18 ديسمبر، 2024 5:57 م

إشكالية الجسد في المجتمعات العربية

إشكالية الجسد في المجتمعات العربية

الى اليوم لم يوفق الخطاب العربي في تناول موضوع الجسد وكل ما يتصل به ولم يصل هذا الخطاب بعد لمرحلة التشخيص التي تتطلب الجرأة والشجاعة في طرح هذا الموضوع الحساس , فما زالت وسائل الإعلام العربية تتطرق لهذا الجانب بشيء من الخجل و التحفظ ان لم تكن غير إشارات عابرة تتوقف عند حدود الرقابة المنيعة . فما نعني به الجسد هنا هو الوسيلة الحقيقية للتواصل بين البشر وانطلاقا من هذا التوصيف كان لزاماً علينا ان لا ندرج الأخير في خانة العورة والتحقير كما لا يزال يتصور الكثير اليوم .
إذن الجسد في حقيقته يرتكز على مفهوم علمي شامل يتوجب الوقوف على جميع أركانه بل الكثير من الأدباء والنقاد يعتبرونه لغة قائمة بذاتها . أما الجانب الجنسي الذي هو محور حديثنا والذي يعتبر الأساس للجسد ان لم يكونا شيئاً واحداً لا يختلفان غير في التسمية فلو سألت الطالب العربي اليوم عن خارطة الوطن العربي سيعرفها وهو مغمض العينين , ولكن ان سألته عن خارطة جسده فسيظل يراوح في السؤال دون إجابة !, وهو معذور في ذلك خاصة و ان الجسد لم يدرج الى اليوم كمنهج علمي في المناهج التربوية ولا حتى في الجامعات التي يعتبر طلابها اجتازوا مرحلة البلوغ ولهذا نرى تغييب الجسد بهذا الشكل انعكس على الواقع العربي وعلى الأخص على العلاقة الزوجية التي هي لب المشكلة في مجتمعاتنا وخير مثال على ذلك جهل الرجل العربي بالخارطة الجنسية لزوجته ونفس الأمر ينطبق على الزوجة التي تجهل هي الأخرى الخارطة الجنسية لزوجها, بل وصل الأمر الى حد طلب الزوج من زوجته الامتثال لأوضاع غريبة أثناء الممارسة الجنسية لا لشيء غير إشباع رغبة خيالية مكبوتة دون مراعاة للظرف والمزاج النفسي للمرأة التي يجب عليها الامتثال وان كانت على ظهر بعير كما يقول الدكتور خالد منتصر .!
ومع ذكر هذه الأسباب نستطيع ان نقول بأن الجسد في مجتمعاتنا لا يزال يعتبر منطقة محرمة ممنوع الاقتراب منها في وقت يقطع فيه العالم المتقدم أشواطاً كبيرة في موضوع الجسد والثقافة الجنسية سواء اقتصر ذلك على المدارس والجامعات ومراكز الدراسات والبحوث في الدول الغربية بخلاف مجتمعاتنا التي حذفت علم “السيكسولوجي” من المناهج لا لشيء غير إرضاء للمؤسسة الدينية التي تحتل النصيب الأكبر من كل هذا القصور ولهذا صار هذا العلم الواسع مجرد مصانع لإنجاب الأطفال ومجرد كلام في الإباحة في مجتمعاتنا التي ستظل
أسيرة هذه التصورات ما لم تزيل عن جسدها الشوائب التاريخية وتتجه نحو بوصلة الرقي واحترام الإنسان واحترام هذا العلم الذي يجب ان ننطلق منه في تقييم جوانب الحياة لأننا ببساطة لولا هذا الجسد لما أبصرنا النور في هذا الكون الفسيح الذي هبطنا إليه عن ضرورة وليس عن خطيئة ! .