لاشك عند كل عاقل تفلسف في فهم الوجود أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي خلق القيم ويصح أن نطلق عليه (كائن قيمي) فلا وجود للقيم إذا انعدم الإنسان وبوسعك أن تتخيل ماهو مصير القيم إذا خلت الارض من الإنسان فلن يبقى مبرر لوجود الصدق والامانة والرحمة والشفقة والحب والكره كلها تختفي مع إختفاء الإنسان فالحيوان لايعرف الرحمة ولاالشفقة ولاالخير ولاالشر ولاالسمو ولاالرفعة ولذلك عندما نريد أن نشتم إنسان نقول له(أنت حيوان) ونقصد بذلك تجريده من القيم الإنسانية.ومن هذا المنطلق يختلف الناس في السمو والرفعة والضعة والتقدم والتخلف تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعون عنها.
وعنما أراد الإنسان تجسيد العدالة الإجتماعية لم يجد قيمة أسمى من العدل أساسا يبنى عليه مجتمعه وكل علاقاته في هذا المجتمع.لكن واجهت الإنسان مشكلة جدية عندما أراد أن يطبق العدل وهي تتلخص في سؤال هو:هل يؤسس العدل على مبدأ المساواة أم التفاوت ؟هناك رايان في المشكلة:
الرأي الأول:
يرى أصحاب هذا الراي أن تجسيد العدالة الاجتماعية على اساس مفهوم العدل يكون باحترام التفاوت بين الناس فالناس فيهم الذكي والغبي والفقيروالغني والرفيع والوضيع والقوي والضعيف شاع هذا الطرح في الفلسفة اليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمع العادل وفي نظره أنه يتألف من طبقات وأن الطبقة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على الطبقات الذي تتألف من الهمج والرعاع وكذلك العدل هو أن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد. وقال تلميذه أرسطو(أن العدل هوأن الإنسان العبدعبد مؤهلاته الطبيعية ولايمكن أن يرتقي إلى مرتبة السيد إلا إذا كان يمتلك مؤهلات السيد) قال في كتابه السياسة (الاسترقاق ضرورة طبيعية) ومن أشهر الأنظمة الاقتصادية التي دافعت عن التفاوت الرأسمالية وهي نظام طبقي طبقة تملك وسائل الإنتاج ولا تستعملها بنفسها وطبقة لاتملك هذه الوسائل وتستعملها فقط هذا التفاوت الطبقي هو بمثابة الحافزفي رأي الرأسماليين وعندهم من العدل أن يدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسب ظروفه الاقتصادية والإجتماعية لتحسن وضعه المادي وهذا مايسمى بالتنافس. وأكد الطبيب البيولوجي (الكسي كاريل) أن الطبيعة جعلت الكائنات الحية طبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجع بقاء الطبقات قال في كتابه( الإنسان ذاك المجهول) لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعية مرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الإرتقاء الإجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي. والحقيقة أن أنصار هذا الرأي يتفقون تمام الإتفاق مع القرآن: كقوله:( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) (الزخرف : 32) هذا التفاوت هواساس قيمة العدل لأن الأفراد في حاجة إلى بعضهم البعض وملخص هذه الأطروحة أن التفاوت ظاهرة اجتماعية وطبيعية يجب الدفاع عنها.
الرأي الثاني:
يرى أنصار هذه الأطروحة أن تجسيد العدالة الإجتماعية على مبدأ العدل يتجلى في احترام مبدأ المساواة بين الناس فالناس سواء ليس هناك شيء أشبه بالإنسان من الإنسان لنا جميعا عقل وحواس وإن اختلفنا في العلم فمرد ذلك الى الظروف الإجتماعية القاهرة والفرص غير المتساوية في التحصيل الذي يتدخل الظلم الإجتماعي في صنعها داخل المجتمع ومن الذين دافعوا عن فكرة المساواة أنصار الفلسفة الماركسية وفي هذا يقول لينين :(الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامة لوسائل الإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين جميع أفراد المجتمع هي الاصل والأساس).وطالب باكونين بالمساواة في حرية التعبير أي الحرية السياسية فقال لست في الحقيقة حرا إلا يوم تكون كل الكائنات حرة نساء ورجال…فأنا لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين.
وبتأمل فلسفي بسيط ندرك أن الخصومات والاعتراضات تنوجد عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بين الحقوق والواجبات والمقصود هنا هو إتاحة الفرصة أمام جميع الناس لكي تنتفي كل أسباب التفاوتات الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاق والفعالية هي مقياس التكلف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصة به.وبالرجوع الى وجهة نظر القرآن في الموضوع ندرك أن القرآن يأسس مفهوم العدل على مبدا التفاوت والتفاوت بأعتراف صريح من القرآن أن الله هو الذي أوجده يقول:( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا )(الزخرف:32).