لايخفى على أحد ما لنزاهة الانتخابات من فائدة تعود بالمنفعة على البلد والمواطن على حد سواء، إذ بالنزاهة يبدأ المرشح معرفة قدراته وكفاءته لابحساباته هو، بل بحسابات الآخرين من الذين يؤطرون اسمه بثقتهم به، وإيمانهم بمصداقية غايته وسلامة نيته فيما ينتظره من مشاريع وخطط، بعضها يأتي بها بنفسه، وبعضها يستجد مع مستجدات وتطورات البلد وفق مجريات الأحداث.
في المرحلة الحالية التي تسبق التوجه الى صناديق الاقتراع، يكون المواطن هو بطل الساحة، وعلى عاتقه تقع المسؤولية الكبرى لنتائج مابعد الاقتراع، سواءٌ أسلبية كانت أم إيجابية!. وهذا مانراه جليا في اهتمام المرشحين بطرق تعريف شخصهم للناخب، والترويج عن ماضيهم بما يعكس عنه صورة طوبائية، وكذلك الإدلاء بما ينوون عمله في المستقبل على نحو يبهر الناظر والسامع والقارئ والمتطلع على حد سواء، وقطعا يكون الطرح بأسلوب يضفي عليهم النقاء والطهر والعفة من كل مايدنس شرف المهنة، كما يحرصون على إسباغ ثوب الموفين بالنذر على أنفسهم، ويتجنبون عكس صورة الناكثين بالعهد قدر مايستطيعون، بالكلام المعسول والبرامج الواعدة بنهوض البلد، والاندماج مع المواطن في معاناته ومشاكله السابقة والحالية وحتى المستقبلية. ولايفوتهم قطعا طرح الحلول لما استعصى حله من مشاكل على من سبقهم، كما يستقرئون المستقبل ويتعهدون بوضع الحلول الاستباقية، لما قد يطفو من مشاكل على السطح هنا أو هناك. وبذا يضمنون ربط مستقبل المواطن بمستقبلهم، بعد ان يرى فيهم المنقذ والمسعف، مما يمر به في واقعه المرير، فيذهب طوعا ليضع علامة صح أمام أسمائهم، ويملأ فراغا في ورقة الاقتراع، مصحوبة بدعواته وامنياته بأن يأتي هذا الفائز غدا ليملأ فراغات وشواغر، باتت علامة مميزة في مؤسسات الدولة ومفاصلها.
وبعودة الى بطل الساحة لما قبل العملية الانتخابية، أرى أن أكثر ما يمر به المواطن قبيل الانتخابات هو التأثيرات الجانبية التي تحتك به من كل جانب. ففي المنطقة الانتخابية الواحدة، أرى أناسا عديدين يسترشدون الجار والصديق، ويكثفون البحث عن أوليات مرشح تتجه صوبه أصابع أبناء المنطقة الواحدة، وتختلف الآراء فيه وتتشعب الاعتقادات والظنون، فيما سيكون عليه هذا المرشح مابعد الانتخابات، حتى بات السؤال الأهم في موضوع اختيار المرشح، والذي يشترك فيه أبناء المنطقة الانتخابية هو: هل يبقى هذه المرشح كما هو بعد فوزه بترشيحنا له؟ وما نسبة صدقه معنا فيما يعدنا به اليوم؟ والى آخره من الأسئلة التي تنم عن قلق مازالت هواجسه تؤرق الناخب، وهي طبعا وليدة التجارب الانتخابية السابقة، التي يخشى المواطن تكرار السلبيات التي رافقتها والتي تلتها.
من كل هذا أقول ان بطل الساحة اليوم هو الناخب نفسه، وعليه يعتمد مصير البلاد ومصائر ملايين العباد، ولتحقيق النتيجة التي تخدمه في قادم الأيام، عليه انتقاء الـ (غربيل) المناسب لـ (غربلة) المرشح الذي يقع اختياره عليه، ويضع بحسبانه الأسس التي على ضوئها تكون الـ (غربلة) فكثير من المرشحين لم يقدموا على ترشيح أنفسهم إلا لغايات ومطامع دنيوية، تنأى عن شرف المهنة، وبعيدة كل البعد عن الوطنية، كما أن خدمة المواطن ليس لها وجود في قاموس نهجهم -إن كان هناك نهج أتوا به- وعلى الناخب -وهو سيد الموقف- ان يكون لهم بالمرصاد، وإلا سيؤول به الحال بعد حين الى بئس مآل، ويصبح كما يقول مثلنا الدارج: (مثل بلاع الموس) ولن ينفع عض أصابع الندم، ولات حين تقريع النفس وجلد الذات، إذ بعد اعتلاء المرشح كرسيه وتسنمه منصبه، يكون الفاس قد وقع على أم رأس الناخب، وسيجني حينذاك شر بذره بسوء اختياره.