18 ديسمبر، 2024 7:41 م

إستقالة أم سحب الثقة أم إقالة لحكومة عبد المهدي؟

إستقالة أم سحب الثقة أم إقالة لحكومة عبد المهدي؟

مقدمة
كيف يمكن وصف طلب إستقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الحكومة والموجّه إلى البرلمان، من الناحية الدستورية والقانونية؟
وقبل إعطاء الوصف القانوني لطلب عبد المهدي، فإن من الضروري تقديم تعريف لهذه المصطلحات أولا، بقصد إدراك المقصود بها وأثارها القانونية.
يقصد بالإستقالة: الاستقالة هو الفعل الرسمي الذي يقوم به الشخص بالتخلي عن وظيفته أو منصبه. تكون الاستقالة إن قام شخص ما بترك منصب له أو عمل حصل عليه بالانتخاب أو بالتوظيف، بينما لا يعتبر ترك المنصب أو الوظيفة مع انتهاء الفترة المحددة استقالة منه. في حال الوظيفة، فعندما يختار موظف ما ترك عمله بنفسه فهو يعتبر استقالة، وذلك على عكس الفصل أو إنهاء العمل الذي يكون إما بانتهاء مدة العقد المحدد أو بقرار من الشركة بفصل الموظف.
فالاستقالة هي عبارة عن طلب يقدمه الموظف يعلن فيه رغبته بترك وظيفته دون ضغط ولابد من وجود سبب لقبول الاستقالة.
وعلى العموم لا يلجأ أحد للاستقالة وهو يعتقد أن البدائل أقل جودة، سواء على مستوى الراحة النفسية أو المادية، وتبقى الحكمة مطلوبة في اختيار التوقيت المناسب للاستقالة وانتقاء الطريقة المناسبة في التعامل مع العمل الذي سيصبح من الماضي.
وجرياً على ذلك، يمكن إعتبار إستقالة وزير الصحة السابق الدكتور علاء الدين العلوان بتاريخ 15 أيلول 2019، إستقالة من هذا القبيل.
ويقصد بسحب الثقة: حجب الثقة في المقام الأول عبارة عن بيان أو تصويت ينص على أن شخصًا ما يشغل منصبًا رفيعًا، سواء كان المنصب حكوميًا أو إداريًا أو غير ذلك، لم يعد صالحًا للاستمرار في هذا المنصب. وقد يكون هذا بسبب تقصير الشخص المذكور في بعض الجوانب أو بسبب إخفاقه في القيام بالتزاماته أو بسبب قيامه باتخاذ بعض القرارات التي يرى بقية الأعضاء أنها تمثل ضررًا.
في القانون، يُعد اقتراح حجب الثقة (ويُطلق عليه أيضًا التصويت على حجب الثقة أو اقتراح توجيه اللوم أو اقتراح سحب الثقة أو (فشل) اقتراح منح الثقة) إجراءً برلمانيًا من شأنه أن يبرهن لرئيس الدولة أن البرلمان المنتخب لم يعد لديه ثقة في (واحد أو أكثر من أعضاء) الحكومة المعينة السلطة التنفيذية (الحكومة).
وسحب الثقة أشبه بالفصل من الخدمة أو إنهاء العمل وهو الحدث الذي يتم فيه فصل الموظف من وظيفته من قبل صاحب العمل، وذلك على عكس الاستقالة التي تتم بقرار إرادي من الموظف نفسه لإنهاء العمل. يكون الفصل من الخدمة عادة بسبب خطأ من قبل الموظف أدى إلى حدوث أضرار كبيرة في العمل، لذلك عادة ما يعتبر الفصل من الخدمة أمرا معيبا وعارا لصاحبه، كما أنه قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلى مشاكل للشخص أثناء بحثه عن عمله التالي. كما لا يمكن إعادته لوظيفته السابقة.
ويختلف سحب الثقة في النظام البرلماني عنه في النظام الرئاسي، حيث إن مسؤولية الوزارة في النظام البرلماني جماعية وتضامنية وبمجرد سحب الثقة عن رئيس الحكومة، فأن الحكومة تسقط بكاملها لإنها طاقم أو فريق رئيس الحكومة وهو الذي إختارهم. أما في النظام الرئاسي فأن كل وزير هو مسؤول أمام رئيس الجمهورية نظراً لعدم وجود رئيس للوزراء في هذا النظام.
وهناك حالة قانونية أخرى، وهي حالة الإقالة. ويقصد بالإقالة: قرار إداري يمنع الموظف من استمراريته بالعمل، وبالأغلب يكون هناك تحذير قبلها بوقت. ولم يشر إليها دستور العراق الحالي فيما يخص رئيس الوزراء لأنه إستعاض عنها بسحب الثقة، ولكنها وردت الأشارة إليها فيما يخص الوزراء فقط، وحصر حق إقالة الوزير برئيس الوزراء، حيث نصّت المادة (78) بقولها: ” رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب”. كما ورد ذكرها في النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 والصادر في 18/3/2019، والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3533 في التاريخ المذكور، حيث نصّت المادة 16 في الفقرة ثانياً منها على ما يلي: ” للرئيس الطلب من مجلس النواب إقالة الوزير عملا بأحكام المادة (78) من الدستور”.
وهكذا نجد، أن الفرق بين الإستقالة والإقالة هو، أن الاستقالة طوعية (تقدم من قبل الموظف). أما الإقالة فهي جبرية من قبل الإدارة (كالإستغناء عن خدمات الموظف لعدم رضاها عن أدائه) بما يقضي بعدم إمكانية إعادته أو تكليفه بأي عمل مماثل مجدداً، بعكس الإستقالة التي تجيز ذلك.

