قبل أكثر من 60 عام ، توقّع الكاتب الأنكليزي الشهير (جورج أورويل) في كتابه (1984) ، أن (السلطة) ستمتلك مصادر أستخبارية بغاية التقدم بحيث تتجسس على رعاياها الى درجة أحصاء انفاسهم ، فنتيجة التطور التكنولوجي المتاح للجميع ، ستتطور أساليب الجرائم تبعا لذلك ، وستجد (السلطة) مبررا لأستخدام وسائل أكثر تطرفا وتقدما ، وستستخدم الدعاية المستمرة لأضفاء (هالة) من القدسية على ذلك المبرر ، ترقى الى درجة الواجب ، وسيكون على المواطن العادي التضحية بخصوصيته .
وبدأنا نشهد بوادر هذه الظاهرة ، وأن كنا متأخرين عن العام 1984 ، فقد تداولت وسائل الأعلام (فضائح) عن تنصت الحكومات على الهواتف النقالة ، وما عُدّ فضيحة هذه الأيام ، سيكون أمرا واقعا وربما مقدّسا في المستقبل تحت شتى الذرائع ، ليس أولها (محاربة الأرهاب ) ولا أخرها (مكافحة الجريمة) قبل وقوعها ، ثم لا تلبث الأصوات المعارضة أن تذوي ويطويها النسيان ، وربما ستـُدان ، وتدرج تحت طاولة (الأرهاب) ! .
أن تنصت شركة (غوغل) العملاقة ، كمحرّك بحث ، ليس بسر ، فقد أعلنت انها (تدرس) توجّهات مستخدميها ، لغرض أصدار الدعايات والأعلانات التجارية الملائمة للمستخدم لتحقيق الربح من خلال الترويج لكونه موقع مجّاني ، وبدأنا نسمع عن تعاون أستخباري بين هذه الشركة والحكومات ولا سيما الحكومة الأمريكية ، فهكذا تبدأ اللعبة .
نـُصّبتْ ملايين الكاميرات ، في أنحاء العالم لغرض بريء ، هو مراقبة حركة المرور ، ورصد المخالفات ، وبدأت الحاجة الى رصد وجوه السائقين ، فضلا عن لوحات التسجيل الخاصة بالمركبة ، وتقوم مواقع الرصد الألكترونية بأدراج ملف عن كل مَنْ يستخدم الطريق وحقول هذه الملفّات لكل مواطن في توسّع دائم ، ثم توسعت دائرة الأستخبارات الفديوية لتشمل المحال التجارية والأسواق ، وأنفاق المترو ، بحيث بينت أحدى الدراسات ، أن المواطن البريطاني يُصوّر عشرات المرات يوميا دون علمه .
أن الأرهاب هو الداعي الأول لهذا التوجّه المحموم ، والذي يبدو أختياريا ، بمعنى أوضح أداة (طيّعة) معوّل عليها من قبل اللاعبين الكبار لتبرير أرهاب ثانوي ، هو أرهاب الدولة بدعوى حمايتها ، الذي لن يبدو أنه سينتهي عند حد معين ، الأرهاب ، ذلك (الأختراع) الجهنمي الذي يجعل من كل شيء فضفاضا وقابل للتبرير مهما كانت وحشيته ، عندها سيتراجع النظام القضائي ، كونه لا يحتاج الى أدلة وشهود أثبات أو نفي ، مقابل سيد الأدلة وهو (الفديو كليب) ، وكنتيجة ستنتكس حقوق الأنسان ، وربما يأتي يوم ، سيكون نصب الكاميرات أمرا أجباريا حتى في غرف النوم ، فالمبررات موجودة ، منها القضاء على الجريمة قبل وقوعها ، بل بدراسة النوايا ، أي أن تكون (النيّة) وحدها ، دليلا لرمي صاحبها في المسائلة والتهلكة ، كما شاهدناه في فيلم الخيال (تقرير الأقليّة Minority Report) ، ويصبح كل مواطن في نظر السلطة مشتبه به الى أن يُدان ، لا الى أن تُثبت برائته ، وسيتحول النظام العالمي الى نظام قمعي دكتاتوري ، تحكمة شرطة سرّية هي الألات ، وستكون عندها بداية أنهيار الحضارة الأنسانية .