كثيرة هي الأخطاء والمعتقدات الشائعة وكذلك النتائج المستخلصة من الدراسات الغيرموضوعية للحضارة السومرية،فمنها أولاً مايردده البعض بأن لغتهم هي أقدم لغة والصحيح أنها أول لغة مكتوبة وليست أول لغة منطوقة ,وهذا التصور الخاطئ جعل بعض الباحثين يعتقد أن اللغة العربية القديمة ظهرت وتطورت إعتماداً على السومرية كأساس ولكن وجود الكثير من المفردات العربية في اللغة السومرية يعني أن العربية أما أن تكون أقدم من السومرية أوعلى الأقل بقدم اللغة السومرية. الأعتقاد الثاني الراسخ وهوالقول بأن السومريين كانوا شعب متحضر جاء لجنوب العراق يصطحب معه منجزاته الحضارية كالكتابة وأكتشاف العجلة وبناء المدن والنظم الأجتماعية ووضع أسس العلوم والديانات ….فهم إذن شعب متميز وعبقري منذ البداية….ورغم أننا لاننكر ونفتخر بالتطور الحضاري الكبير الذي حققه السومريون إلا أنه يتعين ذكر أن كل منجزاتهم تطورت وتبلورت على أرض العراق وجائت بالتدريج أستجابة لمتطلبات الحياة،كون الحاجة أم الأختراع،وبعد زمن طويل من وصولهم وأتصالهم بالسكان الأصليين بدليل أخذهم لفنون التعدين والتجارة والزراعة المروية وهندسة بناء المعابد والأختام المسطحة من العبيديين وأن الكثير من المدن التي تعتبر سومرية هي بالأصل مدن أنشأها وسماها العبيديون مثل نيبور ولارسا وأيسن وأريدو وأور.الخطأ الثالث الشائع هو الأعتقاد بأنهم جاؤا من الهضبة الأيرانية أو من أواسط آسيا والحقيقة أنهم جاؤا من الجنوب بعد حلول موجة جفاف عظمى أدت لأرتفاع مستوى مياه الخليج دفعت السكان المشاطئين للهجرة نحو الشمال أي نحو جنوب العراق الغني بموارده الطبيعية والذي يعتبر منطقة جذب مثالية للمناطق التي تعرضت للجفاف في الجزيرة العربية.الخطأ الرابع هو الأعتقاد السائد بأن السومريين هم أول من سكن منطقة جنوب العراق والحقيقة أنه كان مأهولاً ومنذ زمن غارق في القدم وكان آخرمن سكنها قبل وصول السومريون إليها أناس سموهم الآثاريون بالعبيديون,نسبة لتل العبيد الأثري, ومن ثم يترتب على هذه الحقيقة سؤال مهم هو من نعني بالسومريين؟ هل نعني بهم القادمون الجدد بعد العبيديين فقط أم كل سكان المنطقة الجنوبية العبيديين والوافدين الجدد؟ الخطأ الخامس يتعلق باللغة السومرية ومتحدثيها،فهل كان كل سكان المنطقة الجنوبية يتحدثون بها أم هي لغة للمهاجرين الجدد والنخبة؟ أم كانت هنالك عدة لغات؟والرقم السومرية تخبر بصراحة بوجود عدة لهجات وقد تكون عدة لغات.الأشكالية الأخرى هي حتى لو إفترضنا أن الجميع تحدثوا السومرية فهل يعني ذلك أنهم كانوا جميعاً من ذات العنصر أم هم قد أكتسبوا ثقافته التي أنتشرت حينذاك؟ ألم تسود اللغة الأكدية فيما بعد ومن ثم الآرامية والعربية؟وهنا نطرح ثلاثة أفتراضات لهذا الأنتشار اللغوي فهو أما أن يكون قد تم بسيادة العنصر ,عددا, أو بسيادة اللغة أو الأثنين معاً ،والأحتمال الأكبر هو أن هذه اللغة قد تم تداولها بعد فترة من وصول الموجات الأولى حاملة معها ثقافتها وأولها لغتها فيمكن أن نقررإذن،بأعتماد شواهد تاريخية مشابهة بأن أنتشار لغة ما لا يفترض حلول عنصر محل آخر بأنقراض الأول،وإنما بتقبل السكان الأصليين اللغة الجديدة مع إحتفاظهم بلهجاتهم الأصلية في الأرياف والمناطق النائية في البداية ودخول مفردات من لغاتهم القديمة في صلب الجديدة في مرحلة لاحقة.وحصل الأمر ذاته فيما بعد مع الآقوام الآخرى.