ملاحظات على طلب إستقالة عبد المهدي
إذا أمعنّا النظر بطلب الإستقالة المقدم من رئيس الوزراء، فإننا نرى أن شروط الإستقالة لا تتوفر في هذا الطلب. وكان من الممكن إعتبار طلب عادل عبد المهدي إستقالة إرادية لسبب وجيه لو قدّمها قبل إندلاع التظاهرات والإحتجاجات في العراق منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما إن السبب أو الأسباب التي أوردها في طلبه المقدم إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ 29/11/2019 غير منطقي ومخالفة للدستور والقانون للأسباب التالية:
ذكر رئيس الوزراء أنه يقدم إستقالته عن منصب رئيس الوزراء (إستجابة لنداء المرجعية …) وهذا يعني إن إستقالته ليست بإرادته الحرة وإنما أرغمته المرجعية على ذلك. وهذا يطرح إشكالية قانونية وهي إن المرجعية هي التي منحته الثقة، وهي تنزعها منه اليوم، وليس البرلمان الذي صوَّت بأغلبية النواب الحاضرين وهم 220 من أصل 329 نائب، على منح الثقة به وبحكومته في (جلسة منح الثقة للحكومة) بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وأدى اليمين الدستورية مع 14 وزيراً من أصل 21 وزيراً. كما إن هذا يوحي بأن المرجعية الدينية الشيعية هي أعلى من البرلمان العراقي، وهذا توجه خطير، ويثبت إن النظام الساسي السائد في العراق هو نظام ديني مذهبي قائم على حكم الطائفة الواحدة.
جاء في طلب إستقالة عبد المهدي الخطية بخط يده، بأنه يستقيل (إستجابة … لمطالب الشعب)، وهذا يرتب نتائج قانونية خطيرة، وهي: –
إن هذا الطلب ليس بإرادته الحرة المختارة وإنما إستجابة لطلب الشعب الذي وجده فاشلا هو ووزرائه وغير أهل للثقة، فطلب إقالتهم جميعاً. والواقع، إن تقديم الطلب جاء بعد إندلاع التظاهرات قبل شهرين، وبعد إجراءات الحكومة بقمعها بكل الوسائل من بينها إطلاق الرصاص الحي عليهم، مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 متظاهر في أقل تقدير، وجرح أكثر من 20 ألف أخرين.
تأسيساً على النتيجة السابقة، فأن الوصف القانوني لهذا الطلب هو (الإقالة) وليس الإستقالة، مثل فصل الموظف من عمله من قبل صاحب العمل أو رئيسه، وليس بإرادته كما في الإستقالة.
وتاسيساً على النتيجة الثانية السابقة، فإن الإقالة لا تعفيه هو وحكومته من المسؤولية القانونية الجزائية عما إرتكبه هو وحكومته وإدارته من جرائم تجاه الشعب عموماً والمتظاهرين خصوصاً. ويؤكد ذلك، النداء الذي أطلقته العشائر العراقية في محافظة ذي قار بعد مجزرة دامية جرت هناك يوم الخميس الماضي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، بقولها: (موش تذبها وتخلص … لازم تصعد بيها إعدام) أي (ليس فقط أن ترمي إستقالتك وتفلت من العقاب … بل يجب معاقبتك على جرائمك بالإعدام).
والسبب الأغرب والذي يثير الإستغراب حد الضحك، هو ما ورد في طلب الإستقالة الذي قدّمه عبد المهدي بأنه يعلن إستقالته لسبب أخر قائلا: (وعدم قدرتي من العمل مع مجموعة من اللصوص وسراق المال العام). والواقع إن عبد المهدي هو أحد أعضاء مجموعة (اللصوص) التي ذكرها، وأحد (سراق المال العام) وفضيحة سرقة أفراد حمايته لمصرف الرافدين – فرع الزوية في آب/أغسطس 2009، عندما كان عادل عبد المهدي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، ولم يستطع تبرئة نفسه منها حتى الآن. وكذلك تكليف عدد من عناصره العاملين في ممثلية العراق في الأمم المتحدة في جنيف من بيع سكائر غير مرسّمة كمركياً من السوق الحرة للدبلوماسيين وبيعها بأسعار مضاعفة وبكميات كبيرة بلغت أقيامها مليون يورو، وقد ألقت الشرطة الفرنسية بالتعاون مع الشرطة السويسرية القبض على إثنين من العاملين في الممثلية، وإتضح أثناء التحقيق إنهم من أتباع عبد المهدي كما أفادوا هم بأنفسهم وإتصل أحدهم به في مكتبي عندما كنت نائباً للسفير هناك عام 2012، وقد نشرتُ عن ذلك في مقال مستقل، كما نشرت الصحف والمواقع السويسرية عن الحادث. وقد جرى غلق التحقيق من السفير محمد علي الحكيم (وزير الخارجية الحالي).

