صدر في بغداد كتاب جديد للباحث والكاتب لطيف عبد سالم وسمه بـ: (كاظم عبد الجبار.. شاعرٌ غنائيّ توارى منسياً في متاهات الزمن). الكتاب الذي يقع في (161) صفحة، قدم له الناقد العربي الفذ الدكتور حسين سرمك حسن، وصمم غلافه القاص والمصمم الأستاذ فلاح العيساوي.
تناول الباحث في مؤلفه الجديد سيرة حياة الشاعر الغنائيّ الراحل كاظم عبد الجبار منذ ولادته عام 1937م، وحتى وفاته المبكرة، وما تخللها من إبداعٍ وآلام، إلى جانب الخيبات التي لاحقته حتى بعد رحيله عن عالمنا عام 1980م، فضلاً عن البحث في منجزه الشِعري، ودوره في المساهمة بإدامة زخم الأغنية السبعينية من خلال جملة الأغنيات الوطنية والعاطفية التي كتبها. ويضاف إلى ذلك نشاطه الإعلامي المتميز. وقد ضمن الباحث أحد فصول كتابه الستة شهادات وآراء مجموعة من الأدباء والشعراء والفنانين بخصوص تجربة الشاعِر الراحل الشِّعريَّة والإعلامية. وقد كانت ندرة المصادر الورقية أو الشفاهية إحدى أبرز المشكلات التي واجهت الباحث في إنجاز بحثه هذا؛ نتيجة غياب معظم من عاصر الشاعر المترجم له بسبب الموت أو الهروب إلى المنافي البعيدة أو العيش تحت رحمة المسكنات من الأم الإمراض.
في بداية مقدمة الدكتور سرمك التي حملت عنوان: (كاظم عبد الجبار.. المبدع الذي واريناه خلف حُجُب النسيان)، بإشارةٍ صريحة إلى مسؤولية الجهات المعنية، وفي المقدمة منها مفاصل البيت الثقافي في المساهمة بتغييب منجز الشاعر الغنائيّ الراحل كاظم عبد الجبار من الذاكرة المحليَّة، يقول سرمك: (إنَّ موضوع الكتاب شاعر ذو طاقة ليس شِعرية في حقل النص الغنائيّ العراقي والقصيدة العاميَّة العراقية فحسب، بل إعلامية بالمعنى الشامل أيضاً، ومن المُحيّر أنْ يختفي ذَكره بهذه الصورة المؤلمة بعد أنْ رحل بصورةٍ مبكرة).
أرى من المناسب أنْ نقتطع بعضاً من المقدمة هذه التي تميزت بارتكازها على الموضوعية، فضلاً عن شغلها صفحات عدة، ومن بينها قول سرمك: (ولعلَّ النِيّةَ المخلصة للكاتب تتجلى من صفحة الإهداء:
(إلى كلّ مبدع توارى خلف حُجُب النسيان)
ليصبح جهده تعبيراً عن مسؤوليةٍ جمعية مُعطّلة يتصدّى لها بقلمه الفرد البارع وبجهده المُضني، حيث لم يُبقِ جهةً – في الداخل والخارج – ذات صلة بعطاء ودور وتراث الشاعر كاظم عبد الجبار إلّا واتصل بها بكل الطرق ليحصل على صورةٍ أنشب فيها الفناء أظفاره التي لا ترحم أو نصًّ مُهمل علاه غبار النسيان الثقيل أو شهادة تأخرت لأربعين عاماً!!).
يشير الدكتور سرمك أيضاً إلى أهمية الكتاب هذا بقوله: (هكذا يضرب لطيف الأنموذج في الإخلاص والعمل الجاد من أجل إحياء ذكرى مبدع عراقي من بين عشرات المبدعين العراقيين الذين تعاونّا على مواراتهم خلف حُجُب النسيان. ومن الممكن أن يكون هذا الأنموذج حافزاً ونواةً لمشروع وطني شامل إذا توفّرت الإرادة والنوايا الوطنية المخلصة). كذلك تناول سرمك تأثير الأغنية في حياة الشعوب قائلاً: (وقد يستكثرُ بعضُ السادة القرّاء أنْ يخصّصَ لطيف كتاباً كاملاً بكلّ ما يعنيه من جهد في الملاحقة، والجمع، والتقصّي، والكتابة المُرهقة لشاعرٍ غنائيّ “مَنسي” كما وصفه الكاتب نفسه. لكنني أعتقد أن الكتابة عن شاعرٍ غنائيّ أكثر إلحاحاً من الكتابة عن مبدعين في أجناس الفنون والآداب الأخرى. فالأغنية أشدّ وطأة وفعلاً في التأثير في الوجدان الوطني، وبناء الشخصية القومية للشعوب). ثم أردف قائلاً: (ولهذا أضع أهمية كبيرة على جهد المؤلف في هذا الكتاب. فالأمر ليس استعراض سيرة وتراث الشاعر الراحل فقط بل هي إعادة تربية وجدانية للمتلقي وتذكير بضرورة أن نأتي القلوب من حيث إقبالها وعدم إكراهها فتعمى كما يقول الرسول الكريم).
في مباركته لجهد الباحث يقول الدكتور حسين سرمك حسن: (وحين يذكّر لطيف عبد سالم بما كتبه كاظم عبد الجبار من أغان – ناهيك عن استعادة دوره الثقافي النشيط، والمتعدّد الأوجه في المجال الإعلامي “إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية وكتابة تحقيقات صحفية.. وغيرها” بشكل عام – فإنّه يعمل على سدّ ثغرة في التاريخ الغنائيّ والشعري العراقي أُهمل ترميمها من خلال إغفال العناية والإحاطة بمنجز هذا الشاعر الثر خصوصا في جانب الدور الوطني للشعر الذي تحاول المناهج الحداثوية تغييبه).
يختم الدكتور حسين سرمك حسن مقدمته التي أعدها قراءة نقدية مكتملة أسس البناء النقدي الأصيل بالقول: (لقد أثار لطيف عبد سالم الكثير من التساؤلات التي ترتبط بحياتنا الثقافية في كتابه عن الشاعر المبدع الراحل “كاظم عبد الجبار” وهذه ميزة مُضافة لكتابه هذا.. فتحية له).
وتحية أضمنها أنقى عبارات الشكر والامتنان إلى لأديب المثابر والناقد الفذ الدكتور حسين سرمك حسن.