يجب ان تكون لدى أي قيادة مهما كان نوعها، نظرة استشرافية للمستقبل ناتجة عن تحليلات واقعية للظروف الآنية وماسينتج عنها من تداعيات أو ولادات وما يرافق ذلك من تجاذبات وافرازات.
والقائد الناجح هو من تكون له نظرة ثاقبة عليه أن يجسدها على أرض الواقع قبل فوات الأوان حين لاينفع ندم النادمين.
في خضم الصراعات السياسية والفكرية وتداعياتها على الشارع العراقي على مدى أربعة عشر عاماً، ومارافقها من تخندقات طائفية ومناطقية وعرقية وغيرها، لم نجد مشروعاً سياسياً سعى إلى لملمة أوضاع العراقيين على إختلاف مناهلهم، بل على العكس أغلب المشاريع السياسية كانت تعمل على تفكيك ألوان الطيف العراقي، لتحقيق مصالح ومكاسب ضيقة كانت تؤتي ثمارها على أفراد بعينهم أو جماعات سياسية معينة، حتى التحالفات السياسية كانت في أغلبها مرحلية تظهر قبيل كل إنتخابات لحصد أصوات الشارع ومن ثم اقتسام المكاسب وكل يعود إلى مابدأ منه أو انتمى إليه.
فلم يكن هناك تيار سياسي أو حركة أو حزب أو كيان يجمع بين ثناياه التنوع المجتمعي الذي يتكون منه النسيج الاجتماعي على سبيل الدوام، بل كانت جميع الجهات السياسية تمثل طوائف وأديان وقوميات بغض النظر عن سلبيات تأسيسها وعملها وتأثيراته في النفوس، حيث كان الهدف الأساسي التمثيل الحكومي وكيفية تسلق سلم السلطة.
وبعد تشكيل الحشد الشعبي العراقي لمحاربة داعش اتضحت أهمية اختلاط الدم العراقي، وأهمية توحيد الموقف العراقي حيث تم سحق أعتى عصابات على وجه الأرض في الوقت الذي عجزت دول كبرى عن مواجهتها.
وانبثقت أولى ومضات الأمل تزامناً مع إعلان إنتصار العراق على الفكر اللاديني المتطرف، لتعلن عن تأسيس تيار وطني حقيقي لم يضع خطوطاً حمراء للانتماء إلى صفوفه فهو دعى جميع العراقيين دون إستثناء مذهبي أو قومي أو ديني للإنضمام إليه، مشروعاً يرمي إلى قيادة سفينة العراق لتخوض سبر أغوار بحار السياسة الإقليمية والدولية، والخروج من نفق الطائفية المظلم الذي دمر البلاد والعباد والتخلص من المحاصصات والتقسيمات المقيتة التي لم تجلب سوى المآسي والويلات.
تلك كانت نظرة قائد استلهمها من شواهد حاضرة أبرزها فتوى النجف التي حفظت وجه العراق من الزوال، وكانت الخطوة المحفزة لشروق شمس الوطنية العراقية من جديد.
وكان ذلك المشروع هو مشروع الحكمة الوطني.