كم هو صغير ذلك الوحش الحقير الذي لايحترم كبيرا، ولايبجل شيخا، ولاإمرأة عاجزة ، بل ويتصرف مستهترا بالقيم الأخلاقية. فهو يتجاوز حدود الأدب، ويضرب كبار السن والعجائز والمرضى، والذين يفتقدون للمناعة اللازمة لمواجهة التحديات الصحية المنتشرة في العالم منذ أن وجدت الخليقة، وهو لايبالي بردات الفعل من الجميع لأنه في غاية الإستهتار والعجرفة والعناد، عدا عن كونه جزءا من معادلة الصراع الكوني الدائب، والذي يهدد الحياة، ويحول نعيمها الى جحيم، ولكنه يكشف عيب وزيف وعنجهية وفراغ عقول الكثير من الساسة والقادة والزعامات حول العالم الذين يفاخرون بطائراتهم ودباباتهم وجيوشهم، والتقنيات التي يملكون، والأموال التي يجمعون، والمناصب التي يستحوذون، والهبات والماديات التي تأتيهم فلا يشبعون، هو سر من أسرار الطبيعة التي تتفنن في مواجهة الإنسان وتحديه، وبمقدار مايحاول ترويضها تحاول هي الأخرى ترويضه، فتلعب معه لعبة الأنثى الماكرة، والذكر المشتهي، فيقعان على الدوام على وجهيهما، ويكتشفان أن الغيب أقوى منهما، وأنهما مطواعان لذلك السر العجيب.
دول العالم المترامية الكبيرة والصغيرة. الغنية والفقيرة، والناس أجمعون الصغار منهم والكبار، الأغنياء والفقراء، الشبعى والجياع، العراة والمكسوون بالحرير، وسواه من نتائج الطبيعة، ومفاخر الصناعة، الفنانون والرياضيون والساسة والمتدينون والملحدون، الشاكون بالله، والراغبون برضاه، والموحدون له، جميعهم في الدور واحدا بعد واحد، الجميع معرض لأن يفتح أبوابه للفيروس الصغير الذي لايحترم أيا من هذه التوصيفات، فيدمر الجهاز التنفسي، ويسافر في رحلة سريعة نحو الرئتين فلايعود ينفع دواء ولادعاء لأن الحكمة البالغة إقتضت أن يعم البلاء، وينتشر الوباء كإمتحان وإختبار لقدرات البشر ووعيهم وتفكيرهم ونضجهم وعنادهم، وسهولة أفكارهم، وتردي مطامحهم.
كأن صوتا يأتي من بعيد مناديا بالبشرية: أن إهجعوا في بيوتكم، وتقبلوا القرار، فلعلكم أن تنجوا، أو تموتوا، وليس لكم الخيار، فهناك من يتكفل بقبض الأرواح، أو أطلاق السراح، فمن كتبت له النجاة فهو ناج، ومن كتب عليه الفناء فهو فان، فلاتخيروا أنفسكم بماليس بأيديكم، ولستم أصحاب القرار فيه، وماعليكم إلا أن تستكينوا، وإن دخل عليكم الوباء فتقبلوا صحبته، وراوغوه، وعالجوه، فعسى أن تشفوا منه، أو أن لايصلكم أبدا ولايطيح بعزيز على أنفسكم فتفقدون أحبتكم، الذين هم أمثالكم ومثلكم ينتظرون ويخافون ويقلقون ويترقبون وينظرون نحو الباب والشباك بإنتظار الطارق، وماأدراك ماالطارق.
كورونا يطرق الأبواب جميعها، ويسافر عبر الطائرات ومن دونها، وعبر السفن ومن دونها، وعبر القطاارت ومن دونها، ولديه جواز دبلوماسي أخضر مزين بالتاج. فلاسلطة لأحد عليه لأنه الملك المتوج، وصاحب الأمر والنهي، ومن يقدر على رده وردعه هو ملك الملوك، ولكن ملوك الملوك له مشيئة لانناقشه فيها، بل نخضع لها، ونعلن الإستسلام.