18 ديسمبر، 2024 6:11 م

إبداء الصدقات من وجهة نظر اجتماعية

إبداء الصدقات من وجهة نظر اجتماعية

حثت الأديان ترافقها العقول والقلوب على المساعدة، فهي عمل انساني سواء كانت المساعدة مالية او غير ذلك، وانما تركزت على الأمور المالية بسبب حب الانسان للمال وصعوبة اتفاقه على غيره؛ بالمقابل فان هذا الموضوع يثير خجلاً واحراجاً لمستلم المساعدة، خصوصاً إذا كانت مادية عينية، ولكيلا يكون ثمة احراج للمُساعد وجب اخفاء المتصدق شخصيته وعدم التكلم بها، بل العمل على عدم معرفة الاخرين بنوع المساعدة او الشخص المُساعد.
نورد هنا بعض القصص لنأخذ منها العبرة والموعظة:
القصة الأولى: دخل رجل إلى المطعم وطلب الطعام. وحينما أكمل غذائه وطلب الفاتورة. مدّ يد إلى جيبه فلم يجد محفظة النقود. اصفرّ وجهه وتذكر انه قد نسيها في المكتب. بعدما أخرج منها بطاقته. احتار كيف سيخرج من هذا الموقف، وظل يفتش جيوبه بهستيريا أملاً في العثور على نقود، لكن دون جدوى فقرر أخيراً أن يذهب إلى صاحب المطعم ويرهن ساعته حتى يأتي بالمبلغ ويعود. ما إن همّ بالكلام حتى بادره صاحب المطعم بالقول: حسابك مدفوع يا أخي. تعجب الرجل وقال: من دفع حسابي؟ أجابه صاحب المطعم: الرجل الذي خرج قبلك. فقد لاحظ اضطرابك فدفع فاتورتك وخرج. تعجب الرجل وسأل: وكيف سأردّ له المبلغ وأنا لا أعرف من هو؟ قال: لا عليك يمكنك أن تردها عن طريق دفع فاتورة شخص آخر في مكان آخر. وهكذا يستمر المعروف بين الناس.
القصة الثانية: تمكن شاب فقير من اجتياز الامتحانات الوزارية الإعدادية النهائية وبمعدل يمكنه من دخول مدينة الطب، لكن مصاريف هذه الكلية وكلفة الدراسة فيها كبيرة، ووالده موظف راتبه لا يكاد يكفي مصاريف البيت، فماذا يفعل؟ هو لا يملك عملاً يستعين به، ولا يريد ان يثقل كاهل والده. ظل حيراناً فذهب الى الجامع يصلي ويدعو الله حل وعلا ان يساعده. فقال وهو ساجد: ربي انت اعلم بحالي فكما ساعدتني فيما سبق ساعدني فيما لحق، فصل على محمد وال محمد وجد لي حلاً لإتمام دراستي التي تحب وأحب؛ وسالت دموعه. وما ان رفع راسه من السجود حتى رأى رجلاً باسماً بجانبه قال الرجل: قد أجاب الله دعوتك، انا اكفل مصاريف دراستك. فقال الشاب متعجباً: إنك لا تعرفني!؟ فقال الرجل: إنما انا أقرض الله كما أمرني حين قال تعالى (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ). فقال الشاب: مع ذلك فيتوجب عليَّ رد الدين. فقال: إذا كان ذلك ما يرضيك فافعل كما فعلت انا واقض حاجة مؤمن، كي لا ينقطع المعروف بين الناس.
نستشف من القصتين أعلاه ان من مردودات المساعدة انتشار المعروف بين الناس، كذلك فان القصة الأولى اقتضت المساعدة عدم اظهار الشخص لشخصه كي لا يحرج الرجل المحرج اصلاً، واما الثانية فاقتضت اظهار الشخص لنفسه ليطمئن الشاب ولأن العملية تحتاج الظهور لطول المدة مثلاً، وبالنتيجة تكون القصتان مصداق للآية (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 271])؛ لكن ما يحصل أحيانا من ظهور المتصدقين بشخصهم والمحتاجين بشخصهم يؤدي الى الرياء للمتصدق كما يراه المجتمع وان لم يكن كذلك، وجرح واذلال للفقير، وهذا ما نهت عن الآية فامرت بالإخفاء، فبعض النفوس عزيزة ولو كان بها شح. كما سنرى في القصة الثالثة:
كان شاب (أحد طلبة العلوم الإسلامية) يمر كل يوم من امام دكان يزاز (بائع قماش) حين ذهابه الى المدرسة، وكان الشاب مهذباً مؤدباً عالماً ورعاً، وكان البزاز يريد أن يهديه ملابساً، لأنه يعرف ببؤس حالته المادية، فيكون بذلك قد ساعده ويرجو ثواب ذلك عند الله. ذات يوم وحين مرور الشاب من امام دكان البزاز، اوقفه البزاز واعطاه الملابس، فرفض الشاب، ولكن بعد الحاح البزاز وتوسله قبل الشاب واخذ الملابس شاكراً له ذلك. في اليوم الثاني جاء الشاب ومعه الملابس كما هي، واقسم على البزاز ان يأخذها، لأنه لم ينم ليلته البارحة، بسبب انه ظل ينظر الى تلك الملابس التي تأبى نفسه العزيزة لبسها دون دفع ثمنها.
بقي شيء…
الناس أجناس، والنفوس العزيزة كثيرة والتي تتمنى الموت على ان تمد يدها وتظهر العوز، قال تعالى (ِللْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة: 273]).