بغض النظر عن بعض الاستثناءات البسيطة ، فان الشعور الذي يسود القيادات الجامعية وأعضاء الهيئات التدريسية والتدريبية فيها ومن يعمل معهم في الجامعات ، فان تخرج طلبة الصفوف المنتهية وحفلاتهم هي بمثابة عرسا لأبنائهم وإخوانهم ، فما أجمل أن تقطف ثمار الجهود في الدراسة في الكليات والمعاهد لتنتهي إلى التخرج الذي يعبر عن نجاح المؤسسة الجامعية ومن يعمل فيها قبل كل شيء ، وقد تعودت الجامعات أن تشهد احتفالات التخرج في كل عام دراسي ، ورغم إن احتفالات التخرج كانت تتم بعد التخرج فعلا ، إلا إن ما يجري حاليا هو تنظيم احتفالين بالتخرج احدهما غير رسمي من قبل الطلبة أنفسهم والثاني رسمي وتتبناه الجامعات بعد إعلان نتائج الامتحانات ، والفرق بين الاحتفالين ، إن الأول يتم باتفاق الطلبة بمبادرات فردية لذا فان الفعاليات والممارسات تتباين في هذه الاحتفالات ، ففي الوقت الذي قرر فيه بعض الطلبة تعليق مثل هذه الاحتفالات وتحويل نفقاتها المفترضة إلى أعمال خيرية أو وطنية مثل رعاية الأيتام والأرامل والنازحين وعوائل الشهداء ومرضى الأمراض المستعصية ، فان البعض الآخر راح يحولها إلى حفلات صخب وتتم ممارستها دون انضباط إذ يتم تعطيل الدوام لأيام عديدة حيث هناك أيام للتصوير وأخرى للحنة وأخرى للزفة و تتخللها الحفلات التنكرية التي تصل أحيانا إلى حد الابتذال ، حيث يتنكر البعض بهيئة قراصنة أو منبوذين أو حيوانات أجلكم الله كما تقام حفلات داخل المؤسسة الجامعية وأخرى في النوادي والقاعات الاجتماعية ، وخلال ذلك ترفع معالم الزينة واللافتات والإشارات المقبولة و ( البذيئة ) لتعطي تسميات لدورة التخرج للأقسام والفروع كما يقوم الطلبة بتزيين سياراتهم وكأنها زفات أعراس ولكن بإشارات ساخرة أو غيرها من العلامات ، وحسب ما ذكرته بعض العوائل البغدادية فان تكلفة الطالب الواحد في تلك الحفلات تصل لأكثر من 250 ألف دينار بضمنها خياطة الروب الجامعي ولبس الثوب التنكري والإسهام في تكلفة الحفلات داخل المعاهد والكليات ، ناهيك عن حفلات النوادي التي يصل ثمن التذكرة الواحدة إلى 50 ألف دينار لكل شخص وضعف هذا المبلغ للضيوف ، ونفقات اللافتات والزينة والتبرج وغيرها من المصاريف المبالغ بها والتي لا تراعي ظروف الطلبة الفقراء الذين لم يستلموا منحة ال100 ألف دينار شهريا بسبب التقشف الحكومي .
