يؤكد باحثون ومهتمون بجدلية الفكر والثقافة وكتاب روايات ومسرحيون لهم باع طويل في ميدان الثقافة والفكر ان الصدام والصراع بين الثقافة والفكر والسلطة ظل محتدما على الدوام وعبر القرون ولم يركن اصحاب الفلسفات ومنظري الفكر والثقافة والابداع الفكري عموما على حال، ونالوا من بطش السلاطين الكثير مثلما واجهوا بعض العراقيل حتى في الأزمنة التي تسمى ديمقراطية ، وعانى الفكر من الوأد والاستئصال الكثير، لكنه لن يستسلم الى الابد ويبقى يقارع الانظمة والسلاطين ية احيانا.
هذه الجدلية وهذه الإشكالية وبهدف غناء الثقافة والفكر العراقي الى مستويات اكثر نضوجا، بعد تشخحيص واقع الاغتراب الثقافي الذي تعيشه شخصيات كثيرة محسوبة على الوسط الثقافي والفكري والعمل الابداعي فقد انبرت نخبة خيرة من المثقفين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في اعداد مجلة متخصصة بمجالات الثقافة والفن والتاريخ والاداب وعموم الفلسفات بإصدار مجلة ثقافية فنية تراثية تعنى بالشأن الثقافي العام، وكانت دار الجواهري بشارع المتنبي صاحبة السبق في ان تكون لها مثل هذه المبادرة من خلال دوريتها / لارسا / التي يحاكي إسمها زمن الابداع السومري في مدينة الناصرية ذات التاريخ الضارب في اعماق الحضارة العراقية، لتصدر بحلة جميلة تعيد بنا ايام الزهو الجميل للابداع الثقافي والفكري والفني الى أيام الستينات والسبعينات التي تعد العصر الذهبي للثقافة والابداع في العراق.
لقد نشط احد رواد كتاب المسرح ومن لديهم المام بصناعة الثقافة وتشكيل الوعي ومنهم الكاتب المسرحي المعروف الاستاذ عباس لطيف والاستاذ عباس جاسم والكاتب البدع محمد حياوي في رعاية مجلة / لارسا / الصادرة عن دار الجواهري للطباعة والنشر بشارع المتنبي لتتصدر الدوريات الثقافية منذ عددها الاول الذي صدر في ايار 2014 وهي تواصل مسيرتها لاعداد مقبلة كلها معين للثقافة وللمثقفين في ان تكون زادهم المعرفي وتحاكي هموم هذا الوسط المثقف الذي يعيش الان اقسى مرحلة في تاريخه، كما يقول الكاتب عباس لطيف تتمثل في التهميش والابعاد لدوره على اكثر من صعيد.
وهنا يؤكد الكاتب عباس لطيف ” ان الصدام مع السلطة هو ليس ترفا او مغامرة ، بل هو المقياس الحقيقي لشخصية المثقف واصالة دوره، وعمق كينونته وتهج فكره..والثقافة بوصفها ادة التغيير لايمكنها التحقق خارج شرط الوجود النوعي للحرية، ويسعى المثقف لردم الهوة بين الوعي الذاتي وما يشعر به من مثالية مع الواقع الافتراضي.
