19 ديسمبر، 2024 12:14 ص

إذا فسد الراعي فسدت الرعية!!

إذا فسد الراعي فسدت الرعية!!

ذات يوم قال لي ذلك الرجل القصير القامة وهو يتكلم بنغمة أنفية خاصة , وعاش راعيا لمواشي المدينة عندما كانت المواشي ذات قيمة إقتصادية , والناس تعرف أسباب عيشها الرغيد وتطورها وتنميها , قبل أن تبلدها المدنية المزيفة وما جلبته من أضاليل تدميرية مستوردة.
قال لي وكانت الحرب قد بدأت : ” صاحبنا لا يستطيع أن يرعى رأسين من الغنم”!!
قلت: كيف تقول ذلك؟
قال: القيادة بحاجة إلى راعي , وهذا ذئب يريد أن يرعى غنما , فكيف ستكون الأحوال؟
وتمتم: ألله يحفظكم من أعاصير الشرور التي أراها تلوح في أفق الأعوام.
ومضى في طيات الأيام , لكني تذكرت كلماته بعد ذلك , وأدركت أن القائد الحصيف يجب عليه أن يتعلم مهارات الرعي أولا , فإن لم تكن راعيا لن تكون قائدا , ولهذا نجد معظم الأنبياء والمصلحين كانت لديهم خبرات في الرعي.
وحضر هذه الأيام والكلام عن الفساد والإفساد بزكم الأنوف , ويرفع رايات المخازي والإستهتار بالقيم والمعايير والمثل , والكل يدّعي بأنه يمثل الدين القويم الذي بموجبه يمتهن الفساد والظلم والإمعان بالإستحواذ على مقدرات العباد والوطن.
والعلة الحقيقية في الراعي , فهو ذئب يريد إفتراس الرعية وتدميرهم والقبض على مصيرهم , والرعية دوما مرآة عاكسة للراعي , فإذا إستذأب إستذأبت , وإذا إستشرى إستشرت , وإذا إستكان إستكانت , وإذا ظلم ظلمت , وإذا إحتقر الأخلاق والقيم والمعايير مثله فعلت , وتلك معادلة سلوكية فاعلة في البشر على مر العصور , ولا جديد في الأمر.
لكن النقطة التي يمكن الإشارة إليها , أن ما يكتبه الكتاب ويصرح به المفكرون والمثقفون من علاجات لا تنفع لأن الراعي فاسد ومصاب بهوس الإستحواذ والإستذئاب , وإن شئتم فأن الراعي المفترض “مكلوب” , ولا يتوقف عن عض البشر.
فالتغيير الإيجابي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود الراعي الأمين الخبير الصادق الصالح , الذي يفكر بمصلحة رعيته ويجد ويجتهد في إقامة العدل وتوفير أسباب الحياة الحرة الكريمة لهم أجمعين.
أما إذا كان الراعي غير ذلك فلا أمل يُرتجى ولا مستقبل أفضل , لأن سلوكه المنحرف سيؤهل أجيالا منخرفة تكرر ممارساته الشاذة المخزية , وبهذا يتدمر المجتمع ويضعف الوطن.
فهل من قدرة على الإتيان براعٍ أمين؟!!