تكمن المشكلة اٌلرئيسية لمعظم اٌلأحزاب اٌلعراقية ومعظم اٌلأحزاب الشرق الأوسطية مع الديموقراطية في نمطها، إذ أن معظمها مبنية و مشكلة، تحت التأثير المباشر والغير المباشر للأحزاب اٌلإشتراكية الشيوعية اٌلمعروفة باٌلنمط اٌلستاليني اٌلبلشفي اٌلسلطوي اٌلقمعي اٌلتي تؤمن باٌلعنف كأداةٍ للمنافسة اٌلحزبية واٌلطريقة المثلى للوصول إلى السلطة و تحقيق غايتها حتى الأحزاب الإسلامية منها غير مستثنى من هذا التأثير وإن إدعت عكس ذلك وحتى إن كانت لا تحمل الفكرة والعقيدةٍ نفسها،إلا أن هيكلها التنظيمي وطريقة إدارتها وقيادتها و أسلوب تخريج القرار الحزبي فيها متاشبهة للنموذج الستاليني تصل في اٌلكثير من الأحيان الى حد اٌلتطابق.
وهذا النموذج وكما هو معلوم مركزي القيادة هرمي الشكل، قراراتها فوقية كل أعضاء هذهٍ اٌلأحزاب يتحلقون في فلك واحد و هو فلك قائدهم وهو الشخصية اٌلأهم فى هذا التظيم و تتركز في يدهٍ جميع الصلاحيات والسلطات و بالتالي هو صاحب كلمة اٌلفصل في جميع القضايا المطروحة وهو صاحب القرار النهائي، وهذه السطوة والكاريزما لشخصية القائد يطغى على جميع الشخصيات الأخرى و يلغيهم تماماً مهما كانت قوتهم وبروزهم فهم يبدون أقزاماً مقارنة بقائدهم وهذا كله يؤدي بالضرورة والحتمية الى أن يذوب الحزب نفسه بكليتهِ في شخصية هذا القائد اٌلرمز وجميع أعضاء هذا الحزب يصبحون منتمين فعلياً الى القائد بدلاً من أنتمائهم لحزب له كيانُُ و بناء على أساسٍ مدروس و واضح المعالم محدد المهام والواجبات مبني على توزيع اٌلأدوار وحتى أن إسم الحزب نفسه يصبح باهتا أو منسياً ويسمو إسم القائد فوق كل إسم و يصبح رضاء القائد الفذ هو الطريقة الوحيدة الى الإرتقاء فى السلم التراتيبى لهكذا أحزاب بدلاً من إتباع الطرق المعروفة والمتبعة و إعتماد معايير الكفائة والإجتهاد، وكل هذا يؤدى بالنهاية الى الغاء إرادة وشخصية الفرد.
وبما إن الديموقراطية كنظام حكم، يتجسد فيه إرادة الحرة للأفراد والمواطنين و يعد إنعكاساً حقيقياَ لرغباتهم والذين بكليتهم وبمجموعهم يشكلون اٌلشعب اٌلذى يعتبر اٌلمصدر اٌلوحيد للسلطات في هذا النظام الذي هو أكثر اٌلأنظمة التي توصل أليها البشرية نجاعةً في مجال حقوق الإنسان والمواطنة و تكافؤ الفرص والكثير من المميزات التي يتيح لمواطني أية دولة مُطبِقة لهذا النظام الكثير من الفرص للعيش برفاهية و كرامة و رخاء و يتحقق من خلاله العدالة الإجتماعية، و يكون الفرد فيه هو المركز واٌلهدف ومهام اٌلدولة تكون محصورة في تكفيل حياةِ كريمة له، إذ إن من مميزات هذا النظام هو أن هدفه تحقيق أكثر درجات السعادة والرفاهية والرخاء للمواطنين.
