23 ديسمبر، 2024 12:51 ص

إستفتاء كردستان بين تاريخ الصلاحية وتاريخ النفاذ

إستفتاء كردستان بين تاريخ الصلاحية وتاريخ النفاذ

لكل شيء تاريخ صلاحية ونفاذ، ولكل حادثة وقت زوال ونسيان، وإستفتاء كردستان بدء يسير في هذا المضمار، مضمار النفوذ والذوبان، وأخذت عقارب الساعة بالدوران لتعلن انتهاء وقت السباق، للبدء بإحصاء النتائج النهائية المرتقبة، فهناك من أصابت تكهناته، وهناك من اخطأت حساباته، عن استفتاء استغل ظروف البلد، وهو يخوض اشرس المعارك ضد اعتى عصابات الاجرام، مستغلاً بذلك التشتت والتنافر بين ساسته، الذين يبحث كلاً منهم عن مصالحه الحزبية والفئوية، بعيداً عن مصالح البلد العامة، متناسين ما ستؤول اليه نتائج القرارات الصبيانية، التي اتخذها بعض الأذناب، لغايات يعرفها الجميع، غايات ليست ببعيدة عن مجمل الأحداث الواقعة في المنطقة برمتها، والتي هي بالواقع عبارة عن وضع حجر الاساس لمشروع المائة عام المنصرمة، الذي تتحدث عنه الاجيال المتلاحقة.

تصدت الحكومة الاتحادية وجمع من السياسيين والمجتمع الدولي لقضية الاستفتاء والإنفصال، وحاول الكل ثني سياسيي كردستان عن إجرائه، الا انهم ابوا ذلك، واصروا على تنفيذه، وكان على الحكومة العراقية الوقوف بعزم للحيلولة دون تحقيقه، إلا ان (مسعود البرزاني) يريد ان يرسم الحدود بالدم، ولن يتنازل عن قراره، ولم يكتفي بحدود الاقليم الخضراء كما عبر عنها البعض، بل عمد الى ضم محافظة كركوك عنوةً مع الكثير من المناطق الحدودية للإقليم، ليصل به الحال الى مناطق (بدرة وجصان) الواقعة ضمن حدود محافظة واسط، والتي تعتبر من محافظات وسط العراق.

الحكومة الاتحادية لم تقف مكتوفة الايدي امام الاستفتاء، واصدرت جملة من القرارات كان ابرزها: تسليم ادارة المطارات والمنافذ الحدودية وآبار النفط في الاقليم، وإعادة مقرات الجيش العراقي في كركوك لوزارة الدفاع الاتحادية، وغيرها من القرارات الدستورية، وجعلها تحت ادارة الحكومة الاتحادية حصراً، وكانت قبالها مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها حكومة بغداد: بإيقاف جميع الرحلات الجوية من والى مطارات الاقليم، ومنع تصدير النفط الخام ودخول المشتقات النفطية والمواد التجارية بكافة انواعها عبر المنافذ الحدودية للإقليم.

قرارات وإجرآت الحكومة الاتحادية الدستورية، اربكت الوضع في كردستان، ودفعت اصحاب القرار في كردستان للتخبط في التصريحات والمواقف، وجعلت الشعب الكردستاني في دوامة من الضياع والخوف من مستقبلهم المجهول، مع ان البعض اعتبرها إجحاف بحق الاكراد، وان مثل تلك القرارات تلامس حياتهم العامة لتعلقها بوضعهم المعاشي والإقتصادي، مع إن جميعها دستورية بحته، القصد منها اعادة الحقوق الضائعة للشعب الكردي، التي كان يسيطر عليها البرزاني ورجالات حزبه.

البرزاني كان همه الاكبر السيطرة الواسعة على مقدرات الاقليم والتفرد به، إلا ان الامور بدأت تخرج عن سيطرته وتأخذ منحى آخر، بعيد عن ما كان يحلم به، فلم تصمد قوات البيشمركة بوجه عدد بسيط من الحشد الشعبي التركماني، وعدد من قوات الرد السريع، التي سيطرة في غضون ساعات قليلة على الكثير من مقرات البيشمركة في كركوك، وهروب محافظها في ليلة ظلماء ليس فيها قمر الى الاقليم، هذا الامر دفع قيادات في التحالف الوطني الكردستاني، واسرة المرحوم (مام جلال) الى عقد اجتماع طارئ مع مجلس محافظة السليمانية، واصدرت بيان يدعو لاتخاذ الخطوات اللازمة لإبعاد الصدام المسلح، والبدء بحوار مع حكومة بغداد، على ضوء ما اسموه بمبادرة (السيد السيستاني) لحل المشاكل العالقة والحالية، ومناشدة الحكومة والبرلمان العراقي بعدم اتخاذ قرارات تمس قوت وعيش مواطني كردستان، وان المحافظة على استعداد تام للتعاون مع الحكومة الاتحادية في ادارة مطار السليمانية والمنافذ الحدودية وفق الدستور، هذا الامر دفع برزاني الى طلب امهاله 48 ساعة لتسليم آبار نفط كركوك الى القوات الاتحادية.

مغامرة مسعود الفاشلة بدأت تدخل في وقت نفاذ صلاحياتها، والقيادات الكردية بدأت بالنفور من حوله، والبحث عن حلول واقعية للأزمة في كردستان، والدعوى الى حوار موسع بلا شروط، وهذا ما صرح به للقيادي الكردي (برهم صالح) من على قناة الفرات الفضائية وقال ايضاً “إن الحدود التي ترسم بالدم تزال بالدم”، وهذا يدل عن إنه لا نية للإقليم للدخول في صدام مسلح مع الحكومة الاتحادية، أي ان نتائج الاستفتاء بدت بالذوبان، وأضحت الامور تأخذ منحى آخر، وما هي الا بضع اسابيع حتى تظهر النتائج المتوقعة، وتدخل كردستان في حوارات حقيقية بسقوف متدنية، بأقل مما يتوقع، ويعود الاكراد للبرلمان، ويستبدل محافظ كركوك، وتنتزع المناطق المتنازع عليها، وتعود لما كانت عليه سابقاً لكن ليست بالوقت القريب، وإنما على مدى الفترة القادمة البعيدة بعض الشيء، وسيحصل الأكراد على مجموعة من المطالب، ولكن ليست بنفس السقوف التي كان قد رفع مستواها الاقليم سابقاً.