23 ديسمبر، 2024 11:14 ص

في السياسة مبدأ قديم يلتزم به البعض ويرفضه البعض وهو (( خُذْ وطالبْ )) فأنصاره يقولون السياسة فن الممكن وما أمكنك أخذُه فخذْه وطالب بما تبقى حتى تتهيأ ظروف اخذه هو الآخر . وأعداءه يقولون  تحقيق المكاسب  منقوصاً ركوع وإغراءٌ لخصمك على قضم ما تبَقّى منها ونكرانها لذا  فرفضها هو الأصوب فأنصاف الحلول مشاكل إضافية وليس حلاً لمشكلة . ذلك في السياسة ودواهيها وزواياها المنيرة والمظلمة أما في مكارم  الأخلاق فالأمر مختلف  فالحقوق نِعَم ومصدرُ النعم هو الله يُجريها على يد عباده وما من عبدٍ أنعم الله عليه نعمة إلا وهناك من هو أوفر حظاً منه  أو أقل  سواءً كانت هذه النعم مادية ( وفضلنا بعضهم على بعضٍ في الرزق) أو معنوية  ( وفوق كل ذي علمٍ عليم ) فالخلوق  إن نظر الى من هو أدنى منه شكر وذكر الله واستقر  حامداً وداعياً أن لا يحل به ما حل بغيره وإن هو مدَّ بصره الى  مَن هو أعلى منه طمح فيما عنده  وغبطه على نعمته فزادت همته وكثر دعاؤه في ان ينال ما ينال عباد الله الصالحون غير حاسدٍ ولا مبغضٍ ولا قالٍ متمثلاً بالقول المشهور ( اللهم زده واعطني مثله) فينام مؤملاً عطايا ربه مهيئاً وسائل عمله وفي الحالين فإن الطامحين والشاكرين يشكلون مجتمعاً أقرب ما يكون الى الوئام  والأمل والانتاج والعمل . هذا كله إذا كان السلطان لا يألُ جهداً في النصيحةِ لرعيته والعدالة في حكمه وإلا فكلامنا تنظير للظلم والظالمين وهو مرفوض عند العقلاء من الأولين والآخرين . دعونا نتأمل فيما حولنا اليوم حملةٌ شعواء تشنها  بعض وسائل الاعلام حول الاداء الحكومي المحلي والمركزي ملفات فساد ، سرقات للمال العام  ، خرائب في كل مكان ، مستنقعات ومياهٌ آسنة ، موتٌ متعدد الأشكال مرض ومفخخات . فقر وجوع ، تظاهرات هنا واعتصامات هناك ، وقبل كل هذه المشاهد يتصدر نشرات الأخبار الصراع السياسي  الفتاك فهو  سياسي في جوهره وفتاك في وسائله ( قومي ، ديني ، طائفي ، مذهبي ) وهذه الوسائل لا تُبقي ولا تذر ولم نسمع بدولةٍ حطت على ظهرها هذه الصراعات  إلا وأناختها ولا مدينةٍ حلت بها إلا وخربتها . وكل ذلك يقلص مساحات الأمل في النفوس ويذهب اطمئنان القلوب ويزيل لذة النعم ويهدم استقرار المجتمعات ، فيضيع علينا الهدف ونهب للتغيير ، للثورة ،  للتمرد ولكن ما هو البديل ؟ الجواب ينبعث من نفوسنا ليس مهماً ، نعم ليس مهماً أن نستبدل النظام بالفوضى والغنى بالفقر والشبع بالجوع والموت آحاداً بالموت جماعات .

هذه رسالة إعلامية تؤديها الكثير من وسائل الإعلام وللأسف  فإن البعض منها لا يدرك ما يقوم به ويندفع من نوايا شتى فإما طمعاً في جذب المتلقي لأنه يرى الوسائل الإعلامية واسعة الانتشار تتبع نفس الاسلوب  ، وإما يرى ذلك نوعاً من الشجاعة المهنية وعملاً بمبدأ الشفاقية ، أو يتحجج أن مهمة الإعلام كشف النواقص وإبداء الزلات وتضيح الفشل وليس الحديث عن النجاحات .

نحن نحتاج الى أن تتذكر الحكومة الأشياء التي يجب عليها أن تفعلها وأن تلتفت الى حاجات الناس عبر وسائل الاعلام  فذلك واجبها ولكننا نحن وليس الحكومة بحاجة لأن نشكر ما تحقق مهما كان بسيطاً لأن ذلك يساعد على استقرار النفوس وزرع الأمل ويمنع الإحباط والقنوط وهذا بدوره مدعاة لحياة الأمة وبناء الحضارة وتشجيع الابداع .

في بطولة كأس الخليج الاخيرة تهيأ الكثير من العراقيين لأن يعبروا عن فرحتهم  بشكل لافت تجمع العشرات في كل مكان هيأوا وسائل اللهو والمرح والعيارات النارية بل خرج البعض منهم  وأطلق النار وإن لم يفز  المنتخب العراقي ليس كل ذلك روحاً رياضية أو وطنية وإنما يقع الكثير منه للضغط الكبير الذي تولده وسائل الاعلام على النفوس فراحت تبحث عن كل ما يُنسيها هذه الضغوط وإن كانت تافهة ، والحقيقة أن ذلك مؤشر خطير يُنذر بتحول هذا الضغط في لحظةٍ ما الى انفجارٍ كبير لسبب تافه وهدفٍ مجهول .

وما أظن تظاهرات الانبار وما تبعها من محافظات  إلا متاتية  في جزءٍ منها لهذا التأثير الإعلامي المتراكم .