التغيير كان شعاراً لكافة المرشحين في الانتخابات النيابية الأخيرة، الكتل والأفراد على حد سواء، والمرجعية الدينية هي الأخرى تبنت الدعوة الى التغيير في خطاباتها، وأكدت عليه مراراً وتكراراً بعبارات أصبحت تسري كالأمثال والحكم: (لابد من تغيير الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد، والمجرب لا يجرب)
لعل البعض يتساءل عن ذلك التغيير المنشود، هل حصل بالفعل؟
ثمة من يرى أن التغيير لم يتحقق وفق الدعوة الى تغيير الوجوه التي إعتدنا مشاهدتها في أروقة السياسة العراقية؛ تحت قبة البرلمان، وعلى كرسي الحكم، بيد أن النظرة الموضوعية للتغيير تتحدث عن تغيير هائل حصل على مستوى البرلمان، وكذلك في التشكيلة الحكومية الجديدة، وبالتالي على مجمل العملية السياسية، اشتركت المرجعية الدينية وقطاعات واسعة من الشعب في تنجيز ذلك التغيير.
على مستوى الحزب الحاكم؛ طال التغيير الشعبي عبر صناديق الإقتراع ما يسمى “صقور الدعوة” وبجهد المرجعية الدينية والخيرين من السياسيين والضغوط الإعلامية التي مارسها الشعب؛ تم تنحية رئيس الحزب عن منصب رئاسة الحكومة، وكان لهؤلاء دوراً كبيراً في الفساد المستشري في الدولة، وفي فشل العملية السياسية وما وصل اليه البلد من انهيار أمني.
وعلى مستوى المعارضة فإن كتلة مؤثرة ككتلة المواطن حازت على أربعة مناصب في الحكومة الجديدة، فإنها لم تحز على أي منصب في الحكومة السابقة، وقد علا نجمها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما أن تلك الكتلة تمثل رهان بعض المرجعيات الدينية مثل المرجع النجفي، لذا فإنها دخلت في التشكيلة الحكومية الجديدة بقوة، وعبر ثلاث وزراء، إثنان منهم لم يتسنما أي منصب فيما مضى، والثالث وزير سابق لثلاث وزارات، وقد عد من أنجح الوزراء العراقيين.
أما على مستوى قيادات الكتل الكبرى مثل المالكي والنجيفي وعلاوي؛ فإنهم وضعوا في مناصب تشريفية نظراً لأهمية تلك الشخصيات وثقلها في المجتمع العراقي، وفي الوقت ذاته تم تنحية المالكي والنجيفي عن مناصبهم وإعادة أياد علاوي من موقع المعارضة الى المشاركة الشكلية.
كما أن رئيس الوزراء الجديد عازم على اشغال جميع المناصب الوزارية خلال فترة أسبوع دون اشغال أي منصب بالوكالة، وكذلك فإن برنامجه الحكومي يشير الى تطور كبير في الرؤية الإستراتيجية لإدارة الدولة، تختلف كثيراً عمن سبقه من الحكومات، بالإضافة الى الكاريزما التي يمتلكها والتي تنم عن شخصية غير متزمتة في اتخاذ قراراتها وحازمة في الوقت ذاته.
وفق ما مضى من تفاصيل التغيير الذي حصل في الانتخابات البرلمانية، وما جرى لاحقاً من تشكيل الحكومة الجديدة؛ نستطيع القول: أن المرجعية الدينية ودعاة التغيير من أبناء الشعب وبعض الكتل السياسية قد نجحوا بالفعل، وتم تغيير بعض الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد، وتحييد الأخرى وإنشاء حكومة جديدة وفق برامج متفق عليها ومواثيق رصينة، لن تدع مجالاً للإستئثار بالسلطة واتخاذ القرارات الخاطئة كما في السابق والتي أودت بالبلد الى الحال الذي نعيشه اليوم.
نستطيع القول بأن التغيير قد حصل بصورة كبيرة لم تكن متوقعة، وأن العملية السياسية عادت الى مجراها الطبيعي بفريق قوي منسجم يمثل جميع مكونات البلد، وان لم تكن بالصورة المثالية المرجوة.