسر الوطن والمواطنون.
ولهذا فمن الواجب على القادة أن يتحوّلوا عن دعوات إصلاح الخطاب الديني أو الإصلاح الديني , والعمل الجاد والمجتهد على إصلاح الخطاب السياسي , وتأكيد الإرادة الوطنية الصادقة لإنجاز الإصلاح السياسي النافع للناس , وبهذا تكون الأوطان عزيزة ويعيش المواطنون بكرامة وقدرة على بناء الحياة المشرقة بحاضرها الجميل ومستقبلها الأجمل!!