في الدستور العراقي النافذ
الدستور العراقي النافذ حالياً هو دستور العراق لعام 2005، وتجدر الإشارة إبتداءاً بأن هذا الدستور لم يذكر حالة إستقالة رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة، وإنما أورد حالة سحب الثقة من الحكومة في المادة
ونظراً لخلو دستور العراق من حالة الإستقالة، فهنا يجب الرجوع إلى القواعد العامة في هذا المجال. وتشترط القواعد العامة للإستقالة، الشروط التالية:
أن تكون الإستقالة إرادية.
أن تكون تحريرية ويفضل أن تكون خطية بخط يد المستقيل، لإثبات الشرط الأول السابق في أعلاه، وهو إن الأستقالة هي طوعية وبإرادته الحرة ودون تأثير أو ضغط.
يجب أن تكون الإستقالة مسبَّبة. أي أن يذكر سبب أو أسباب الإستقالة، لإنها إعتراض على حالة واقعية للوظيفة.
لا ترتب الإستقالة أية مسؤولية على المستقيل، لأنها رفض لواقع إداري خاطيء، أو تعبيراً عن الرغبة في واقع أفضل. مثل أجر أعلى أو درجة وظيفية أفضل.
يجب أن لا تكون الإستقالة عند إنتهاء مدة عقد العمل، أو عند الإستجواب، أو عند التحقيق في إنتهاك قانوني، لأن ذلك يعّد تهرباً من المسؤولية وتخلصاً من العقوبة
ولو دققنا في الوقائع التي أدت إلى تقديم عبد المهدي لإستقالته، لوجدنا إنه قدّمها مرغماً وليس بإرادته، بدليل أنه قال فيها إنها تأتي إستجابة لنداء المرجعية ومطالب الشعب. وقد سبق له رفض تقديمها لأكثر من مرة، وطيلة 60 يوماً من إندلاع حركة الإحتجاجات في العراق، وحتى تاريخ 26 من شهر نوفمبر الجاري بقوله: إنه مرشح المرجعية، ولم يصعد على أكتاف أحد، وهو لن يستقيل إلا إذا طلبت المرجعية منه ذلك.
كما إنها جاءت بعد أن شهدت محافظة ذي قار في جنوب العراق موجة إحتجاجات كبيرة، قامت السلطات بقمعها بالرصاص الحي بقسوة مما أدى إلى مقتل 47 شخصاً وجرح أكثر من 100 شخص في يوم واحد.
لذا، فإن إستقالته هي للتهرب من المسؤولية القانونية الجنائية، بقصد التخلص من المحاكمة والعقاب. وإن ذلك لا يعفيه منها بأي حال بالأحوال.
أما حالة سحب الثقة الواردة في دستور العراق الحالي، فقد أوردته المادة 61 من الدستور بقولها: يختص مجلس النواب بما يأتي: –
ثامناً:
أ ـ لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته أو طلب موقع من خمسين عضواً، إثر مناقشة استجواب موجه إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه.
ب ـ
لرئيس الجمهورية تقديم طلب الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
لمجلس النواب بناء على طلب خمس “1/ 5” أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجواب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء وبعد سبعة أيام في الأقل من تقديم الطلب.
يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
ج ـ تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
د ـ في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة “76” من هذا الدستور.
وقد كررت ذلك، المادة (64) من النظام الداخلي لمجلس النواب المرقم 50 والمنشور بجريدة الوقائع العراقية العدد 4032 بتاريخ 05/02/2007 بقولها:
أولاً: لمجلس الرئاسة، تقديم طلب الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء
ثانياً: لمجلس النواب وبناءً على طلب خُمس أعضائه طرح سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء إثر استجواب موجه إليه، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تاريخ تقديم الطلب.
ثالثاً: يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
كما تكرر ذات النص في قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لعام 2018، بالمادة 31 منه بقولها: “للنائب وبموافقة خمسة وعشرين عضوا توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو مسؤولي الهيئات المستقلة أو المحافظين لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم.”

