بادئ ذي بدءٍ , يؤسفنا الإطالة والزيادة في عدد كلمات العنوان اعلاه , وبما يخالف شروط ومتطلبات ” العنوان ” في علم الإعلام ” .
فوجئ المتابعون للشأن السياسي العراقي يوم امس الأول , وكذلك عموم الرأي العام بتصريحٍ لنائب رئيس البرلمان السيد حسن الكعبي , يطالب فيه الحكومة السعودية في الشروع بأعادة بناء قبور أئمة البقيع ” ع ” , ومعالجة الكارثة الكبرى التي تمثّلت في هدم اضرحتهم الطاهرة.
الموضوع المثار هذا لا نجده يتضمّن رموزا مبهمةً تحتاج الى تفكيك .! , لكننا هنا نضعُ إشاراتٍ وربما بصيغةِ تساؤلاتٍ عن التوقيت الذي اختاره نائب رئيس البرلمان لإطلاق دعوته هذه او تصريحه , وتحديداً بعد فتح نافذة اقتصادية على العراق عبر السعودية إثر زيارة الوفد العراق برئاسة وزير المالية علي توفيق علاّوي الى المملكة وما يترتّب عليها ممّا عرضته الحكومة العراقية , والتوقيت هذا قد يُفَسّر كأنّه تشويش على الأجواء الجديدة بين بغداد والرياض .. ومن الملاحظ ايضاً أنّ هذه الدعوة حول قبور الأئمة ” ع ” لمْ تأتِ ولمْ تنطلق من ايّة جهةٍ دينيةٍ او احزاب اسلاميةٍ في البلاد , فهل من ربطٍ جدليٍ بين مهام البرلمان والقبور المذكورة .؟ , وألا يمكن احتساب دعوة السيد الكعبي على الحكومة العراقية ورئيسها سيّما في هذا الظرف الحسّاس .
ثُمَّ , وبقدر ماهنالك اعتباراتٌ معتبرة لفقهاء المذاهب الأسلامية ورؤاهم في الجوانب الدينية والتأريخية , لكنّ مسألة قبور أئمة البقيع تحديداً قد غدت مسألةً سياسية تخصّ السعودية بالدرجة الأولى ” وفق الواقع السياسي السائد ” , وسبق اثارة هذا الموضوع من الجانب الأيراني في ثمانينيات القرن الماضي اثناء الحرب العراقية – الإيرانية , ورفضته المملكة بالكامل في حينها , ولم يتكرر الموضوع حتى عبر كلّ الحكومات العراقية التي اعقبت الأحتلال , ولا ندري لماذا لم يبادر السيد الكعبي الى السفر الى الرياض وبحث المسألة مع المسؤولين السعوديين , بدلاً من إثارتها في الإعلام والتأثير غير المباشر على توجّه ونهج رئيس الوزراء في معالجة الأزمة المالية – الأقتصادية بأيٍ من السبل !
والى ذلك , فلا شكّ أنّ اصحاب المذاهب الإسلامية يمتلكون الحرية المطلقة في نشر وطباعة فكرهم وايديولوجيتهم الدينية او الفقهية داخل دولهم , لكنه بالطبع ووفق القانون الدولي ومفهوم العلاقات الدولية فلا يمكن فرض هذه الأفكار والأعراف الدينية على دولٍ اخرى , وهذا ما هو جارٍ وسائد برغم اختلاف الرؤى الدينية والمذهبية بين دولةٍ واخرى . وبالنسبةِ الى السعودية فأنها ” وكما معروف ” تمتلك رؤية مغايرة للفقه الجعفري وربما سواه وخصوصاً بالنسبةِ الى القبور بصورةٍ عامة , حيث يحرّمون بناء قبورٍ مرتفعة عن الأرض اكثر من بضعة سنتمرات ومن التراب فقط , وقد شاهد كلّ مَنْ أدّوا مراسم الحج والعمرة قبرَ عمّ النبي ” ص ” الحمزة بن عبد المطلب , وببساطته التي يغطيها الطين او التراب فوق سطح الأرض مباشرةً , وكما اشرنا فلكلّ دولةٍ تقاليدها وطقوسها وعاداتها , وكما معروفٌ كذلك فقد فشلت حركة الأخوان المسلمين ” التي نشأت في مصر ” فشلاً ذريعاً في نشر افكارها خارج الحدود وتحوّلت الى حركة ارهابية منبوذة وما برحت تستغلها جهات خارجية .
وبالنسبةِ الى تصريح نائب رئيس البرلمان السيد الكعبي , فقد دعا ايضاً المجتمع الدولي والمنظمات ذات العلاقة والدول العربية والأسلامية بأستنهاض وشحذ الهمم ” حسب تعبيره ” للضغط على السعودية في اعادة بناء قبور أئمة البقيع , ويصعب هنا في الإعلام وفي العلوم السياسية كيف للمجتمع الدولي أن ” يشحذ الهمم ! ” للضغط على السعودية بهذا الشأن .؟ بينما لم تتمكن الدول الكبرى والمنظمات الدولية من توجيه ايّ عقوبةٍ الى المملكة في اثبات دورها في مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول – تركيا .!
نستديرُ هنا قليلاً لندخل الى احدى زوايا التأريخ ع السريع ! , ونشير الى أنّ هدم مقبرة البقيع اوّل مرّة قد جرى في عام 1806 وبعد اعادة الإعمار تمّ تهديمها مرّةً اخرى في سنة 1925 \ 1926 .
ينبغي ويتوجّب الإلتفات الى أنّ ما طرحناه عبر السطور اعلاه لا يتعلّق بأيٍ من الأشكال بالجوانب الدينية والمذهبية او التأريخية , وخصوصاً في افتراض او تصوّر بأنه دفاعاً ما عن السعودية , فلم ينافسنا أحدٌ في توجيه نبال النقد الحادة ضد هذه الدولة التي جيّشت الجيوش والوحوش في الحرب على العراق في عام 1991 من اراضيها , وفتحت قواعدها الجوية للمقاتلات والقاذفات الأمريكية لتدمير العراق في حرب عام 2003 , لكننا انطلقنا هنا من المصلحة الأقتصادية المجردة للعراق , والإستفادة من التعاون الأقليمي والدولي في مساعدة العراق مالياً واقتصادياً .
وعلى الأعمّ الأغلب فنرى أنّ المسؤولين السعوديين سوف يتجاهلون دعوة نائب رئيس البرلمان العراقي وكأنها لم تكن , ويبدو أنّ حكومة الكاظمي سوف تتغافل عمّا صدر من الكعبي , ولعلّ الأهم اننا في ظرفٍ كورونيٍ لا يمزح .!