22 ديسمبر، 2024 1:35 م

أَمريكا تدلِس و دوَل الخليج تمتّرس و إِيْرَان تعَرس

أَمريكا تدلِس و دوَل الخليج تمتّرس و إِيْرَان تعَرس

أَمريكا تَعرِفُ قبل غيرها، و أَكثر من غيرها أَيضاً، ماذا تُريد؛ و ماذا تَفعل الآن، و ماذا ستَفعل غداً. لسبب بسيط؛ أَنَّ أَمريكا دوّْلة مؤسسات مُنَظَّمَة، و عندما يَصدر قرار سياسي، فإِنَّه يَصدرُ بعد دراسة شاملة للموضوع المطروح، على طاولة البحث و النِّقاش. و سبب آخر، أَنَّ المشروع السياسي في أَمريكا، يُصمَّم وفق رؤية بعيّْدة المدى.

كما أَنَّ السياسة الأَمريكيّة ليست ردود أَفعال شخصيَّة، إزاء ما يخطَّط له، في أَروقة البيّْت الأَبيض، كالّذي يحصل في منطقتنا العربيّة. و عمليّة حَبّْك السياسة في أَمريكا، ليست (كما تعوَّدنا)، كالسياسات العربيَّة عموماً، و الخليجيَّة خصوصاً، التي تكون على هيأة مشهد، تُحرّكه الإِرادة الأَمريكيَّة. إِضافة لذلك؛ فإِنَّ رئيس الولايات المتَّحدة الأَمريكيَّة، هو مُنفّْذ لسياسة الدّولة الداخليّة و الخارجيّة، و هو ركن من أَركان صناعتها، و ليس الكلّ في صناعتها.

و بما أَنَّ الضبابيَّة و الغموض، و التَّقرُّب غير المباشر من الهدف، و التوّْقيت لبدء و نهاية العمل، هي بعض سمات السياسة الخارجيَّة الناجحة، خصوصاً لدوّْلة بحجم أَمريكا. و هذه السمات تُؤَمّن للدَّولة التي تعتمدها، الكثير من المرونة في العمل. فتسمح لها باجراء الكثير من التَّعديلات، على مشاريعها السياسيَّة، إِذا ما اصطّدمت بمشاكل غير متوقعة، يفرضها الواقع الخارجي، على خطِّ سيّر تنّْفيذ تلك السياسة.

إِنَّ أَمريكا تنظر الى أَنظمة دول الخليج، بأَنَّها أَنظمة قد عفى عليها الزمن، و ما عاد العالم المعاصر، يستسيغ فضاضة هذه الأَنظمة مع شعوبها، و مع شعوب الدوّل الأُخرى أَيضاً. و حتى تحافظ أَمريكا على سمعتها (داخلياً و خارجياً)، فهي تحاول أَنّْ

تُصوّر نفسها، بأَنها المناضلة من أَجل تحرير الشعوب، و إِقرار الدِّيمقراطيَّة في العالم الجديد.

و مثلما لا تريد أَمريكا، إِعادة تجربة انهزام نظام (شاه إِيران)، مع الدُّول الخليجيّة. لأَنَّها تعلَّمت من تلك التجربة القاسية، أَنّْ تقضي على الأَنظمة التي تدور في فلكها، قبل أَنّْ تسقط بأَيّْدِ قوىً غير مُسيطر عليها من قبل أَمريكا.

و على هذا الأَساس، يمكن أَنّْ نفهم ثورات الربيع العربي، التي قامت في تونس و مصر و ليبيا. حيّث كشفت (هيلاري كلينتون)، دور المخابرات الأَمريكيَّة في تحريك و توجيه، ذلك الربيع. فقدّ دُبِّر الأَمرُ بليّْل، دون أنّْ تعرف جماهير تلك الدّول، اليد الخفيَّة التي تقف وراء ربيّعها.

فأَمريكا تتحرك بالوقت المناسب للسيطرة على الموقف، قبل الوصول الى نقطة عدم السيطرة عليه. و هذا الوقت يبدو، قد بدأ يقترب من ساعة التَّنفيذ، في السعوديّة أَوَّلاً و تليها دول خليجيَّة أُخرى تباعاً. و بدلاً من أَنّْ تقع هذه الدُّول في قبضة إِيران، بشكل أَو آخر، فإِنَّ أَمريكا أَوّلى بها من غيرها. خصوصاً أَنَّ سياسة الدّول الخليجيّة، قدّْ أُخضِعَتّْ، لفحص تحليلي أَمريكي، و بيّنت نتائج الفحص، أَنَّ السعوديّة و محورها، قدّْ تورَّط في حرب الشعّْب اليمني. و لم يَعُدّْ الموقف في اليمن، تحت السيطرة الخليجيّة، كما كان متوقعاً. و لهذا نجد أَنَّ أَمريكا أَخذت تشجّع المواقف الداعية، لوقف اطلاق النَّار في اليمن، و محاولة التَّوصل الى حلٍّ سلمي لمشكلة اليمن.

