18 ديسمبر، 2024 6:42 م

إحكيلي عن بلدي إحكيلي

إحكيلي عن بلدي إحكيلي

فيروز تغني بصوت مكسور حزين: أحكيلي عن بلدي احكيلي … ماذا أحكِ لكِ يا فيروز؟ ومن أين أبدأ ؟ بلدي تتزاحم فيه كل انواع المفاسد والمنكرات, وتقتل فيه البراءة والطفولة, وتغتال فيه احلامنا وتطلعاتنا ويكبر فيه خوفنا من كل شئ وأي شئ.
ماذا أقول لك عن بلدي يا فيروز؟ فمنذ أول سنوات عمرنا المسروق في غفلة من الزمن فجعتنا الأيام بمن نحب, تتوسل فيروز إحكيلي عن جار الطفولة… سأحكِ لكِ عن جار الطفولة, أحمد إبن السبع سنوات, الذي سقط أمام عينيّ بعد نوبة ضحك بريئة لآن قلبه المتعب لم يمهله طويلا وتوقعنا أنه سيعود إلينا مجددا مثل كل مرة يدخل فيها المستشفى, لكن أتى الخبر الفاجعة أنه لن يعود, مات أحمد صاحبي الوحيد مبكرا, مات صاحب الوجه الملائكي و العينان الزرقاوان الصافيتان ومعه ماتت كل أحلام الطفولة والبراءة, ومنذ تلك اللحظة صرت أرى الموت بكل لحظة لآنني رأيته في عينيه وهو يودعنا للمرة الاخيرة, ولم أصادق أحدا بعده خوفا من أن يلاقي نفس مصيره وحتى أتجنب رؤية الموت في عيني أحد مجددا.
أأحكِ لكِ عن أطفال يُباعون في السوق وفي مفترق الطرقات, بسبب فقر ذويهم وغياب معيلهم الذي أمّا مات شهيدا دفاعا عن تراب الوطن ,أو مات لآي سبب تافه في بلد الموت فيه بالمجان, أم أحكِ لكِ عن من باع كليتّه حتى يتكمن من فتح بسطة سكائر يعيش من ارباحها ويطلع مصروف بيته ويصون شرف أخواته وحتى لا يستجدِ مِن أحدِ لآن كرامته أغلى من كليتّهِ ومن كل أحشاءه. أحكِ لكِ عن من باع البلد وأهل البلد وباع والد وما ولد, ولم يترك لنا سوى ديون متراكمة سيتم سدادها من رواتب المتقاعدين وأهل الرعاية الاجتماعية المساكين الى صندوق النقد الدولي!!. أحكِ لكِ عن طوابير المعدّمين والعاطلين و ألأرامل والأمهات الثكالى والمطلقات المتدافعات لآجل الحصول على كيس خبز أو كارتون معلبات في الغالب يكون منتهي الصلاحية ؟.. أحكِ لكِ عن بلاء عظيم اسمه الاحتلال وما ادراك ما الاحتلال وجنود الاحتلال وعملاءه؟ أولئك الذين دمروا وقتلوا وعاثوا في الارض الفساد, وصاروا يبحثون عن كل ما يثير الفتن والنعرات ويقّسم البلد, وفي أوقات فراغهم كانوا يجربون أسلحتهم برؤوسنا وبدل أن يحققوا لنا ما وعدونا به وجاؤوا من أجله فأنهم قتلوا شقيقتي التي كانت تقف بباب بيتها ,فأرداها قتيلة في الحال ثم يأتي اليك من يسبح بأسم المحتلين ويطوف حول سفارتهم ويحول قبلتهُ من مكة الى عاصمتهم !!. أحكِ لكِ عن من أتى مع المحتل من أبناء جلدتنا الذين تلاعبوا بأفكار سذجنا, ومثِلوا علينا دور المخلِص وصدعوا رؤوسنا بأطنان الكلام والاوهام فمنهم من أدعى السياسة وركب موجتها ومنهم من أفتى بقتلنا بفتوى من الفيس بوك دون أن يتأكد من مصداقيتها وبدل أن يقتل المحتل قتل شقيقي الذي يحمل في قلبه طيبة لو وزعت لكل مخلوقات الكون لكفتّهم وزادت, ذاك الذي تعشق عطره طرقات المدينة وأزقتها, وتحفظ العصافير صوته وتقلده, قتلوه وهو الساخر من قباحتهم وأفعالهم وأشكالهم, قتلوا الضمير الحاضر الذي أصرّ على أن لا يكون غائبا وقت المخاطر والازمات. أحكِ لكِ يا فيروز عن ساعات الفرح المعدومة في بلدي وعن مدننا المنكوبة واهلها المبعثرون والمنسيون , عن سمائنا الحزينة وزهورنا الذابلة وبيوتنا المهدمة التي لم يتبق منها سوى ذكريات الطفولة ؟؟.
نحن لم يتبق لنا سوى الله واللصوص وبقايا كرامة ومداد القلم وكثير من ألآلم وألاحزان !! .