18 ديسمبر، 2024 8:54 م

إختبار سريري تاريخي لآثار شرب القهوة!

إختبار سريري تاريخي لآثار شرب القهوة!

وَقَعَت عينا الملك حينما كان في زيارة للسجن على توأمين متطابقين. محكومين بالإعدام على جرائم ارتكباها. فوجدها ظرفًا وفرصة مناسبة لإثبات ما يعتقده من الآثار الضارة للقهوة على صحة الأفراد. فأمر بإجراء تجربة ميدانية على التوأمين. بعد أن تم تخييرهما بين المشنقة وفق الحكم الصادر بحقهما، او خضوعها لتجربة شرب القهوة. وقطعًا سيختاران الخيار الثاني وخوض التجربة. فهذا الأمر بالنسبة لهما بمثابة عفو ملكي نسبي مشروط بمستطاع!. فتَمَّ ايقاف تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهما. وتخفيفه إلى السجن مدى الحياة. مقابل أن يشرب أحدهما ثلاثة أباريق من القهوة يوميًا، ويشرب الآخر نفس الكمية من الشاي لبقية حياتهما. وكان الملك على قناعةٍ ان شارب القهوة سيموت أولًا وقريبًا جدًا. “بتأثير مادة الكافيين في القهوة”.
لقد وضع الملك على عاتقه ايضاح الآثار السلبية المترتبة على الصحة، من خلال تجربة استهلاك السجين لمعدلات مرتفعة من القهوة. ومراد الملك بنواتجها الذهاب الى الحظر التام للقهوة في البلاد.
عَيّنَ ملك السويدغوستاف الثالث (1746-1792)(1) طبيبين للإشراف ومتابعة التجربة لمعرفة من سيموت أولاً، وعلى الطبيبين إبلاغ الملك بالنتائج. عومل السجينان بنفس المعاملة. ولعلهما حصلا على طعام وظروف معيشية افضل من السجناء العاديين. وأخذت التجربة مداها الزمني. أسابيع، وأشهر، وسنين. وحين بلغ التوأمان من العمر 83 عامًا. مات أحدهما. ولكن كان الملك غوستاف الثالث كان في هذا الوقت قد غادر الحياة قبل ذلك، أذ أنه اغتيل سنة 1792م. دون أن يطّلع على النتائج النهائية للتجربة. كما أنّ الطبيبين المشرفين على التجربة ماتا قبل التوأم. وتفترض القصة انهما ماتا لأسباب طبيعية أي بأجلهما المحتوم. وتمضي تفاصيل القصة لتقول أنّ من كان يشرب الشاي كان هو من مات قبل أخيه. في حين لا يُعرف متى مات شارب القهوة بعد ذلك.
أوردت ملامح من هذه القصة بعض المواقع الإلكترونية (مثل موقع جامعة اوبسالا) (2). وهو موقع علمي رزين، وعلى مستوى مرموق من الثقافة والمهنية، ويشير الموقع ان هنالك من اعتبر فحوى القصة: (أول تجربة علمية سريرية في التاريخ السويدي)(3). وأضاف إنّ من اطلق هذا التعبير ربما أطلقه على سبيل المزاح. ولكن الموقع عقّب انه “لم يتم اثبات حقيقة القصة”. بيدَ أنّ هنالك من المرجحات مايمكن الركون اليها مما سنفصله هنا.
مخاوف الملك غوستاف الثالث:
تُرى مالذي حدا بالملك لإجراء هذه التجربة. هل حقًا كان يشك، أو يعتقد بأن شرب القهوة تهديد للصحة العامة؟. هل تأثر بما كان يروّجه زارعي الكروم وتجّار الكحول في زمنه حول مخاطرالقهوة ؟. أم تُراهُ قصد اخافة الناس من الإسراف في استهلاكها ؟ من باب الإقتصاد في الإنفاق على استيراد هذا المنتج؟، وعدم خروج العملة خارج البلاد؟!. وهل هو حقًا كان وراء أجراء التجربة (السريرية) لإثبات ضرر القهوة؟ أم أن باحثًا في علوم الطبيعة هو من أجراها؟. وإن كانت لديه مخاوف أو قلق مبرر، فهل كان خوفًا من آثارها الصحية على عامة الشعب؟. او خوفأ من الأحاديث الفكرية والسياسية التنويرية التي باتت متفشية، وتصاحب تجمعات شرب القهوة؟، فخشي على ملكه ان ينتزع منه؟، خاصة مع وجود مجموعات وجماعات متنمرة على طريقة حكمه!. كل هذه اسئلة سنحاول القاء بعض الضوء عليها.
