عندما تنتهي من قراءة قصص ( غميض الجيجو ) ــ المجموعة القصصية البكرــ للقاص عادل الهلالي ، تشعر كأنك خارج من كابوس كدت تختنق بأحزانه وعذاباته وبؤس كائناته ، فأغلب أبطالها من النماذج الانسانية المسحوقة والمعدمة ، مشردون ، نازحون ، مخصيون ، باعة جوالون ، سبايا ، حرمان جنسي ، كائنات بشرية سحقها العوز والخيانات وأدمت قلوبها ماكنة الحرب التي أخذت بفلذات أكبادها ، ومقابر تتمدد مؤشرة على فداحة القبح البشري ، وان نظرة فاحصة لدلالات قصص هذه المجموعة تكتشف مغزى اختيار القاص للعبة الشعبيـة “غميض الجيجو ” عنوناً لها ، فالموت ــ كما يراه القاص ـ أصبح يتربص بأرواح العراقيين ولم ينفع معه فعل التخفيّ ، فهو مشغول في البحث عنها وفي كل مكان ، الأسواق ، المقاهي ، المحلات العامة ، كما تقتضي شروط اللعبة الشعبية الآنفة الذكر .
وتكتشف ايضا ان التنوع في موضوعات قصص المجموعة يعكس شخصية القاص الهلالي الذي هو الى جانب كتابتة القصة القصيرة فهو فنان تشكيلي ومعلم للموسيقى ومدرس للتاريخ ، فبين قصص المجموعة البالغ عددها ( 25 ) قصة كانت هناك ست قصص تدين الأرهاب من خلال عرضها لمأساة النازحين ، ضياع الأرض ، معاناة السبايا والتداعيات الاجتماعية التي خلفّتها الأعمال الارهابية من تشرد وتمزق في النسيج الاجتماعي وهذا ما أشارت اليه قصص ( عاشقة النهر ، هموم ثقيلة ، غميض الجيجو ، البكاء بصمت ، مناديل ورقية ، حب في زمن سبايكر ) كما اتخذ القاص من موضوع الحرمان الجنسي مادة لقصص (مابعد السجن ، فوبيا الجنس ، الأخرس ) ، وفي محاولة للخروج من عالمه القصصي الملبد بالسواد والاحباط يحاول القاص في قصـته (محاولة انقلاب ) ان يتخلص من ذلك المناخ ويجعل من عودة البطل الى آلته الموسيقية وسيلة لاعادة التوازن والتماسك لشخصية بطله المهزوزة والمضطربة بعد ان عاش حالة من اليأس وإنهيار القيم . وكذلك من بين قصص المجموعة الغارقة بحزنها نجد الهلالي في قصة ( شجرة التوت ) إستطاع ان يتخطى ويتجاوز مناخ العذابات التي زج بها القاريء حيث يقدم في هذه القصة فضاءً أكثر اشراقاً وايمانا بالمستقبل فهي قصة مختلفة في بناءها الفني وعمق دلالتها فقد وفق القاص في توظيف ( الفلاش باك ) عندما اعاد بالبطل الى ماضيه السياسي وهويجوب شوارع محلته الشعبية لأول مرة بعد غياب قسري دام عشرين عاماً قضاها في منفاه فلا يتذكر من تلك الشوارع (سوى عنفها وعيون رجال الأمن التي كانت تتابعني في كل الأوقات ) وشعوره بالانتصار عندما يجد شجرة التوت قد ألقت بثمارها وهو الذي اختلف طويلاً مع والده بشأن خصوبتها واستحالة عطاءها .
ونجد بعض قصص المجموعة مثل ( ابن الاسكافي ، جمعة أكد ) تبتعد عن جوهر الفن القصصي وذلك لافتقادها العناصرالأساسية للقصة ، فهي لاتعدوا اكثر من سيل من الشتائم وتقارير عن نشاطات ثقافية ، وعليه أجد ان القاص عادل الهلالي لما يمتلكه من لغة رشيقة بعيدة عن الادغام والتعقيد وكذلك صفاء التأمل كان يمكن ان يعطي الأفضل لو كان قد أحسن توظيف ذلك في مضامين قصصه وابعد الغث عنها قبل ان يدفع بها للطبع ، الا ان هذا لايقلل من أهمية هذه المجموعة البكر فهي قصص تنتمي الى الانسانية وتحاول من خلال عرض عذابات الآخرين لفت الانظار اليها وبالتالي فهي محاولة طيبة تستحق الاحتضان والتشجيع .