ورغم كل هذهِ المميزات المذكورة والكثير الغير المذكور الا أن النظام الديموقراطى نظام صعب اٌلتطبق في أرض اٌلواقع إذا لم تهيئ له الأرضية اٌلمناسبة والبيئة المعدة بإتقان فهو نظامُ حساس و يحمل في طياتهِ وثناياه اٌلكثير من اٌلتعقيد و تتطلب اٌلكثير من اٌلظروف اٌلمثالية واٌلتوازن و اٌلتهيئة واٌلتمهيد و اٌلتحضيرات اٌللازمة بغية تطبيقه بشكل فعال و حقيقي و تفادي فخ الصورية التي يقع فيه غالباَ اٌلكثير من الأنظمة التي تتدعي تبنيها للنظام اٌلديموقراطي كنظام حكم إلا إنها في الواقع لا تتعدى كونها مسرحية هزلية تمثل الديموقراطية و هي أبعد مايكون عنها و أنها إختصرت كل ماتحمله النظام الديموقراطي من مزايا و متطلبات نجاح في إنتخابات هزلية هزيلة تكون في الشائع مزورة و لا تعكس تطلعات الشعب لا من قريب ولا من بعيد وأنها باٌلأساس صُمِمَت و خُطِطَ لها لأفراز أناس معينين و أحزاب محددة الى الساحة السياسية والى سِدة الحكم و هذهَ اٌلأنتخابات تكون مضبوطة معملياَ معروفة النتائج مسبقاَ و اٌلمشاركين فيها كأشخاص و أحزاب ليس لديهم في الغالب الأعم الثقافة اٌلديموقراطية وحتى أن كثيراَ منهم لا يؤمنون بها وإنما يتخذونها مجبرين كوسيلة للوصول الى اٌلحكم وتجميل صورتهم و إسداء نوع من اٌلشرعية و إستحصال نوع من القبول من المجتمع الدولي لحكمهم حتى إن قسماَ منهم لايخفون تحقيرهم لهذا النظام وليس لديهم ثقافة قبول الأخر و اٌلأعتراف به إذ إن تكافؤ فرص الفوز في هكذا إنتخابات تكون معدومة ويعتبر ضرباَ من الخيال و حتى أن الأحزاب المشاركين يكونون هم ذا خلفيات غير ديموقراطية و لكن من المثير للسخرية أكثر إن الكثير منهم يحملون ضمن أسماء أحزابهم كلمة الديموقراطية وهي منهم براء، براءة الذئب من دم إبن يعقوب.
وكما أسلفنا فإن النظام الديموقراطي نظام متطلب يتطلب الكثير من الشروط الواجب توافرها لكي تزدهر وتؤتي بثمارها ومن هذهِ الشروط المهمة على سبيل المثال لا الحصر توافر بيئة وأسلوب حياة معينين فإنها أي الديموقراطية بالنهاية هي أسلوب حياة قبل أن تكون نظام حكم، وتطلب أيضأً وجود أشخاص وباٌلأخص اٌلسياسين منهم و أحزاب ذوات خلفيات ثقافية متنورة و متفتحة على الأخر ليس لديها تعقيدات شوفينية وتمييز طائفي أو إعتراضات دينية وتكون متقبلة و متفهمة للفكرة الصحيحة واٌلأصيلة الديموقراطية
و بما أن اٌلديموقراطية مبنية على أسس واضحة منها اٌلإرادة اٌلحرة للأفراد(Free will) و تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية (Equal opportunities and Social Justice) واٌلأهم من كل ذلك إجراء إنتخابات حرة نزيهة(Free Elections ) تعكس اٌلإدارة الحرة للشعب و وجود معارضة حقيقية فعالة (The Real Efficient Opposition ) واٌلرقابة واٌلتوازن(Check and Balance) و اٌلتداول السلمي للسلطة(Peaceful Circulation of Power).
كل ذلك يتطلب وجود أحزاب ذات طبيعة تتناسب مع هذهِ ااٌلأسس وغيرها التي أوردناها على سبيل المثال و يجب عليها أن تكون بالضرورة متفهمة و متقبلة و محتضنة لها، ومن هنا باٌلذات تبدأ التصادم وبزروز إشكالية الأحزاب اٌلعراقية وحتى الشرقية مع اٌلديموقراطية إذ لايسمح لها تركيبتها الإستبدادية المحكومة من قبل فرد واحد واٌلتي شرحنا قسماً منها في مستهل هذا المقال باٌلتوافق واٌلتلائم مع ما تتطلبه اٌلديموقراطية من وأسس ومع ما تتخذ من معايير لقياس نجاحها وفشلها ولا تتطابق حتما مع قيمها وفيما يلي شرح موجز لمشاكل التي تواجه هذهِ اٌلأحزاب مع كلٍ أساس من اٌلأسس اٌلمذكورة على حدة:-
اولاً الإرادة الحرة ( Free will).