السمعة السيئة للقهوة:
في الأجواء الزمانية لهذه التجربة، كان بعض اصحاب المصالح وخاصة مزارعي الكروم، ومنتجي الكحول، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قد تضرروا جرّاء انتشار القهوة التي شَغِف الموسرون ارتشافها في حياتهم اليومية ، فقد نمت تجارتها وازداد عدد محبيها. وإستحوذت القهوة على حصة كبيرة من المبيعات في الاسواق على حساب مبيعات الكحول التي تراجعت نسبيًا. فكان من الطبيعي في هذه الاجواء التنافسية الحادّة، ان يكون هنالك لغط، وترويج شائعات ضد القهوة (الوافد الجديد)، بغرض التنفير منها وضرب سمعتها. فأوشيع انها مشروب سام، يهدد الصحة ويقصّر العمر.
تباينت الآراء في المملكة السويدية زمن الملك غوستاف الثالث بين مُقِرٍ ونافٍ لمخاطر شرب القهوة. ويقال أن الملك ذاته، كان يعتقد جازمًا انها مشروب ضار بالصحة. وانها سم بطيء المفعول، يؤدي الى الوفاة المبكرة. خاصة إذا علمنا نّه في أول وعيه بالحياة، وجد والده الملك ادوف فريدريك كان قد أصدر أمر حظر القهوة رسميًا في البلاد سنة 1756م، “بغض النظر عن الأسباب” وتم فرض الضرائب على الاستخدام مع الغرامات الثقيلة بما فيها مصادرة الكؤوس والأطباق والمعدات. وامتد هذا المنع بعد ذلك لعدة سنوات. ليُرفَعَ الحظر قبل تولي الملك غوستاف الحكم بسنتين أي في سنة 1769م.
أول ظهور للقصة:
ان أقدَمَ ماعُرف حتى الآن عن هذه التجربة يعود إلى ما نشره الدكتور السويدي: برور ايريك دالغرين (4)،كبير علماء علم النبات في متحف Field Museum in Chicago بأمريكا حيث نشر بحثًا في موسوعة (أخبار العلوم المجلد 31-32 لسنة (1937) ذكر فيه انه نقب في سجلات القرن الثامن عشر في زمن ملك السويد غوستاف الثالث، فوجد التجربة المنسوبة الى الملك (5). وأن الملك Gustav استخدم زوجًا من التوائم المدانين كحقل للتجربة، كما هو الشأن في التجارب التي تجرى على خنازير غينيا(6).
نقد ومناقشة القصة:
1- لا يوجد توثيق لهذه القصة في السجلات التاريخية السويدية التي يمكن الوصول اليها، كما أفاد البعض. فلو كانت صحيحة لوجب وجود توثيق لها في مكان ما، ولم يعثر على شيء من هذا القبيل حتى الآن.
2- ربما هنالك مبالغة في القصة. فلو كان الأمر يتعلق بشرب بضعة أكواب من القهوة في اليوم فسيكون هذا مفهومًا، ولكن ان يكون ثلاثة اباريق كل يوم فهذا كثير. وهو بحد ذاته عقوبة قاسية!. إذ أنّ ذلك يستدعي أن يكونا متضايقين طوال الوقت. فهل سيتاح لهما ان يكونا في ساحة مفتوحة للتبول كلما دعتهما الحاجة؟، ام سيحجران في الزنازين؟!.
3- لا شك بوجود نواقص في سيناريو القصة، من مثل: ماذا كان اسم التوأم؟. ما الذي اقترفاه ليحُكم عليهما بالإعدام؟. في اي قلعة تم سجنهما؟. وهل انقطعت التجربة بعد رحيل الملك؟. أو هل توقفت بعد رحيل الاطباء؟. اذ ليس من المعقول ان تستمر بعد غياب الملك، او بعد وفاة الطبيبان المشرفان!. ام تُراها استمرت حتى بلغا 83 من العمر؟. ثم ماهو الاثر التاريخي الملموس، الذي تركته التجربة على الواقع الرسمي، والإجتماعي، والأدبي السويدي؟.