الأشكال أو التجني السادس هو تصور بعض المتطرفين بتشجيع ودفع من دوائر خارجية , بأن ظهور السومريين على المسرح يعني بداية تاريخ البشرية وليس فقط بداية التاريخ المكتوب فمنهم,ممن يدعي الأنتماء للعنصر السومري كهوية جديدة لأثبات أصالته في أرض العراق بسبب كونه أقلية قومية أو دينية تريد أن تثبت وجودها أو لتعويض شعور بالدونية جاء نتيجة معاناة مجتمعية أو سياسية مجحفة ,يذهب أبعد من ذلك ليتصور بأن نهاية الحضارة السومرية تعني توقف حركة التاريخ وكأن المنطقة كانت في معزل عما حولها ومن ثم لتعود للحياة فجأة مرة اخرى مع بدأ الأكتشافات الأثرية للحضارة السومرية ,متناسين أن الحضارة السومرية تلتها موجات بشرية وحضارات أخرى من أكديين وكلدان وآراميين وأنباط وعرب سكنت وعمرت وتزاوجت في نفس المنطقة طيلة خمسة آلاف سنة بعد مجيئ السومريين.الأشكال السابع هو أعتماد أغلب الدارسين للحضارة السومرية على الطبيعة المميزة للغة السومرية كأساس في البحث وبالأخص كونها لغة ألصاقية بالقول بأن السومريين جاؤوا من منطقة بعيدة عن جنوب العراق ,فمنهم من قال أنهم جاؤوا من آسيا الوسطى ولغتهم مشابهة للتركية وآخر قال أنهم جاؤوا من شمال غرب الهند ولغتهم قريبة من اللهجات الهندوأوربية.فأما مسألة لغتهم الألصاقية فهذه مسألة تخص أغلب اللغات في أحد مراحل تطورها الأولى وليس فقط اللغة التركية أوأية لغة هندوأوربية معينة ,ثم ليس بالظرورة أن مجرد وجود قابلية إلصاقية في لغة ما سيجعلها بعيدة عائليا عن لغة ما غير إلصاقية ولنأخذ مثلا اللغة الأنكليزية وهي لغة غير إلصاقية ولكنها أنحدرت من عائلة اللغات الجرمانية التي في مقدمتها الألمانية وهي إلصاقية تطورت منها اللغة الأنكليزية الغير إلصاقية.ويوجد أيضا في كثير من المفردات العربية حالات دمج وإلصاق وخصوصا في المفردات القديمة مما يدلل على أنها مرت بنفس المرحلة الألصاقية.الأشكال الثامن هو التصور, بناءً على تقرير أن السومرية لغة إلصاقية,أنهم قدموا من وسط آسيا دون تقديم أي دليل على الدافع لتلك الهجرة يبرر سبب مغادرتهم لأوطانهم في مناطق بعيدة من أواسط آسيا للسكن في جنوب العراق في منطقة تختلف تماما عن بيئة أواسط آسيا فنحن لم نسمع أو نرى تركيا غادر بلاده وذهب ليسكن في الأهوار ولا بأية هجرات لاحقة ,بعد نهاية الحقبة السومرية الثانية طيلة أربعة آلاف سنة ولحد اليوم ,جائت من أواسط آسيا لتسكن جنوب العراق ولكن بالمقابل توالت الهجرات الجزيرية على منطقة جنوب ووسط العراق وصولاً لبداية القرن السابق .الأشكال التاسع,هو القول بهجرتهم من شمال غرب الهند, فبالرغم من وجود أوجه شبه بين حضارة وادي السند وحضارة وادي الرافدين لكنها ظهرت هناك بعد بزوغها في جنوب العراق بفترة طويلة نسبيا ولغتهم لم تكن مشابهة للغة سومر. عاشرا إنتشرت مقالات وقصص وأفلام , خصوصا عبرأجهزة التواصل الأجتماعي تخاطب شريحة معينة من الناس محدودة الثقافة تصور السومريون على أنهم من نسل مخلوقات فضائية متقدمة جاؤوا من كوكب بعيد يدعى نيبيرو معتمدين على تأويل بعض الرسوم والكتابات السومرية, والحقيقة أن أصحاب هذه المنتوجات والأنشطة يهدفون الى ترويج فكرتين الأولى تقول بأن السومريون ليسوا من أهل المنطقة “المتخلفين” فهؤلاء رعاع ليسوا بقادرين على تطوير حضارة متقدمة,هذا من جهة ومن جهة أخرى هي أن الحضارة في جنوب وادي الرافدين جائت جاهزة وفجأة أي مستوردة وليس للعراقيين القدماء أي دخل فيها
