23 ديسمبر، 2024 3:23 م

إتحاد الاتحادية

إتحاد الاتحادية

أُريد أن أكتب عن جلسة المحكمة الاتحادية التي عقدت يوم أمس الاربعاء ، هل بإمكان القارىء الكريم أن يترك على جنبه كل ما يحدث أمنيا و سياسيا فقط للوقت الذي يقضيه بقراءة كلماتي القادمة ؟
أعتقد أن هذا ممكن ، أتمنى أنه تحقق الأن :
المشهد بدأ وقت إكتمال دخول هيئة رئاسة المحكمة الاتحادية ، و فتح الابواب لدخول أكثر من عشرين عضو مجلس نواب ، و مجموعة من الاكاديميين و الاعلاميين و الخبراء ، لم يكن الكثير مشغول بقراءة هذه الصورة فثقل الخلافات السياسية و التحديات الامنية تملء عقول أغلب من كان حاضر ، و بسبب هذا فات عليهم التأمل بهذه الصورة ، و لذا أجدد رجائي الاول بالخروج لدقائق عن تأثيرات السياسة و الامن على تصورنا و نظرنا
علينا أن ندرك أننا نصف صورة لقاعة محكمة في أحد بلدان الشرق الاوسط ، بلد منذ أكثر من أربعين سنة لم تضع الحرب أوزارها من على ارواحهم و قلوبهم ، كل حروب البشرية العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الداخلية ، تضرب بإبناء هذا الوطن … في هذا البلد حيث الخلافات صارت كأشجار التمر فيه صارت عنوانا لراهنه ، أصطفت نساء و رجال من أعلى سلطة فيه ( البرلمان ) أمام تسعة قضاة هم رئيس و اعضاء المحكمة الاتحادية ، تسمرت عيون النائبات و النواب و من حضر هذه الجلسة ، على المنصة الطويلة التي جمعت هيئة الرئاسة ؛ لم يقولها أحد إلا أنها حتما دارت في كامن خلدهم ، هل في بلد الخلاف هنالك إجتماع بهذا الحجم على منصة واحدة ؟ حتما أن سكوتهم الذي سبق كلمات رئيس المحكمة الاولى ، كان يحمل أسئلة صنعها راهن الخلاف و الصراع الذي يعتقد الجميع أن لا وجود لغيره ، لم يلتفتوا إلى تواضع جدران قاعة المحكمة و المقاعد التي جلسوا عليها ، و لم يشدهم أي شيء في القاعة إلا صورة الهيئة ، التي لولا ثقافة أسماءهم ما كانوا يعرفون التنوع الذي تجمعه منصتهم الخشبية الطويلة ، لم يترك الرئيس هذا المشهد يمر دون التعريف به ، قال بعد الترحيب بالجميع : هذه المرة الاولى في تأريخ العراق الحديث يحل رجال الدولة العراقية أمام المحكمة بهذا الشكل … أكتفى الرجل بهذه الكلمات و على الجميع أن يلتفت الى هذا العنوان ، نعم إنه مجرد عنوان لما يحصل ، الجميع أمام القضاء بدور و شخصيات مختلفة ، كل شيء هنا دون ما نعيشه و تعيشون يا حضرات اعضاء مجلس النواب و يا ايها العاملون في السياسة و الاعلام ، هنا السلطة القضائية العراقية ، هنا المحكمة الاتحادية العليا . و هنا أنتم و الجميع يقف ليرى كيف صنع هؤلاء الرجال واقعهم ، و بأي طريقة يؤدون عملهم .
لم يسمح الوقت لهم أن يتأملوا كثيرا بكل هذا ، فحمل أثقال الخلافات أوجع تأملهم ، لكنهم سيكملون الجلسة التي بالفعل أنتهت عند الساعة الثانية و النصف ظهرا بعد أن أستغرقت ما يزيد على خمس ساعات ، عاد الجميع الى عالمهم خارج قاعة الاتحادية ؛ و هنا عادت الصورة مرة أخرى ، لم يستطع الجميع تحمل التفكير بها وحده ، و لذا وجدنا الكثير ممن حضر الجلسة أطلق للقنوات التلفزيونية قريحة مشاهدته ، قال خبير سياسي في نشرة إخبارية : ( المحكمة الاتحادية مؤسسة حق علينا أن نفخر بوجودها عندنا ) ، و قال آخر : ( إن الشفافية التي حققتها المحكمة الاتحادية وحدها تزرع الطمأنينة عندي لحل أكبر مشكلة سياسية ) ، و رد أحدهم على سؤال ، لماذا الذهاب الى الخبراء ، بالقول : ( هذا القضاء العراقي الذي يفكر و يستشير و يعمل ليحقق العدالة ) … ما كان بإمكان شخص كالكاتب أن يطلب ممن حضر هذه الجلسة خاصة من أهل الخلاف ، أن يتركوا خلافهم ليتمعنوا مشهد القضاء العراقي ، الذي جاد بخيرة رجاله شهداء ، و ارهق أخرين جهدا و تعبا من أجل أن يجد المختلفين ملجأ يستظلون به للفصل بينهم ، إلا أن إشادة الجميع بالمحكمة الاتحادية شهادة عن كامن الذهول الذي أكتنف كل جمهور جلسة يوم أمس .