4- مصدر القصة هو سجلات القرن الثامن عشر والتي يفترض ان تكون في امريكا، تلك التي تفحصها ونقب فيها الدكتور دالغرين. بيد أنَّ أمر هذه السجلات مبهم من حيث طبيعتها، ونوعها: هل هي سجلات سجن؟، ثُمَّ أي سجن؟. وهل هي سجلات تاريخية إدارية؟، أم بيولوجية نباتية؟. ثمّ ماذا عن مكان تواجدها!. وكيف يمكن ان تنتهي نتائج تجربة سويدية في القرن الثامن عشر الى الولايات المتحدة الامريكية؟. لقد استخدم دالغرين في بحثه لفظ “سجلات” وهذا يعني انها ليست مواد قرأها منشورة في كتاب او مجلة او مذكرات بعض علماء الطبيعة؟. فإن كانت سجلات سويدية الأصل!، فكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ نقلت الى امريكا. وهل كانت سجلات حقيقية، أم مذكرات وملاحظات للطبيبين المشرفين، او لفائف وقصاصات للسجناء تم الاعتناء بها والحفاظ عليها.
5- يفترض في قناعات الملك فيما يتعلق بالشأن الصحي، ان تبنى على الإستئناس باراء العلماء المعاصرين له. ولعله إطلع على رأي عالم النبات السويدي كارل فون ليني (1707- 1778) المعاصر للملك، والذي كان يرى ان القهوة مفيدة ومنشطة للجسم اذا شربت بأعتدال. ولكن ليس قبل الخلود الى النوم. مخالفًا بذلك رأي الطبيب الفرنسي من عام 1715م، والذي كان يقول انّ القهوة تضر وتقصر العمر (7).
6- ربما تكون قصة قديمة غريبة تم اختراعها في اطار الإتهامات المتبادلة بين عشاق القهوة ومروجي السمعة السيئة عنها، وتم الصاق اسم الملك لإضفاء مصداقية اكبر على الموضوع (8).
7- ليس من المستبعد ان تكون التجربة حدثت لشيء آخر لا يتعلق بالقهوة (كون القهوة يومها موضة وسلعة مترفة ينعم بها اصحاب الدخول العالية والبرجوازيون). ولن تهدر بهذا القدر الكبير على سجين. ولعلها حدثت مع شخص آخر ليس الملك غوستاف الثالث. كأن يكون طبيب السجن او باحث مهتم بالعلوم الطبيعية. ويتبنى مثل هذا الطرح العالم المعاصر الإثنولوجي (9) “كنوت إريك أف كلينتبرج” مستبعدًا ان تكون القصة حقيقية. وتكهّن انها مستحدثة من أصل متأخر، وليست أبعد من ثلاثينيات القرن الماضي (10). أي سنوات نشر دالغرين للقصة. إذ من المستبعد لأيّ ملاحظات لعلماء الطبيعة السويدية جرت على الأرض السويدية في القرن الثامن عشر ان ينتهي بها المطاف الى الولايات المتحدة الأمريكية؟ (11).
كل الأعتراضات المتقدمة واردة. وهي تنضوي في إطار الإستنتاجات والتكهنات والرؤى التي ينقصها الإستناد الى دلائل يُستأنس بها. بما فيها رأي العالم المعاصر كنوت كلينتبرج، حيث يصطدم تعليله بعدم وجود مايدعم فكرة وجود طبيب متمركز أو باحث مقيم في السجن في العادة في ذلك الوقت لمراقبة التوأم؟. ويبقى الإحتمال قائم انها تجربة ملكية توافر لها شروط النجاح من توفير كميات وافية من البن والشاي. كما تم رصد الأطباء اصحاب التخصص لضمان المتابعة وانضاج التجربة.
مرجحات صحة التجربة الملكية:
أ- أنّ إعادة بعث الباحث السويدي (دالغرين) لمعلومة تاريخية من القرن الثامن عشر، ونشرها وسط الواقع المعاصر في ثلاثينيات القرن العشرين، لا ينفي حدوثها التاريخي، ولا يعني انها معلومة مستحدثة. إذ انه بحث واطلع عليها -على حد قوله- في سجلات تاريخية.
