“هي الملوية الشمخاءُ تبقى….منارةَ أمةٍ تحيا وترقى”
الملوية تعبير عمراني أصيل عن ذروة ما بلغه الوعي الروحي والإدراك العقلي في زمن التألق والإرتقاء الفكري والثقافي والإقتداري , الذي وصلت إليه طاقات الأمة بعروبتها ودينها , ومنطلقات ما فيها من جواهر الرؤى وروائع الإبداع.
فكانت الملوية منطلقا لثورة عمرانية تواصلت في أرجاء الدولة العباسية , ولا تزال تأثيراتها واضحة في الزمن المعاصر , حيث البنايات والأبراج المستوحاة من فكرة الملوية الشماء.
وجوهر الفكرة ينبثق من الإلتواء والإرتقاء , فالإلتواء يعني تخزين الطاقة وعصرها لتكون ذات تأثير أكبر , وكلما إزداد الإلتواء تكثفت الطاقة وتعاظم الإقتدار , وإمتلك الملتوي إمكانية الإنطلاق إلى مسافات أبعد وفقا لبوصلة الإتجاه.
وبما أن الملوية إلتواء متجه نحو السماء , فهي ذات دلالة روحية تشير إلى أن الإنسان عليه أن يكنز من الطاقات الإيمانية الصافية النقية , ما يؤهله للإنطلاق نحو فضاءات الكون المتسع الفسيح , بمعنى أن الإنسان لكي يتخلص من تمسك الأرض به عليه أن يجتهد , ويُعمل عقله وروحه وقلبه ويهذب نفسه ويتخلص من رغباتها وإنفعالاتها , ويكون خالص الإنتماء لذات الوجود الكبرى , فيكون متشوقا ومنبثقا من كينونته ومتجها نحو خالقه العظيم.
والملوية تلخص جوهر فكرة الإسلام ومعنى الحياة , وتختصرها بأن على الإنسان أن يكنز من الفضائل ما يؤهله للفوز بمصير قويم.
ولهذا فأن بعض الجهلة المسعورين من ذوي العاهات النفسية والفكرية والعقائدية , من الأصوليين والدوغماتيين , والتابعين القابعين في أقبية الضلال والبهتان , والذين يتوهمون أنهم يعرفون الإسلام , وهم لا يفقهون لا في الدنيا ولا الدين ولا التأريخ , فينطلقون بسذاجتهم المدججة بالأحقاد والكراهيات ويعادون ما لا يفهمون , ويترجمون نوازع طائفية هذيانية حمقاء , تريد النيل من كل ما يشير إلى الحضارة العربية الساطعة الأنوار في زمن الدولة العباسية , التي كانت سيدة الأرض لأكثر من خمسة قرون. بل أن روح الشعوبية تسري في عروقهم , تلك التي حاربها الجاحظ إبن البصرة الأبي الغيور على العروبة والدين.
فالملوية رمز عروبة سطعت ودين توهج ككوكب دري في فضاءات دولة لا تغيب عن ربوعها الشمس , وستبقى منارة شموخ ودليل عزة وكرامة وإباء وكبرياء عربي مجيد!!
“فقلْ تحيا بأعماقٍ وقلبٍ…إرادةُ نهضةٍ سُبِكتْ فكانت”