26 نوفمبر، 2024 5:09 م
Search
Close this search box.

إتــلاف الـتـالــف

إتلاف التالف .. والتحديث والتجديد هي سنة الحياة .. فللأحياء أعمار ، ولغير الأحياء كذلك .. وإن الزمن يترك أثره عادة على كل شيء .. فعمران البلاد سنة التغيير والتجديد .. وهكذا الأمر بالنسبة للمدن ، وعمران الإنسان بمقدار ما يتعلم ويكتسب من خبرات . فإنسان القرن الواحد والعشرين هو غيره الذي عاش في العصور الحجرية الأولى .. ومجتمع الكالاكسي والآي فون .. هو غير مجتمع (الفالة والمكوار) .. وسنة أخرى في الحياة ألا وهي البقاء للأصلح .. وهذا المبدأ , أو هذه الفرضية ، التي تنصب نفسها على كل ما هو متداول ، إنما تؤذن بإتلاف التالف .. والتالف هو المتهرئ والمستهلك والمنتهي الصلاحية .. ولا نريد أن نذهب إلى مسالك الغذاء والدواء , والأثاث والأجهزة , وما لبس الإنسان , وما لم يلبس , وكل ما كتب عليه زمن الصلاحية .. فتلك مذاهب أخرى .. بل أن جل اهتمامي , وغاية مقالي , ومنظور قصدي ، هو العملات العراقية الورقية التي بدأ عليها القدم واضحاً .. والاستهلاك شاخصاً , والتصدأ والتمزق صفة .. وأقصد هنا العملات الصغيرة منها خاصة فئة “الألف والخمسمائة والمئتين والخمسين” دينار .. ولعل السبب يكمن في كثرة تداول هذه الفئات من العملات , على عكس العملات الأخرى كبيرة الحجم .. لذلك نادراً ما نجد عملات من هذه الفئات جديدة أو بنصف عمر , أو مقبولة على أقل تقدير ..
إن العملات العراقية المتداولة في السوق المحلية بلغت عشرات المليارات .. وتشهد دورة تداول هذه العملات بين المصارف , والرواتب ، والأجور ، وأثمان البضائع والسلع ، والخدمات التي تتعامل بها الدولة والمواطن بشكل يومي .. وتعتبر الأسواق وأماكن التبضع ، البيئة الأكثر أثراً على تداول العملات .. وطالما حددنا بأن العملات من الفئات الصغيرة فقط هي “الأكثر عرضة للتلف” وذلك بسبب كثرة تداولها والحاجة اليومية لها .. فالدينار يكاد يكون متحركاً غير مستقر , لا يثبت أبداً في جيب مالكه .. بل أنه ينتقل إلى أكثر من مالك خلال اليوم الواحد ، بل الساعة الواحدة أحياناً . ثم أن نوع الورق المستخدم في طباعة العملات الورقية ، يسهم بشكل مباشر في تحديد عمرها ، وصلاحيتها بناء على مقاومة الورق للظروف وتحمله للمتغيرات البيئية . لذلك فإننا نعاني من كميات هائلة من العملة التالفة .. ما زالت تتداولها الأيدي ، وتتناقلها السلع ، ووسائط النقل وأسواق الفواكه والخضر .. بحيث أنك مجبر أحياناً على استلام عملات لا لون ولا شكل لها ولا معالم .. وقد لا يقبلها الآخرون منك لكثرة كدمات الزمن عليها . إن العملات الورقية رموز سيادية , مثل أية رموز وطنية أخرى , كالعلم والشعار والخارطة .. ومعظم هذه العملات تحمل معالم حضرية ودينية وأثرية .. هي الأخرى تعد رموزاً وطنية .. وسوى ذلك فإنها تحمل اسم البلد وإحدى مؤسساته المهمة , ألا وهي البنك المركزي العراقي ، لذلك ليس من المعقول أن تبقى هذه العملات ذليلة ، غير مقبولة ، لا تسر الناظرين .. بل لابد أن تتجدد ، وتتغير ، بين فترة وأخرى لنحافظ على جمالها ورونقها وبهائها وقيمتها الإعتيادية .. وهذه مهمة البنك المركزي حصراً .. وهنا لابد من الإشارة إلى أن التغيير والتبديل والتجديد لا يعني طباعة عملات جديدة ، بتصاميم جديدة ، واقيام  جديدة .. بل هي إبدال المستهلك منها .. و”إتلاف التالف” .. وهنا مربط الفرس .. وبيت القصيد ..
فلابد للبنك المركزي أن يقوم بعمليات غربلة يومية , وشهرية , وسنوية , للعملات التالفة , ويستبدلها بعملات أخرى جديدة ، إحياءً لها وديمومة واستمرارا .. وهذا الأمر ليس عسيراً ولا مُكلفاً .. ولا يحتاج إلى كوادر جديدة وموارد جديدة .. بل إسقاط الأرقام من على العملات التالفة وطباعة عملات جديدة بنفس القيمة  والأرقام , ليبقى حجم العملة المتداولة ثابتاً وليس متغيرا .. وفعلا عمل البنك في الاونة الاخيرة الى ضخ كميات كبيرة من العملات الجديدة خاصة من الفئات الصغيرة ، اضافة الى الى طباعة عملات بتصاميم جديدة من فئة الـ(10-25) دينار .لكن ماتزال العملات التالفة تتداول في الاسواق ، وعليه لابد ان تستمر عملية الاستبدال والضخ دون توقف ، إن البلدان الأوربية المتقدمة ودول الأمريكيتين وقارات آسيا وأفريقيا واستراليا , تتداول عملات معدنية إضافة إلى العملات الورقية .. ولا أعتقد أن هناك بلدا في العالم ، صغيرا كان ام كبيرا يعزف عن تداول العملات المعدنية سوى العراق .. هذا الأمر يوجب البحث والدراسة .. إن العملات المعدنية أكثر قابلية للتداول وأطول عمراً ، إضافة إلى أنها تحافظ على قيمتها النقدية ، وذلك من خلال ثمن المعدن الذي تصنع منه , ومع أن عملتنا المعدنية قد تعرضت إلى السرقة ، مثل كثير من ثروات العراق على أيدي لصوص ليليين ونهاريين ,  إلا أن ذلك لا يعني عدول البنك المركزي عن اصدار عملات أخرى .. وطرحها في الأسواق لإمتصاص بعض الفئات من العملات الورقية الصغيرة .. وامتصاص التضخم الاقتصادي .. فهذه العملة تضع للأشياء أسعارها الحقيقية , وتقلل الضياعات المالية ، وتنظم الاستهلاك .. وفي كل الأحوال فإني مجرد كاتب .. لا ارقى فهماً ، وعلماً ، ودراسة ، من خبراء البنك المركزي العراقي .. وكل الذي اعرضه  في مقالي هذا مجموعة من الأسئلة ، انتظر الاجابة عليها ، مع أملي بأن لا يطول الوقت حتى نستمع إلى رنين و (خرخشت) العملة العراقية المعدنية ، وهي تستقر في جيوب العراقيين ..اللهم ..آمين .

أحدث المقالات