ب- لا يمكن الجزم ان (دالغرين) توهم أو أخطأ في نسبة التجربة الى الملك. فهو عالم باحث واسع المعرفة. أولى دراسة النباتات جل اهتماماته المهنية. فحين يكتب عن القهوة فهو يعرف عن اي شيء يكتب ولن يغامر بسمعته العلمية ليلفق قصة اسطورية خيالية عن تجربة (تاريخية) لا وجود لها. أمّا من نسب الية التوهم او الخطأ فهو محجوج وفق القاعدة التي تقول: (انّ من عَلِمَ حجة على من لم يَعلَم) وكون دالغرين غير متهم في علمه فذلك يرجح صدق اطلاعه.
ج- احتج البعض ان إريك دالغرين أصدر في العام التالي كتيبًا علميًا مدعّما بالصور يصف الكثير مما يتعلق بالقهوة. اصلها وانواعها وتاريخها وانتاجها والتجارة بها وثقافات البلدان في إحتسائها… الخ. ولم يذكر شيئًا عن تجربة الملك غوستاف الثالث مع انها على درجة عالية من الأهمية، وكان من الممكن اضافتها الى الكتاب (12). ولكن يمكن الرد: أنّه ليس بالضرورة أن يأتِ على ذكر لها في الكتاب. وعدم ذكرها لا ينفي ولا يتعارض مع ذكرها في مواضع ومناسبات أخرى خارج الكتاب.
د- يميل البعض الى انها ليست اكثر من مجرد اسطورة من نسج الخيال، طبقًا للوازع الأخلاقي. كون التجربة امتهان لكرامة الإنسان. حين يستخدم التوأم حقل تجارب. شأنهما في هذا شأن التجارب التي تقام على خنازير غينيا. ويلاحظ هنا ان هؤلاء يقيسون قيم ومعطيات العصر الراهن على ظروف وقيم ومعطيات العصور الماضية وهذا لا يستقيم.
فالإستدلال بالوازع الأخلاقي (على أهميته) مرجوح، كون خيار التوأم هو الأمثل في مثل ظرفهما. ثُمَّ انهما لم يكونا أول من يجرب ارتشاف القهوة طُرّاً، لتثار مخاوفهما. وانما كان هنالك قطاع واسع من المجتمع خارج أسوار السجن يستمتع بمذاقها. ولا بد انهما – وربما كل السجناء- كانوا يحلمون بالتمتع بكوب دافئ منها في تلك الزنازين الرطبة. وحتى على فرض انهما لم يدخلا في التجربة عن قناعة نفسية كاملة، فإنه الى اليوم وعلى الدوام، هنالك مغامر او متطوع أو رائد يخاطر بحياته من أجل قضية علمية او مصلحة عامة. أو لإنقاذ محتاج وقع في مأزق مميت. وتجد مصداق ذلك في كل مناحي الحياة: في مجال اختراق الآفاق والفضاء، واستكشاف القطب المتجمد، وإرتقاء الجبال الشُم المستعصية، والغوص في اعماق البحار الرهيبة، واكتشافات المجاهل والأدغال، وزراعة القلب والأعضاء والعمليات الجراحية في جسم الإنسان، والتجارب العلمية على الغذاء والدواء، والتطعيمات المبتكرة الحديثة، والكثير الكثير في عالمنا المُشاهَد… ولن تعدم البشرية من وجود رائد من يتقدم بنفسه بكل نبل وفروسية، فداء الآخرين والعلم والإنسانية.
القهوة والفكر التحرري:
هـ- الشيء المهم الآخر الذي يدعم مصداقية الحدث. أنّ القيادات السياسية المهزوزة، أو غير الشرعية، أو تلك التي لديها مخاوف من اضطرابات شعبية وتغييرات محتملة قد تهز عرشها. غالبًا ما تلجأ الى طمس واخماد البؤر الإحتمالية، للتجمعات الثورية والتنظيمية، التي يمكن ان تثير قلق السلطة. ومعلوم أنّ المقاهي اصبحت في العديد من المدن الأوربية، تشهد إقبالاً وتشكل مُلتقىً متقدمًا للتجمعات الطلابية، وللنخب المثقفة، والبرجوازية، ولأصحاب الفكر التحرري. وتضج تلك المقاهي بالسجالات الفكرية، والمناقشات السياسية، والأفكار التنويرية، والدعوات الإصلاحية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية. وبالتالي ساهمت هذه التفاعلات الفكرية والتجمعية تحت مظلة المقاهي، واجواء شرب القهوة. في تطوير العقلية الجماهيرية في عموم أوربا (13). والذهاب بها الى تأسيس التجمعات التنظيمية الحزبية ، والجمعيات العلمية، والإعلامية. وغيرها من امور تقلق وتقض مضجع السلطة السياسية المستبدة (14).
و- السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ترى هل كان الملك غوستاف الثالث متجهًا نحو الإستبداد، وقلقًا من احتمالية ان تكون تجمعات احتساء القهوة ميدانًا للنشاط السياسي والفكر التحرري، ويخشى أن تؤدي تلك التجمعات إلى التخطيط للقيام بانقلاب عليه والإطاحة بحكمه؟، فأراد بتجربته هذه تخويف الناس من آثار القهوة الصحية لإثنائهم عن الولوج في منعطف التجمعات بطريقة مبتكرة ذكية؟.
الإستدلال هنا راجح. وقلق الملك في محله. أذ أن هناك من كان يترصد له من الأحزاب المعارضة الناقمة على اسلوب حكمه. فقد رأوا أنه كان يسعى للإستحواذ على مزيد من السلطة بإصدار مراسيم ملكية وتشريعات برلمانية تتيح له حكم البلاد بنفسه. وهذا يعتبر ايذانًا بإنتهاء عصر الحرية والولوج الى مرحلة الحكم الشمولي. مما أدى الى اغتياله باطلاق النار عليه خلال حفلة تنكرية سنة 1792 (15).
ز- في زمن لم يكن الناس قد توصلوا إلى قناعة بآثار القهوة الصحية، سلبًا أو إيجابًا؟. من الواضح ان التجربة فشلت في اثبات الضرر المتوقع من شرب القهوة. وبالمقابل القت التجربة بعض الضوء الإيجابي، على إنها غير ضارة بالجسم. ورغم ذلك (على المستوى الجماهيري) فشلت في ازالة السمعة السيئة التي إلتصقت بالقهوة. ومازال موضوع ضرر القهوة الى اليوم، مدار حديث وجدل داخل الأوساط العلمية والشعبية. ورغم أنه قد نوقشت في العقود الأخيرة، القيم الطبية والخصائص العلاجية والآثار السامّة المحتملة للقهوة، من قِبَلِ وكالات أبحاث السرطان ومنظمات الصحة. وتم نشر تقارير أكثر إيجابية عن شرب القهوة. ولكن مازال هنالك من العلماء من يتبنى التحذير من القهوة والإفراط فيها، وانها مخدر خطير. كما ويبدو أنه لم يتم التوافق علميًا بشكل نهائي على تحديد الكمية المناسبة للإستهلاك اليومي. والطريف في الأمر ان استهلاك القهوة لم يكن مرحبًا به غالبًا من قبل العديد من الأطباء لقناعتهم بوجود آثار سلبية. ومع ذلك، نجد أنه حتى هؤلاء الأطباء الذين ينهون عنها، يشربونها بشكل عام كمنشط، ومذاق محبب للنفوس.
ح- لقد جاءت التجربة بلا نتائج يتفاعل معها الجمهور. فالطبيبان المشرفان قد ماتا، والملك قد اغتيل ولم يكن هنالك من يتابع او يسجل. كما لم يبق لهذه التجربة أي نتائج واقعية في الزمن اللاحق أكثر من كونها قصة مغمورة في صفحات التاريخ الزاخر بالغرائب. لذا من المنطقي والمعقول، اعتبار ما أظهره ” الباحث السويدي دالغرين” عن التجربة، بمثابة مستند وثائقي. كونه قام بعمل بحثي استدعى بموجبه القصة من ركام التاريخ الغابر. لتتداولها الألسن والأقلام مجددًا، بعد ان طوتها صفحات الزمن حين من الدهر.
ط- تُعدُّ هذه الخطوة، دراسة علمية كبيرة، وتجربة بشرية سريرية، تستحق الإهتمام. كما انها جاءت مزدوجة على القهوة والشاي معًا.