طبيعة تللك الأحزاب تكون مٌلغية للأفراد وشخصياتهم وتذيبها جميعاً في بوتقة اٌلحزب و تجعل منهم أشخاص موجَهين ومنقادين بتوجيهات و أوامر فوقية صارمة صادرة من الحزب و قائده اٌلرمز حيث يوجهم للمكان التي يريده منهم أن يذهبوا إليه بدون مناقشة أو تحليل أو تفكير و يرغمون على تنفيذ أوامر قد يكونون غير راضين عنها و يرغمون على إختيار أشخاص غير مقتنعين بهم في إنتخابات مبنية و مصممة مسبقاَ لفوز أشخاصٍ معينين هذا إذا كانت هناك إنتخابات أصلاً و بذلك فأن هذهٍ الأحزاب تلغي أول ما تلغيه هي ألإرادة الحرة للأفراد لإختيار مايريدون والتي هي من الأسس الحيوية في المجتمعات الحرة المتحررة من القيود والإلتزامات البالية التي تقيد الفرد بقيود سخيفة تجعل منه شخصاً فاقداً للأهلية وخصوصاً في مجال السياسة والإنتخابات و هي التي تحدد ما إذا كانت ديموقراطية محترمة و حقيقية ومعتبرة أو مجرد تمثيلية خالية من الروح .
ثانياَ تكافؤ الفرص والعدالة اٌلإجتماعية(Equal opportunities and Social Justice).
تكافؤ الفرصة من سمات المهمة و أساس اي تنافس شريف و عادل في الحياة وفي الممارسات اليومية إذ أن بتوفرها في أي سباق تفرز الفائزين الحقيقين الكفوئين والمستحقين للفوز على أساس الكفائة و الجهد المبذول غير متأثرين بمؤثرات خارجية و يؤدي إلى تحقيق قدر مقبول من العدالة اٌلإجتماعية مما يخلق جواَ مشجعاً للعمل الدئوب واٌلتوق الى التقدم وإعطاء المزيد من الطاقة وبذلك تنمو المجتمع وتزدهر، هذا الوصف والشرط أكثر من ضروري لكل نشاط أُريدَ له أن تكون ديموقراطياُ و عادلاً وخصوصاَ في مجال تشغيل الوظائف و الأهم في مجال الترشيح والمنافسة على اٌلمناصب و هنا أيضاً تصطدم تلك الأحزاب مع هذا الركن وهذا اٌلشرط إذ لايمكن لها أن توفره لأنها لا تتخذ أسساً، الكفاءة معياراً للترشيح والتنصيب وإنما تكون الولاء اٌلحزبي واٌلشخصي هي اٌلفيصل واٌلحاسم في هذا اٌلمجال و تكون عملية اٌلترشيح أو اٌلتعين بيد المتنفذين في الحزب، و أما بٌلنسبة للمناصب اٌلمهمة واٌلحساسة فتكون محصورة ضمناَ بيد اٌلقائد وتكون بعض المناصب واٌلألقاب حكراَ عليه شخصياً لا يجرؤ أحدٍ حتى على المطالبة بها، فيتهم بالخيانة والعمالة و شتى أنواع التهم، مثل منصب رئاسة معظم هذهِ اٌلبلدان فنرى أن هذا اٌلمكان يشغله شخص واحد مدى الحياة حتى لو كان فاقداً للأهلية معدمها بحكم طعونٍ في اٌلسن أو مرض أو حتى إذا كان في حكم اٌلميت و حتى أن بعض اٌلالقاب تكون له حصراً حتى بعد اٌلموت ويضفى عليه نوع من القدسية ويظل شبحه مخيماً على سماء الوطن و كل ذلك بغطاء ديموقراطيٍ مزيف، والأمثلة كثيرة في هذهِ اٌلمنطقة، أقربها الى الأذهان سلسلة رؤساء كوريا الشمالية من آل كيم جون من جدهٍ وإنحداراً و آل الأسد في سوريا و التوارث القائم للمناصب السياسية والحزبية وتحويلها الى ملكية عائلية في اٌلعراق.
ثالثاً اجراء إنتخابات حرة نزيهة (Free Elections ).
من المستحيل إجراء إنخابات حرة نزيهة في ظل أحزاب على النمط اٌلمذكور سلفاٌ لأنه كما هو معلوم إن أغلب هذهِ الأحزاب نشئت فى ظروف ثورات وقلاقل أمنية وأمتلكت خلال ذلك اٌلقوة العسكرية والسلاح و لاتزال تمتلكها حصراٌ و لم تتنازل عنها حتى عند وصولها لمبتغاها وظلت متمسكة بها وبالسلطة التي وصلت اليها و من خلال هذه السطوة الطاغية تستولي بالتبعية لهذا اٌلأمر على المصادر اٌلإقتصادية ومصادر الطاقة و البنية التحتية والفوقية وبذلك تنعدم فرص الأخرين في أية إنتخاباتٍ يكون هكذا حزبَ طرفاً فيها لأمتلاكها كل مقومات الترغيبِ والترهيب و بذلك تنسف حرية ونزاهة تلك اٌلإنتخابات حتى إن وجدت بشكل صوري مشكوك في أمره.
