23 ديسمبر، 2024 2:22 م

إستهواء السباحة … ببحر الدم

إستهواء السباحة … ببحر الدم

كثيرة هي المغالطات والمفارقات بل والمتناقضات التي تحدث في حياتنا الاجتماعية والسياسية فتثير الاستغراب والدهشة ولا أدري هل أن ذلك تعبير عن إزدواجية الشخصية العراقية كما يرى (علي الوردي)؟ أم هي تعبير عن (قصور العقل) الذي لم يبلغ الرشد؟ أم أن ذلك ينم عن (ضمور ثقافي) أو (هيمنة وقائع ومشكلات التأريخ) المتوارثة التي مهما طال الزمن تتجدد بفعل المصالح والأعداء لتستمر في حفر الخنادق وتعميق الجروح في حياة الأمة؟…
أظن أن لكل تلك العوامل أثراً في حياتنا التي غمرها الصراع بلا حدود (أخلاقية) أو (دينية) أو (قانونية) أو (عرقية). صراع غريب، يقتل فيه الإنسان نفسه، ويفخر بجلد ظهره… صراع لا يمكن أن يكون هناك فيه منتصر، الجميع فيه وقود… تقتل من تراه خصمك اليوم، فتدفعه الى قتلك غداً… أيّ جنون هذا؟… ألم يحن الوقت لاكتشاف الحقائق، و وقف المجازر بحق الذات والنفس؟ فحتى لو كان الوعي والعقل والثقافة والمصالح كلها مجتمعة متخلفة عن إدراك التآمر الذي يدير عجلة الموت، فالمشاهدة والمعاينة والتجربة اليومية، لا يمكن أن يتجاهل نتائجها البسطاء بل البلهاء…
كنا ننتظر كل شهر مجزرة جديدة، تطال مكوناً معيناً، واليوم أصبحنا ننتظر كل لحظة زفة جديدة من السيارات المفخخة والمجاهدين الملغّمين، يغتسلون بدم الروافض ولا نرى حزناً ولا استنكاراً… فنقول: صبراً، صبراً اعتصموا بحبل الله وحكمة رسوله وتمسكوا، بسبيل الرشاد العلوي، ولا ينساق العاقل الى قوانين المغالبة المتخلفة، و ردود الأفعال غير الشرعية، فلعل الأيام تُربي من لم يربه الأبوان… ولكن للأسف الشديد يبدو أن الذين حملوا معاول الهدم (المأجورين) لا يرشدون، بل أنهم لا يرون جريان الدماء سوى الرشد نفسه، بل هم يتطلعون بفرح الى أية ردة فعل تِماثل أفعالهم، فيقهقهون لأن ذلك سوف يزيد كمية الدم المتدفق في مجرى نهر الدم الذي يحفرونه…
بالطبع نحن لا نخاطب هنا أولئك المأجورين، وإنما المخاطب هنا هم الذين يقفون على التل بذرائع متعددة ومختلفة، و أولئك الذين يظنون أنهم في منأى عن مرمى النار ولم يدركوا (أن الساكت عن الحق شيطان أخرس)…
هذه الأيام ترتفع الأصوات لتستنكر تهجير بعض العوائل من محافظة البصرة وذي قار، و هو عمل مدان ونستنكره أشد الاستنكار، ولكن ألا يثير ارتفاع الأصوات هنا تساؤلاً عن صمتها تجاه تهجير (الشبك) وقتلهم في محافظة نينوى؟!، ألا يثير الاستغراب صمتهم حول القتل الجماعي لعوائل بأكملها في منطقة (اللطيفية) التي تحولت لـ (مسلخ) يذبح على الطريقة الوهابية؟!، ألا يثير الاستغراب الصمت على المذابح اليومية في طوز خرماتوالمنكوبة ومناطق معروفة في بغداد التي تنتظر الموت: صباح مساء العراق الراعف دماً؟!…
نحن هنا نؤكد على أن الاستمرار في نهج الإرهاب والقتل الجماعي لا يقود إلا للاضرار بالنفس، فكل العراقيين أخوة شركاء في هذه الأرض الطيبة، أرض الخلافة العلوية وعهد المأمون حاضنة الأجساد الطاهرة والمراقد الشريفة، بلاد النهرين الخالدين والخير الكثير، وغير ذلك فإن مصلحة الجميع لا تكمن إلا بالسلام و الأمن (للجميع)، أما لغة الرصاص والمفخخات والكواتم والسيوف الباشطة فلم تجدِ، فقد مارس أبشع منها الطغاة السابقون من (أحواض تيزاب) و (غازات الكيمياوي) كما في حلبجة و أهوار الجنوب، والمقابر الجماعية التي طالت الصغار والكبار، ولكن الله (الموصوف) بالعدل المطلق لا يعاقب في اليوم الموعود فقط، بل عدالته تطال كل المجرمين في حياتهم أيضاً، ليكونوا عبرة للآخرين، وأن عدالته تنال أولئك الذين يركنون لجرائمهم أو يفرحون بها…
[وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ] هود 113.
وقال الرسول الكريم (ص): (من أحب عمل قوم حشر معهم يوم القيامة)…
فهل بعد كلام الله سبحانه ورسوله من كلام؟، لنحفظ أنفسنا من عواقب المشاركة أو الاحتضان أو الصمت أو القبول بالجرائم البشعة التي يرتكبها الإرهابيون المأجورون… وهل لازال المشهد غائماً يحجب الرؤيا عن إدراك مخططات امريكا الساعية لتمزيق وحدتنا و أرضنا؟، خاصة بعد ما جرى في ليبيا وسوريا حيث تخترع المتصارعين وتصنع الأدوات المحلية لقتل الجميع، وهل هناك سبيل لإنقاذ أنفسنا بغير الوعي؟ والتمسك باخوتنا؟ والعض على الجراح؟ فلا بد من أن نتحسب لردود الأفعال عند التمادي بالجهل وإستهواء السباحة ببحر الدم…