ويمكن أن نستخلص شروط سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء، وهي:
أن مجلس النواب هو الجهة الوحيدة التي يحق لها سحب الثقة من رئيس الوزراء.
إن طلب سحب الثقة يقدم من رئيس الجمهورية أو بطلب خُمس 1/5 أعضاء مجلس النواب، أي من (66) نائباً. في حين نصت المادة 58 من النظام الداخلي لمجلس النواب النافذ على أن يقدّم طلب الإستجواب من نائب وبموافقة (25) نائباً فقط.
إن طلب سحب الثقة يقدم إثر مناقشة إستجواب رئيس الوزراء.
يقدم طلب سحب الثقة بعد سبعة أيام في الأقل من إستجوابه.
أن يتم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ال (329)، أي بتصويت (165) نائب على سحب الثقة.
تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
في حالة سحب الثقة، تستمر الحكومة بتصريف أعمالها لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً.

التكييف القانوني لطلب عبد المهدي
بعد هذا الشرح والتوضيح لحالات الإستقالة، والإقالة، وسحب الثقة، فماذا يمكن أن يكيّف طلب إستقالة رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي المشار إليه في أعلاه؟
من الناحية الدستورية، فإن الدستور العراقي لم يطرح سوى حالة قانونية واحدة تخص رئيس مجلس الوزراء، وهي حالة سحب الثقة. وهذه الحالة يجب أن يسبقها إستجواب لتقييم أداء رئيس الوزراء أو الوزراء في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم. ومناقشته وإصدار قرار سحب الثقة بالتصويت عليه بالأغلبية المطلقة.
ولكن رئيس الجمهورية برهم صالح الموالي لإيران، لم يقدم إلى مجلس النواب طلب سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، إستناداً لصلاحياته المنصوص عليها بالمادة 61 ثامنا/ب. كما إن مجلس النواب وخاصة رئيسه محمد الحلبوسي المحسوب على إيران أيضاً، قد رفض إستجواب رئيس مجلس الوزراء، على الرغم من تقديم طلب إستجواب عادل عبد المهدي، موقّع من (119) عضو، قدّمه النائب عدنان الزرفي، بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري استناداً إلى أحكام المادة 61 سابعا/ج من دستور العراق، والمادة 58 من النظام الداخلي لمجلس النواب رقم 50 لسنة 2007 (الملغي) مستنداً للأسباب التالية: –
إخفاق السيد رئيس مجلس الوزراء في تنفيذ البرنامج الحكومي المصادق عليه من قبل مجلس النواب.
إستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين وسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المتظاهرين السلميين.
الإخفاق في تنفيذ قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام 2019 وعدم تنفيذ بنوده وفقراته.
وإزاء عدم القيام مجلس النواب بإجراءات إستجواب رئيس مجلس الوزراء فلا يمكن القول إننا أمام حالة سحب الثقة عن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
كما لا يمكن تكييف الحالة المذكورة بطلب عادل عبد المهدي المذكور بانه إستقالة، لعدم ورود حالة إستقالة رئيس مجلس الوزراء في نصوص دستور جمهورية العراق النافذ لعام 2005، وبالتالي فإن الدستور النافذ لم يجيز رئيس الوزراء.
فما الحكم القانوني لهذه الحالة إذاً؟
لم تبق سوى حالة إقالة رئيس الوزراء من قبل الشعب الذي هو مصدر السلطات وفقاً لنص المادة (5) من دستور جمهورية العراق النافذ بقولها: “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية”.
وبهذا فإن الشعب قد أقال رئيس وزراء الكابينة الخامسة لحكومة عادل عبد المهدي، وعزلها بكامل وزرائها بإعتبارها مستقيلة وفقا للمادة الدستورية 61 من دستور العراق النافذ والنصوص القانونية ذات الصلة. وهي حالة نادرة تجرى لأول مرة في العراق. وهي حالة تدل على إستعادة الشعب العراقي لسلطاته المغيبة طيلة 17 سنة، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهيمنة إيران على الطبقة السياسية في العراق. وبالتأكيد ستسعى هذه الطبقة وبدعم من ربيبتها إيران على الإلتفاف على إرادة الشعب العراقي في ثورته المباركة للتخلص من الهيمنة الإيرانية وحكومات الفساد لإنقاذ العراق وشعبه.