27 ديسمبر، 2024 5:39 ص

عبارة نعرفها منذ السنوات الأولى في المدرسة الإبتدائية , وكان المعلم يشرحها لنا , وكنا في درس الزراعة نذهب إلى حديقة المدرسة ونتعلم كيف نزرع وننشر اللون الأخضر في كل مكان.
تذكرت ذلك , وأنا اقرأ عن نيوزيلندا التي تزرع كل سنة مئة مليون شجرة , فقلت لنفسي هذا رقم خيالي , ورحت أبحث عن حقيقته , فوجدته صحيحا فالمشروع جاد ويتم تنفيذه , والهدف منه أن تكون نيوزيلندا واحة خضراء , مما سيساهم في رعاية وحماية أمّنا الأرض التي خربنا بيئتها وإعتدينا عليها , بما أوجدناه من مبتكرات ومحركات ذات محروقات قتّالة للبيئة والحياة.
كما تذكرت مذابح بساتين النخيل التي بدأت في العراق منذ ما يقرب من أربعة عقود , ولا تزال ماضية بلا هوادة ولا رحمة , لشجرة مباركة مَن يرعاها لا يجوع ولا يهون , لكننا إرتكبنا أكبر جريمة بحقها , فبعد أن كان العراق من أكبر دول العالم بثروة النخيل أصبح من أقلها شأنا ودورا وقيمة , مع أن فيه أجود أنواع النخيل في العالم , وصارت بساتين كليفورنيا وما حولها تحوي أكثر من نخيل العراق.
وسبب الجريمة المروعة ضد النخيل العراقي هو الغباء والجهل والعدوان على الذات والموضوع , فقد أبتلي العراق بقادة سذجة بقلاء يحسبون أنهم يعرفون وهم من أجهل الجاهلين , ولهذا تم الضحك عليهم وأخذهم إلى ميادين سقر وهو يضحكون , وما حسبوا بأنهم يضحكون على أنفسهم , فهم السفهاء ولكن لا يعلمون.
وما مضى مضى , والحاضر الصعب يطالبنا بأن نكون جادين ومتحمسين للعمل على زراعة خمسة ملايين نخلة كل سنة في أرجاء البلاد , وأن يكون المشروع من أولويات القوة الإقتصادية , فالنخلة شجرة معطاء تمنع من جوع , ومَن يحترمها ويعزها يكون من الأعزاء.
ففي الزمن المعاصر أصبح الحديث عن الأمن الغذائي من أولويات الدول المتقدمة , والعرب أجمعين لا يمكنهم تحقيق الأمن الغذائي إذا لم يعيدوا للنخلة كرامتها ودورها في حياتهم اليومية , وأن يجتهدوا بزراعتها وحمايتها ورعايتها , وتشجيع المصنوعات المتنوعة المتصلة بها , فالنخلة ذات طاقات وقدرات بقائية مباركة وقوية.
وكانت جدتي تقول لي: ” فرضوا علينا التموين (الحصار) , وما تأثرنا لأن النخلة كانت تطعمنا وتطعم مواشينا”ا
وفي زمن الحصار الشديد الذي إستمر لثلاثة عشر عاما , تحقق العناء الأصعب للعراقيين , لأن النخلة قد تعرضت للعدوان والإبادة القاسية المروعة في البصرة ومعظم مناطق الجنوب , فأطبق الجوع على العراقيين , وصار الطعام عزيزا , ولو أن ملايين النخيل كانت على قيد الحياة , لما تأثر العراقيون بندرة الطعام ولما عرفوا طعم الجوع.
فهيا لزراعة خمسة ملايين نخلة كل عام , ويمكن الإستعانة بالزراعة النسيجية التي يمكنها أن توفر الشتلات بوفرة عالية , وهناك عدد من علماء الزراعة العراقيين البارعين بهذه العلوم والقادرين على إنشائها في البلاد.
ومن الحقائق التي تغيب عنا , أن زيادة عدد النخيل يجب أن تتناسب طرديا مع زيادة عدد السكان , ولتحقيق الأمن الغذائي يجب أن يكون عدد النخيل ضعف عدد سكان البلاد , فهذه معادلة على جميع المسؤولين العرب العمل بموجبها لتحقيق الأمن الغذائي الدائم.
فلنزرع النخيل في ارجاء البلاد , فهذه رسالة وطنية وإرادة متحدية وقدرة إقتدارية فائقة , تحررنا من الإستعباد والإستعمار الغذائي!!
فهل أدركنا قيمة النخلة في حياتنا؟!!