” لارسا ” المطبوع الذي رعته دار الجواهري للطباعة والنشر بـ ( 64 ) صفحة هي أحد معالم ذلك الوهج الشامخ في التاريخ العراقي، تحتوي على جملة موضوعات فكرية وفلسفية وفنية وتراثية غاية في الروعة ، ضمت خيرة الكتاب والمبدعين في مجالات الثقافة والفكر ، تصدرها تخطيط على صفحة غلافها الجميل للكاتب الروائي الشهير / تشارلز ديكنز / لتعطي للثقافة بعدها العالمي الانساني ولتنهل من روائع ما كتبه مشاهير الكلمة وما نسجته عقولهم من ابداعات ورؤى فكرية وفلسفية استفادت منها الاجيال المختلفة في تطوير ادائها المعرفي والقيمي والثقافي ، وهو ما كان هدف هذه الدورية / لارسا / التي ظهرت بشكل طباعي وتصميم حديثين رائعين يعيد بنا الذاكرة الى مطبوعات ثقافة الابداع في السبعينات ، وهي تتطلع الى ان يسهم بها المثقفون بأقلامهم وليرفدونها من زادهم الثقافي المعاصر لتكون رحيق الاجيال الطامحة برؤية عسل المعرفة ان صح التعبير وهو يقدم بذائقية جميلة تهواها الافئدة وتتلقفها عقول وافئدة المبدعين ليغترفوا من زادها الروحي الثمين مايروي ضمأ هذه الاجيال المتعطشة الى الثقافة والفكر المبدع الأصيل ، من دار نشر حملت إسم الشاعر العراقي الكبير / الجواهري / ليكون لها شرفا مابعده شرفا.
في حين كان للفيلسوف العراقي وعالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي المكنى بإبن خلدون اضاءات شاخصة فس هذه الدورية الثقافية المميزة قدمها لنا الكاتب محمد العبيدي في استعراض رائع جميل عن سيرة الدكتور علي الوردي وفلسفته وفكره واسهاماته في مجال علم الاجتماع وتحليل الشخصية العراقية مستفيدا من تجربة ابن خلدون في هذا المجال لكنه متقدما عليه في انه كان قد اعطى مؤشرات عملية لتحليل الشخصية العراقية تكاد تكون اقرب الى الواقع بكل تأكيد.
واستعرضت هذه الدورية الجميلة من حيث الطباعة والتصميم الرائع / لارسا / لمحات من معالم تاريخ العراق الحديث وعن اكتناز الساعات والمعالم التراثية وتاريخ الاشقياء في بغداد واحد خطاطي عصر النهضة /عباس زروقة/ وما نسجته يده من ابداعات الفن الجميل للخط العربي في أبهى صوره.
كما قدم الاديب المعروف علي حسن الفواز موضوعا في غاية الاهمية عن صناعة السوق الثقافية وامكانية تطوير سلعة صناعة الكتاب حسب حاجات الوسط الثقافي والمجتمعي لترتقي به نحو الافضل، مشددا على اهمية ان أي سوق او صناعة ثقافية ينطلق اساسا من تحرير الفعل الثقافي من سيطرة السلطة كونها كانت على مدى القرون عدوا للمثقف او عائقا يحول دون تمكنه من بلوغ الابداع الفكري او ايصاله الى الجمهور واجه فيها المثقف كما يقول قمعا متعدد الاشكال والتوجهات، وهي جدلية عانت منها الثقافة منذ فجر الخليقة وحتى الان.
وتناول هذا المطبوع ضمن صفحاته كذلك معاناة المسرح العراقي وهمومه وكيفية الانتقال به الى الحالة الافضل مع التاكيد على ضرورة تطوير الفن التشكيلي بمختلف مدارسه وتطوير قطاعات الفن ومدارسه لترتقي الى الحالة الافضل بالاستفادة من خبرات فناني العالم الذين سبقونا في هذا المضمار ولهم باع طويل في مجال الفن والازدهار الفكري والفلسفي الرائد.
ان مثقفي العراق وكل الجهات التي يهمها امر الفكر والثقافة والابداع مدعوون للإطلاع على هذه الدورية الانيقة في الشكل والمضمون / لارسا / وبخاصة ان القائمين عليها مشهود لهم بالخبرة والكفاءة ومن لهم باع طويل في هذا الميدان..وتحية لدار الجواهري للطباعة والنشر التي قدمت لها هذا الزاد الثقافي المعرفي الأصيل لنغترف من نبعه الطيب المذاق ما ما يغني توقنا الى عوالم الابداع والثقافة والمعرفة بكل صورها واشكالها ومضامينها، ودعوة للمبدعين لتكون لهم اسهامة في الكتابة فيها..مع امنياتنا لها وللقائمين عليها بالتوفيق الدائم.