مسرحية حروب بانوراما خوف لا ينتهي
خرج الينا كادر العمل المسرحي على خشبة المسرح الوطني الذي ظل يدور في دائرة الحروب التي كانت تصطليهم ،وتشعل فيهم الخوف والدم والموت، وتحرق معظم حياتهم التي تحولت الى جحيم ،لأن نظم الحكم المتوالية في العراق رسخت في العقل مفهوم الحروب حتى باتت الأنظمة تقودهم بمفهوم القطيع السائد عندنا في هذه الأيام .
ولأن العراقي تعرض عبر العقود إلى كل أنواع الحروب التي سطرها معد ومخرج العمل على خشبة المسرح الذي قدم فيه العرض، وهم يفتحون العديد من ملفات الحروب المهمة من تاريخ العراق الدامي، الذي استعرض كنية كل مرحلة على حدة بدءاً من العام 1980 وانتهاء ب العام 2003 ، وهذه الحروب لم تحجب عنهم رؤية الامور في ماضينا وحاضرنا، وخاصة الذين اكتوا بها، واصبحنا صدى كبيراً للحروب التي مزقت اسماعنا من جراء العذابات التي جعلت من مدننا وقرانا خالية من الحب، وجعلت كل منا يمارس طقوسه برتابة وخوف وانانية، وهذا ما نلاحظه اليوم ونحن نفتش في شوارع مدننا التي اصابها الخراب، والدم، والخوف من المجهول، فأنطلق كادر العمل المسرحي الذي قدمته دائرة السينما والمسرح ( قسم المسارح ( الفرقة الوطنية للتمثيل، لتسهم في وضع النقاط امام السياسي الفاشل، الذي يقود دفة الدولة، ويوصلها الى ماوصلت اليه من قتل، وتفجير، ومحاصصة.
واليوم ومن خلال عملها الجديد الذي نتحدث عنه الان وهو مسرحية حروب من اعداد الفنان سعد محسن عن حروب كوسوفو لـ ماكيف ماليكي وترجمة الفنان القدير سامي عبد الحميد نتساءل ما الذي يمنع المخرج والفنان شيخ المسرحيين باخراجه وهو المعروف عنه السباق في اخراج العديد من الاعمال المسرحية لكون العمل المقدم على الخشبة من ترجمته؟
ركوب الامواج
الاجابة لدى الفنان سامي عبد الحميد فقد قام الفنان والمخرج الشاب ابراهيم حنون باخراج هذا العمل الذي يقول عنه الدكتور شفيق المهدي يدفع بحلمه الى حده الاقصى، متمكنا ً من الولوج، العبور الى منطقة التنبؤات، عرضه المسرحي قائظ غير انه يمنحك طلق الربيع، استطراد حركي يحول السرود الى تكتيك من لدغ الافاعي.
في حروب يوظف تاريخ العراق عبر برقيات لا تجرنا الا بما هو فجائعي، يراهن على الاستقصاء في رماد هذا الوطن، يبدو ان كادر العمل المسرحي يحب المخاطرة وركوب الامواج من خلال قراءة تاريخ العراق المبعثر وكثرة اوراقه المزدحمة بالعلل والمشاكل التي لايوجد لها حلول من وجهة نطري ،فجاء المعد ليعزف لحنه البنفسجي ببراعة ليقلب المواجع التي مررنا بها من خلال شخصيتين احدهما جندي صربي ،والثاني جندي الباني، وهذه الشخصيتين المتقاتليتن ينتمان كل منهما لجهة تقتل الاخرى لاسباب عنصرية بل عرقية وكذلك دينية لان الصراعات الداخلية في واقعنا العربي اليوم تشهد تطورا ً ملموسا ً على كافة الاصعدة ، وخاصة في بلدٍ مثل العراق حيث الانفجارات، السجون السرية، الاختطاف فاستطاع المعد ان يكتب النص باللهجة العراقية المحلية ،علما ً أن النص الذي ترجمه الفنان سامي عبد الحميد باللغة الفصحى، ولكي يقترب اكثر من الواقع عمل المعد الى استخدام اللغة الدراجة، وذلك لما شهده العراق من احداث دامية في عام 2006 ،تبعا ً للهوية فجاء الاخراج الفني للعمل هو الغاء الفراغ وإعادة الصياغة والخلق، وانتشال الدلالة في تراكم المعاني من خلال المجاميع التي طوعها، وكأننا في عالم تشكيلي من الصور واللوحات عبر منظومة متداخلة يؤسس عليها الحنون للمكان والزمان الذي اشتغل عليه، مما عمقت رؤاه وكشفت المساحة التي يحملها من مجمل افكاره، حتى ان الالوان والدلات المعبرة وضحت لنا علاقات الشخصيات وخاصة السياسية التي دخلت من وراء الحدود وعلى ظهر الدبابات الامريكية، ثم علامات الديكور وكذلك الازياء من البدلات، الاقنعة، الحاويات، قطعة القماش الابيض، كلها جاءت متماشية مع الرؤيا الاخراجية كي تظهر لنا تشوهات السلوك البشري لدى اغلبية السياسين العراقيين.
وسبق للمخرج ان أخرج العديد من المسرحيات نذكر منها ، مسرحية سكوريال للمؤلف التشيكي ميشيل جورجريد ومسرحية خريف الجنرالات للمؤلف مثال غازي، ومسرحية الموت والعذراء من تأليف التشيكي اريل دورفمان وهو يدير منتدى المسرح الان هذا الصرح المسرحي المهم الذي قدم العديد من الأعمال المسرحية الهامة.