مما لاشك فيه أن السومريين جاؤوا لمنطقة جنوب العراق كوافدين جدد, ولفهم سبب هجرتهم يتوجب دراسة الضروف المناخية للحقبة التي حدثت فيها تلك الهجرة ذلك أن اهم أسباب الهجرات في التاريخ القديم تعود للتطرف المناخي والحروب وأزدياد عدد السكان وأحيانا يكون العاملين الأخيرين نتيجة مباشرة للتحول المناخي حين تصبح منطقة ما غير قادرة على أستيعاب أعداد متزايدة من السكان مما يؤدي الى تخلخل التعايش السلمي ونشوء نزاعات وحروب.أن بيانات دراسة الجغرافية القديمة والبيئة والمناخات القديمة لمنطقة الشرق الأوسط قبل ستة آلاف سنة قبل الميلاد توضح حدوث تغير مناخي سبق مجيئ السومريون لجنوب العراق جاء نتيجة لحلول دورة جافة أدت لذوبان نوعي لجليد القطبين وتراجع في الأغطية الجليدية في العالم مما جعل مستوى سطح البحار يرتفع, وبتسارع وتائر الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طغت مياه الخليج على ضفافه وعلى مناطق تقع للجنوب من حدود العراق الحالية لم تكن مغمورة من قبل كما أدى الجفاف الى شحة مصادر المياه في دواخل الجزيرة ومن ثم شحة النبات والحيوان مما أضطر سكان هذه المناطق لتركها والبحث عن مناطق واعدة وليس هنالك بلاد تنعم بغزارة مياهها وطبيعتها أفضل وأقرب سوى جنوب العراق التي أصبحت وبفعل أرتفاع مستوى بحر الخليج وتقدمه منطقة مستنقعات شاسعة ليس بأنغمارها بمياه البحر وإنما بسبب خروج الأنهار الكبرى عن مجاريها وحصول الفيضانات الموسمية.أحد عشر أن مناطق الأهوار أستقطبت على مر الزمان هجرات بشرية بسبب غناها بأحيائها من طيور واسماك وحيوانات برية وثمار ونباتات مختلفة ,فمن الحيوانات اللبونة التي أستطاع ساكن الأهوارتدجينها كان الجاموس البري وهذا مؤشرمهم لأنه تم في زمن بعيد جدا ربما يزيد على العشرة آلاف سنة قبل الميلاد مما يعني وجود الجاموس منذ القدم وليس مستحدث وكذلك تواجد بشري من قبل الهجرة السومرية بآلاف السنين وأستمرت تربية الجاموس مرتبطة بالأهوار وسكان الأهوار لحد اليوم وهذا يعني أن سكان الأهوار وطريقة عيشهم وأقتصادهم بالحقيقة لم تتغير كثيرا عن ما قبل مجيئ السومريين ولحد البارحة.بالنتيجة لو قلنا بأن تسمية سومريون تطلق على القوم الذين قدموا فيما بعد وليس من كان هنا من قبل لأصبح هؤلاء السكان الأصليون ليسوا من المهاجريين السومريين.من ناحية أخرى يلاحظ بأن القادمين الجدد ,أؤلائك الذين جاؤوا في أعقاب العبيديين,كان لهم علاقة وثيقة بالنشاط الأقتصادي البحري والتجارة البحرية مما يعزز نظرية مجيئهم عن طريق البحر وأن التجارة كانت أحد أهم الأسباب في تطور الكتابة عندهم,وأن هذا النشاط التجاري البحري ,والذي لا نشك بأن التمر العراقي كان يشكل المحرك و السلعة الرئيسية فيه, هو الذي جعل من الخليج منطقة مفتوحة أمام تلاقح وتبادل ثقافي لشعوب متشاطئة أثرى الى حد بعيد التجربة الحضارية في المراكز المدنية في جنوب العراق التي أصبحت ملتقى لطرق التجارة البرية والبحرية وكذلك النهرية مما جعلها ملتقى ثقافات مختلفة.أن العلاقة التجارية الموجودة منذ القدم مع ممالك الخليج مثل مملكة ماجان في عمان ومع البحرين في دلمون [تل مؤون؟ أو تل معون؟] وتشابه معتقداتهم التي ذكرت في الرقم السومرية وتعززت باللقى الأثرية بالإضافة لما تقدم من معطيات وكذلك صفاتهم الطبيعية كسمرة وجوههم كلها دلائل تعززالأصل الخليجي لمن جاء بعد العبيديين وأطلق عليهم أسم سومريين
ملاحظة: أن أسم دلمون الذي كان يطلق على البحرين قديما يمكن أن يكون أسم مدمج من مفردتين دل + مون وأنه حور في الأصل من مفردتين هما تل و معون أو مؤون أي تل الطعام أو المؤونة ما يعني المكان الوافر الخيرات,كما هو الحال بالنسبة لمدينة تل لحم في فلسطين مثلا.