إن ما يثير الانتقاد لحفلات التخرج التي تتم في النصف الثاني من العام الدراسي هو إنها تقوم على افتراض غير واقعي وهو إن جميع الطلبة سوف يتخرجون ، والواقع الدراسي لا يطابق هذا الوهم لان هناك طلبة قد يتخرجون من الدور الأول والبعض في الدور الثاني والباقين قد لا يتخرجون بسبب الرسوب أو التحميل أو التأجيل أو غيرها من الظروف ، وهو ما يعرض بعض الطلبة إلى احراجات فالطالب قد لا يشارك بهذه الحفلات على أساس انه لا يضمن التخرج ولكنه يتخرج فعلا والبعض الآخر يشارك فيها ولكنه يرسب فعلا مما يجعله متخرج بالصور وفي السنة التالية لا يشارك بالصور ولكنه متخرج بالفعل ، كما إن هناك طلبة يعزفون عن المشاركة بكل الحفلات أما لتعارضها مع حالتهم المادية أو إنها لا تطابق توجهاتهم بخصوص التعبير عن التخرج ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن بعض حفلات التخرج الحالية لا تطابق المعايير التربوية لان التخرج معناه حالة التأكد من اجتياز كل المتطلبات ومن المفترض أن يتم ذلك بعد دخول الامتحانات النهائية وإعلان النتائج الرسمية ، وهذا ما دأبت عليه الجامعات العراقية وغير العراقية حيث إن لديها مواعيد ( شبه ثابتة سنويا ) للتخرج كل عام ويجري التحضير لها بشكل منهجي ، ويلاحظ غياب العديد من الطلبة عن حفلات التخرج الرسمية فالطلبة يشعرون إنها مقيدة لحرياتهم وأنهم احتفلوا قبل التخرج والتقطوا الصور التذكارية ولم تعد هناك حاجة للاحتفال ، وقد يسأل البعض لماذا تتساهل العمادات والقيادات الجامعية بخصوص الاحتفالات غير المنضبطة التي يزداد إيقاعها عاما بعد عام والتي تحتوي العديد من التجاوزات لدرجة إن بعضها أصبحت خارج السيطرة ، وللأمانة نقول إن اغلب العاملين في الجامعات لا يمانعون الاحتفال الرمزي المنضبط والبسيط ، وبعضهم يرى إن قطف الثمار قبل موعدها ربما يعطي طعما آخرا قد يكون مضرا أو غير مستحب على الأقل ، لذا فقد تم العمل على توجيه الطلبة لترشيد احتفالاتهم وجعلها بحدود الأخلاق العامة والمستحبات ، وفي العام الدراسي الحالي تزامنت الاحتفالات مع إصدار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعليماتها بخصوص رفع القيود المفروضة على الطلبة بخصوص استخدام أجهزة الموبايل التي تحمل الكاميرات ومنح مرونة في اختيار ألوان الزي الموحد ، وفسرها البعض على إنها ردود فعل الوزارة على التظاهرات التي خرجت في جامعة المثنى وغيرها والتي طالبت بحرية أكثر مرونة للطلبة ، وبشكل أعطى رسالات خاطئة للبعض بان الإمكان ممارسة مختلف الطقوس لان الجامعات والعمادات تحت ضغط التظاهرات الطلابية التي بإمكانها إسقاط أو تسقيط من تشاء لأسباب موضوعية أو دونها ، ومع الاحترام لوجهات النظر كافة والظروف التي أتاحت باستشراء ممارسات الطلبة بخصوص حفلات التخرج خارج السياقات ، نقول لأبنائنا الطلبة إن التخرج ليس علامة لاجتياز المتطلبات الدراسية فحسب وإنما اعترافا من الجهة المانحة للشهادة بان حاملها أصبح مؤهلا لممارسة الاختصاص والتمييز بين الخطأ والصحيح ، ومحاولة البعض لتحويل الكليات إلى سيرك ومكان للفوضى أمر مرفوض ، وقد يقول البعض إنهم سيذهبون في تعداد العاطلين فدعوا الشباب يفرحون ويمرحون ، ولهم نقول إن التعيين ليس معيار الأخلاق ومن الواجب التصرف الصحيح بالوقت والظرف المناسبين ، وفي ذلك ليس لوما على أفراح التخرج التي تدخل ضمن المعايير المطلوبة والتي ستتوج بعد إعلان النتائج الرسمية والمباشرة بإقامة الحفلات الرسمية أو إنها ضد وسائل التعبير عن أفراح التخرج ضمن مفردات الذوق العام تحت المظلة الرسمية ، ونتمنى لأبنائنا الطلبة النجاح والتوفيق وعرض ما يملكون من المبادرات والإبداعات بالعمل والبناء ، ونكررها مرة وأخرى إننا نقف مع حفلات التخرج ما دامت في إطارها الصحيح وسياقاتها الهادئة والهادفة في توقيتاتها المناسبة دون إحداث أضرارا للآخرين .