لا أظنُّ أنّ الطريقة التي يُدير بها رئيس الوزراء حيدر العبادي الأزمة مع حكومة إقليم كردستان هي طريقة صحيحة وناجعة، بل ربما تكون الطريقة الأسوأ لمعالجة هكذا مشكلة.
حكومة الإقليم نظّمت استفتاء لسكان الإقليم والمناطق المتنازع عليها بشأن ما إذا كانوا يريدون الاستقلال عن العراق وإنشاء دولة مستقلة.. السلطات الاتحادية (حكومةً وبرلماناً) لم تعترف بالإجراء ، وحاججت بأنه غير دستوري. المحكمة الاتحادية التي رُفِعت إليها القضية قرّرت أنّ الاستفتاء “لا سند له من الدستور ومخالف لأحكامه “، وحكمت “بعدم دستورية الاستفتاء …… وإلغاء الآثار والنتائج كافة المترتّبة عليه”. حكومة إقليم كردستان أعلنت من جانبها أنها تقبل بحكم المحكمة الاتحادية وتخضع له وتعتبر أنّ الاستفتاء أصبح من الماضي، وطالبت ولم تزل بإلغاء الآثار والنتائج المترتبة عليه من جانب الحكومة الاتحادية، ومنها الامتناع عن دفع رواتب موظفي الإقليم وإغلاق مطاري أربيل والسليمانية أمام طائرات الخطوط الأجنبية.
السيد العبادي يواصل التزام موقف متشدّد حيال الأزمة، فهو لا يقبل بأقلّ من صدور قرار من الإقليم باعتبار الاستفتاء لاغياً. عملياً سواء أعلنت حكومة الإقليم أنّ الاستفتاء لاغٍ أم لم تُعلن فإنه أصبح لاغياً وباطلاً ولا أثر مادياً له، وبالتالي يصير من الواجب على الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم البحث في حلول للمشاكل القائمة بين الطرفين، وبينها المشاكل المزمنة التي كانت عملية الاستفتاء من عواقبها وإفرازاتها.
رجل الدولة في مقام رئيس الحكومة في دولة ديمقراطية، يفترض به أن يبذل كلّ جهد ويتوسّل كلّ وسيلة لتطويق المشاكل التي تواجهها الحكومة والمجتمع وحلّها، وأن يسعى لتجريب خيارات متعددة. سياسة الإملاء لا تلائم النظام الديمقراطي، بل هي مرفوضة ،لأنها من سمات النظام الديكتاتوري.
السيد العبادي يمارس على هذا الصعيد سياسة ذات ملامح شوفينية، فالإجراءات المُتّخذة من جانبه تنطوي على عقوبة جماعية لسكان إقليم كردستان جميعاً، بمَنْ فيهم الذين صوّتوا ضد الاستفتاء، لا تختلف في الجوهر عن العقوبات التي فرضها صدام حسين على سكان الإقليم بعد انتفاضة 1991 وقيام إدارة ذاتية خارجة على سلطته في مناطق الإقليم.
لا يُمكن إيجاد معنى وقيمة لما يطلبه السيد العبادي،غير السعي لـ “إذلال” مَنْ اتّخذوا قرار الاستفتاء، وبخاصة رئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني، والشعور بالتفوق والانتصار عليهم من جانبه.
في أواسط العام 2015 أعلن السيد العبادي عن حزمتين إصلاحيتين (لم يتحقّق منهما شيء ذو قيمة)، تجاوباً مع الحركة الاحتجاجية الإصلاحية التي انطلقت في 31 تموز من ذلك العام. في إطار تلكما الحزمتين أُقصيَ نواب رئيس الجمهورية، إياد علاوي ونوري الماكي وأسامة النجيفي، من مناصبهم. لاحقاً طعن المالكي والنجيفي بقرار العبادي أمام المحكمة الاتحادية التي قرّرت أنّ إجراء العبادي غير دستوري وعدّته لاغياً بكل النتائج والآثار المترتّبة عليه.
ما الذي حصل بعد ذلك؟ .. الذي حصل أنّ نواب رئيس الجمهورية الثلاثة عادوا إلى مواقعهم واستأنفوا أعمالهم من دون ضجة.. لم يشترط أيٌّ منهم على السيد العبادي أن يعلن بنفسه إلغاء قرار إلغاء مناصبهم وإطاحتهم منها، مثلما يريد السيد العبادي الآن من بارزاني وحكومة الإقليم.
من ناحية أخرى، لا أجد نفسي متضامناً مع حكومة كردستان في موقفها بعدم الإعلان عن أنها تعتبر الاستفتاء لاغياً، بالشكل الذي يريده العبادي.. السياسة براغماتية بطبيعتها، وما دام هكذا إعلان يحقّق مصلحة للشعب الكردي ويُسقط الحجّة التي يتذرّع بها العبادي وسواه، فليس ثمة بأس في هكذا إعلان .. إنه بطبيعة الحال لن يُلغي طموح الكرد في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ولن يقضي على أملهم في إنشاء دولتهم، فالقوة العسكرية الرهيبة والأسلحة الفتّاكة التي اعتُمِدت في الماضي ضد الكرد وثوراتهم لم تُفلح في النيل من هذا الأمل وذلك الطموح.