ي- مهما يكن من شيء، فاليوم ينبغي العرفان للملك غوستاف الثالث، بما قدمه للتاريخ الطبي السويدي. فقد كان القائد والرائد لتجربة سريرية طبية بشأن سلامة القهوة. ولعلها تشكل إشادة مبكرة بصفحة من تاريخ الطب السريري السويدي. ففكرة التجربة بحد ذاتها معقولة وتستحق التقدير، وقد يتم التماهي عن جانب ضيق من الأخلاق، بمقابل كونها الخيار الانسب حسب الحال والظرف الزماني الذي حدثت فيه، لإيجاد حل لمشكلة علمية حول مضار القهوة، والتي يفترض انها كانت تؤرق السلطة السياسية المسؤولة عن حماية صحة المواطنين. بعد ان أولع بشرب القهوة قطاع كبير من المجتمع.
في الوقت الراهن، أصبحت القهوة من المشروبات الأكثر إقبالًا من الشعب السويدي. وغدا احتساء كوب من القهوة بالنسبة له نمط حياة، وعادة راسخة، وتقليد اجتماعي، واستراحة يومية لا غنى عنها. ولأجل ذلك تعد السويد اليوم من بين أكثر الدول استهلاكاً للقهوة.

المراجع والهوامش:
(1) غوستاف الثالث (Gustav III) ((1746-1792) ملك السويد في الفترة من 1771 حتى وفاته.
(2) موقع جامعة اوبسالا في السويد: http://www2.linnaeus.uu.se/online/lakemedel/kaffete.html
(3) التجارب السريرية هي دراسات تهتم بتقييم التدخلات العلاجية أو الدوائية أو الجراحية أو الغذائية، وذلك عن طريق تقسيم المرضى أو الأشخاص الذين ستجرى عليهم التجربة إلى مجموعتين بشكل عشوائي، حيث يطلق على المجموعة الأولى : «مجموعة التجربة» والأخرى تكون «مجموعة المراقبة».
(4) الباحث السويدي المولدBror Eric Dahlgren برور ايريك دالغرين(1877/1879-1961) كبير علماء النبات في متحف Field Museum of natural history in Chicago وهو متحف كبير للتاريخ الطبيعي. تقاعد دالغرين عن العمل في عام 1947. لاتتوفر المعرفة التفصيلية عن حياته وارتباطه بالسويد. فيما إذا كانت له زيارة؟، كونه قد هاجر الى أمريكا من السويد في عمر المراهقة.
(5) http://faktoider.blogspot.com/2018/04/gustav-iiis-tvillingexperiment.html
(6) خنازير غينيا ليست خنازير حقيقية. بل هي قوارض، أو فئران وتسمى بالسويديه: (مارشفين marsvin) وقد استخدم العلماء هذه الحيوانات في التجارب العلمية فيما يتعلق بأبحاث السلوك والوراثة والعقاقير… وتتميز هذه القوارض بقَصر مدة الحمل، وبتكاثرها لغاية خمس مرات في السنة الواحدة.
(7) موقع جامعة اوبسالا. وكارل فون ليني، (1707- 1778)، عالم نباتات سويدي وجيولوجي وطبيب بيطري. وضع الأساس للتسميات الحديثة في علم الأحياء والأنظمة الحديثة، لمجموعات النباتات، والحيوانات.
(8) https://www.biodiversitylibrary.org/item/25094#page/5/mode/1up
(9) الإثنولوجيا: علم الأجناس البشرية، ويبحث في أصول الشعوب المختلفة، وخصائصها العرقية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحركة نزوح الشعوب ولغاتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها وأنماطها المعيشية، وان الإنسان كائن ثقافي.
(10) http://faktoider.blogspot.com/2018/04/gustav-iiis-tvillingexperiment.html
(12) https://forum.skalman.nu/viewtopic.php?t=34843 (10) كتاب: (قهوة) لبرور ايريك دالغرين صدر عن متحف التاريخ الطبيعي في شيكاغو (1938).
(13) الثورة الأكثر شهرة خلال هذه الفترة في أوربا، هي الثورة الفرنسية التي حدثت سنة 1789م.
(14) https://popularhistoria.se/vardagsliv/mat-dryck/sa-blev-kaffet-sveriges-nationaldryck
(15) كتاب معلومات عن السويد: إعداد عدد من المجالس البلدية السويدية، ص 22.

الرابط والصفحة https://kitabat.com/author/khaladabdelmagid-com/