رابعاَ وجود معارضة حقيقية ناشطة(The Real Efficient Opposition ).
الأجواء واٌلبيئة اٌلتي تخلقها وجود هذهِ اٌلأحزاب اٌلنمطية وهيمنتها على مقدرات المجتمع وإحتلالها لجميع مسارات اإلحياة لا تدع أي مجال لبروز و وجود معارضة حقيقية ناشطة، وحتى إن وجدت فإن فرصها في المنافسة تكون قليلة أو معدومة في لعب أي دور حقيقي في الحياة السياسية واٌلإجتماعية و تكون مجرد تفصيلٍ صغير تزين لوحة اٌلحياة الديوقراطية المزيفة التي يريد تلك اٌلأحزاب النافذة أن يروها للمجتمع الدولي.
خامساً الرقابة واٌلتوازن (Check and Balance).
لمنع أية ديموقراطية من اٌلإنحراف عن مسارها المفروض والحقيقي تستوجب توافر اٌلكثير من اٌلضوابط واٌلأجهزة اٌلرقابية لرقابة أداء السلطة السياسية و باٌلأخص التنفيذية منها ومن هذهِ الأجهزة واٌلمؤسسات هو البرلمان او اٌلمجلس اٌلنيابى اٌلمنتخب وكذلك اٌلأجهزة الرقابية الأخرى وبمسميات متعددة و منها اٌلصحافة الحرة واٌلرأي اٌلعام الواعي القوي واٌلمؤثر، و هذا باٌلتحديد مالا ينسجم إطلاقاَ مع اٌلبنيان الفكري والتنظيمي لتلك اٌلأحزاب إذ مع ماذكرناه من هزلية اٌلإنتخابات و عدم وجود معارضة حرة نشيطة غير مضطهدة هذا اٌلنظام لا تنتج إلا برلماناَ مشوهاٌ قليل أو معدوم التأثير لا تستطيع مجارات جبروت اٌلأحزاب و اٌلسلطة التنفيذية وتكون باٌلعادة تابعة وذليلة و منقادة لها لا وبدلاً من مراقبتها تكون مدافعة وحامية لها، أما الصحافة فحدث ولا حرج فهي بكل بساطة باٌلرغم حيوية وأهمية دورها التنويرى و اٌلرقابي في الدول المتقدمة إلا إنها هنا إما مقموعة أو تكون بوقاً من أبواق النظام الطاغي.
التداول اٌلسلمي للسلطة (Peaceful Circulation of Power)
على ضوء ماذكرناه من طبيعة اٌلإستحواذية واٌلأنانية و التحكمية والسلطوية لقادة تلك اٌلأحزاب يكون التفكير بمفهوم تداول اٌلسلمي للسلطة ضرباً من الخيال وهماٌ وفي هذهِ النقطة تحديداٌ تنفضح زيف إدعاءاتهم بإنهم مطبقين ومتمسكين بالنظام الديموقراطي، إذ حينما و تحت ظرفٍ أو تحت تأثيرٍ معين غالباَ مايكون خارجياً يخرج اٌلأمر من أيديهم و يخسرون جولةً من إنتخابات أو تنتهي مدةَ ولايةٍ هم نفسهم واضعوا التاريخ لها ويُطالَبون باٌلتسليم السلمي للسلطة تنكشف وجوهم الحقيقية و تظهر أنيابهم و يرفضون اٌلتخلي عن اٌلسلطة ويُغرقون البلاد في مشاكل لاحصر لها وتصل في بعض اٌلأحيان إلى الزج بها أي اٌلبلاد في أتون حربٍ أهلية لا نهاية لها أو يجرون البلاد إلى مغامرات لا طائل منها أو يعاقبون اٌلشعب بالتجويع واٌلتنكيل و يعطلون الحياة اٌلسياسية و حتى اٌلإجتماعية .
هكذا فإن الديموقراطية لن تتحق في هذهِ اٌلمنطقة حتى تتغير نمط اٌلأحزابِ فيها وحتى تتخلص من سطوة اٌلأشخاص اٌلنافذين فيها ولن تتحق الديموقراطية مازال هذا اٌلوضع البائس قائماً ولو بعد الف سنة و مهما حاولت هذهِ اٌلأحزاب إدعاء اٌلديموقراطية فإن جل ماتنتجه هو مسخ ديكتاتوري يُلبسونَهُ لباس الديموقراطي اٌلضيق تتمزق في كل حينٍ ومناسبة تكشف عوراته وزيفه.