منَ الطبيعي ولربما اكثر من ذلك أنّ اوضاع عموم المنطقة العربية مرتبطة بشكلٍ او بآخر بالولايات المتحدة حيث معظم الدول العربية ولا سيما دول الخليج بالدرجة الأولى , والأردن والمغرب لا خيار لها في ذلك ولأكثر من اعتبار , خصوصاً العلاقة بين النفط والأمن الداخلي والخارجي لكلّ دولة . وإذ تُستثنى سوريا من ذلك حيث أنّ الأمريكان هم السبب الرئيسي في الأزمة السورية وتمويلها وتفعيلها , ممّا خلق قاسماً مشتركاً للتحالف السياسي والعسكري بين دمشق وروسيا , وكان للروس في ذلك اهدافاً مزدوجة , وحيث أنّ الأزمة ” الدولية – الأقليمية ” في سوريا تكاد تغدو منفذهم الوحيد للعودة الى الشرق الأوسط بعد الأحتلال الأنكلو – امريكي للعراق , إلاّ بشكلٍ اقلّ من نسبيٍّ في مصر والعراق من خلال بعض مبيعات السلاح .
على مستوى دول الخليج , فيمكن القول أنّ المعضلة قد إبتدأت من او مع امارة قطر , حيث طفح الكيل وفاض من التدخلات القطرية في شؤون العديد من الأقطار العربية , ليس سياسياً فحسب وانما بالدعم العسكري والمالي لتنظيمات الأخوان المسلمين واية قوى ارهابية معارضة بهدف محاولة الأطاحة بأنظمة الحكم ولأجل إحداث القلاقل والإضطرابات الأمنية والسياسية تنفيذاً او التقاءً متناغم مع مخططات اسرائيلية بشكلٍ واضح وفاضح , مما اضطرّ السعودية والبحرين والأمارات لمقاطعة إمارة بن تميم ومع تحمّل الخسائر الأقتصادية لكلا الطرفين القطري والخليجي . لكنّ ما يلفت الأنظار أن مع بدء الأزمة الساخنة بين ادارة ترامب وطهران وما تتطلبه من مواقفٍ موحدة من دول الخليج لدعم الموقف الأمريكي سياسياً ولوجستياً وفتح القواعد الجوية والبحرية للقوات الأمريكية , فكان هنالك تعمّد ملحوظ بأبقاء الشرخ مفتوحاً الى آخره .! , عبر استثناء واشنطن لقطر من هذا الموقف ومن ادامة علاقاتها الأقتصادية مع ايران .! مع الإدراك المسبق أن بمقدور الأمريكان إصدار أمراً شفوياً ” وعبر الهاتف ” لإرغام الأمير القطري الشاب لتغيير موقفه بنسبة 180 درجة وإعادته للصف الخليجي , لكنها الحسابات الأمريكية ! , وينسحب الأمر وموصول الى الموقف الأمريكي المتردد والمتماهل تجاه قصف الحوثيين للسعودية ومطاراتها بنحوٍ يومي بالصواريخ والطائرات المسيرة المحملة بالمتفجرات , ويُلاحظ بشكلٍ مركّز أن الحوثيين قصفوا ذات مرة منشآتٍ نفطية سعودية تعود لشركة ” آرامكو ” الأمريكية – السعودية , لكنهم لم يكرروا هذا القصف على هذا الهدف .! وليس بصعبٍ تفسير ذلك .!
في الصددِ هذا , قفزَتْ الى ذهني توّاً عبارةٌ وهي في الحقيقة مقولة مهمة لهنري كيسنجر – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الى ما يدنو من نهاية سبعينيات القرن الماضي , حيث ذكر في احدى كتبه أن ليس من مهام وسياسة الولايات المتحدة حلّ الأزمات الأقليمية المنتشرة في بعض دول العالم , لكنّ ما يهمّ امريكا أن تمسك العصا من الوسط .! , والمقصود الواضح في ذلك أن تجعل كلا طرفي ايّ نزاعٍ بحاجةٍ للتمسكّ بأمريكا .!
في جمهورية مصر العربية التي تعاني من اوضاعٍ اقتصاديةٍ في غاية الصعوبة ومن كثافةٍ سكانية مرتفعة , لكنها تواجه أزمةً ومعضلةً أمنية – عسكرية من العمليات الأرهابية والتفجيرية الواسعة من حركة الأخوان المسلمين التي معقلها في سيناء وبالقرب من الحدود مع اسرائيل , ويمتد نشاطها التفحيري الى المراكز الأمنية في القاهرة .!
في ليبيا التي تفتّت وتشظّت منذ مقتل القذافي الذي دمّرت المقاتلات الفرنسية % 95 من قواته وتسببت في القاء القبض عليه من الميليشيات بعد قصف موكبه , فالتراجيديا الليبية لا تقتصر على العمليات القتالية بين قوات الجنرال حفتر وحركة الوفاق فحسب , لكنما من التدخل العسكري التركي , والتدخلات الأيطالية والفرنسية , وهي ازمةٌ مصممة أن لا تنتهي في الأفق المنظور .!
الأزمة الأشد تأزّماً في المنطقة العربية , والملحقة او الملتصقة بسلسلة الأحداث الدرامية بين طهران وواشنطن وما يترتب عليه في مياه الخليج من احتجاز سفن والتعرّض لناقلاتٍ اخرى , هي وضع العراق غير القابل للتحليل المتكامل في المختبرات السياسية والمخابراتية , فبرغم ما معروف أنّ ادارة الرئيس الأمريكي بوش الأبن في غزوها للعراق قد سلّمته على طبقٍ من ذهب الى ايران او تحديداً الى توابعها وانصارها الذين التقطتهم ال CIA من مختلف البقاع والأصقاع , لكنّ الأمريكان انصدموا أنّ هؤلاء الذين انقلبوا عليهم بالرغم من كثافة التمويل والتفعيل .! وايصالهم الى الى السلطة , فقد اكتشفوا في وقتٍ متأخر أنّ الأحزاب الحاكمة في العراق هم اشدّ واعنف ولاءً للإيرانيين من الأيرانيين انفسهم , وحتى من قياداتهم .! , وهذه ظاهرة سيكولوجية او سوسيولوجة لم تسبقا سابقة في التأريخ , وانها تتجاوز الأطر المذهبية والدينية والمصالح الضيقة , ولعلها ترتبط بفيروساتٍ ما لم يجرِ اكتشافها بعد .! , والعراق ومن شدةِ وعنفوان الألمِ يرقصُ متنقّلاً بينَ كفّي عفريت .!