نعم إِنَّ موضوع اليمن، قدّ حَرَّك الآلة الحربيَّة الخليجيَّة، و هذا يعني تنشيط حركة تجارة السلاح الأَمريكي. و بالنَّتيجة دعم الاقتصاد الأَمريكي، بآلاف المليارات من الدولارات، القادمة من الدّول الخليجيَّة. حتى أَنَّ فرنسا وجدت فرصتها سانحة، لبيع ما تيَسَّرَ من مقاتلات (رافال) الفرنسيّة الى دويّْلة قطر. (في 30 نيسان الماضي، أَعلنت وزارة الدِّفاع الفرنسيّة، عن بيع 24 طائرة من نوع (رافال) الى قطر بقيمة 6.3 مليار دولار).

هذا العَقّْد المُغرِ شَجَّع الرئيس الفرنسي (فرانسوا هولاند)، للقيام بزيارة رسميّة للسعوديّة بتاريخ 4 أيار 2015. وفي سابقة فريدة من نوعها، فقدّْ دُعيَ الرئيس هولاند، لحضور القمَّة الخليجيّة، التي انعقدت في الرياض يوم 5 أيار 2015، ليكون بذلك أَوَّل

قائد غَـربي، يحضر قمَّة خليجيَّة عربيّة، منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981. لقدّ كان ذلك بمثابة رسالة ضَّغط على أَمريكا، من قبل دول مجلس التعاون الخليجيّة، لحمل أَمريكا على اتخاذ مواقف أَكثر جديَّة، لحماية أَنظمة الدُّول الخليجيّة، من التهديد الآيديولوجي الشّيعي، القادم من إِيران.

و إِذا قرأْنا تفاصيل حدث قمَّة (كامب ديفد)، المنعقدة بتاريخ 14 أيار 2015، الذي جَمَعَ بيّن الرئيس الأَمريكي (أوباما)، و ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، (باستثناء سلطنة عُمان). سنجدُ أَنَّ هذه القمَّة، لا تعدو عن كونها استعراضاً دعائياً، لَمّْ تَتمَخضّْ عنها أَيَّة قرارات مهمَّة و مؤَثّرة في المنطقة، على المستويين السياسيّ و الاستراتيجيّ. فالبيان الختامي للقمَّة، كرَّر التعهدات الأَمريكيَّة السابقة، التي تُطمئن دول المحور السعودي من الخطر النَّووي الإِيراني، كما أَكَّد البيان بأَنَّ أَمريكا لا تتخلّى عن حماية أَمن حلفائها.

إِذن التَّدليْس في السياسة الأَمريكيَّة، يدفع السعوديَّة و حليفاتها، الى عقد المزيد من صفقات شراء الاسلحة الأَمريكيَّة. و بذلك تدفع أَمريكا هذه الدول، الى انتهاج سياسة التَّمترس بالقوَّة العسكريَّة.

و السؤال المطروح: مِمَّ تتمترس السعوديّة و حليفاتها بالاسلحة الأَمريكيَّة و الفرنسيَّة؟.

هل لتحرير فلسطين العربيّة، من براثن الاحتلال الصهيوني؟.

الاجابة بالتأكيد كلا. إِنَّها تُعزز ترسانتها العسكريّة خوفاً من إِيران.

منذ ثمانية عقود مضت، و السعودية تتزعم محور التطرُّف التَّكفيري، الشاذّْ عن سماحة الاسلام، و اجماع المسلمين. و تَحوَّلَ عداء السعوديّة الطائفي، لكلِّ المذاهب الاسلاميَّة عموماً، و للمذهب الجعفري (الشّيعي) خصوصاً، الى استراتيجيَّة صراع بينها و بين شيعة المنطقة و العالم.

وبما أَنَّ إِيران تمثل دولة التشيّع في العالم الاسلامي المعاصر، فإِنَّها أَصبحت العدوّ الآيديولوجي الوحيد، للنّظام السعودي في العالم. و بما أَنَّ إِيران تمرَّدت سابقاً، على أَمريكا باسقاط نظام الشاه، و مضت قدماً في بناء مشروعها النَّووي، فإِنَّها أَصبحت العدوّ الاستراتيجي للمحور الأَمريكي أَيضاً.

فإِيران تواجه عدويّن مجتمعيّن عليها في آن واحد؛ هما العدوّ الآيديولوجي، و العدوّ الاستراتيجي. وان كان هذان العدوّان هما و جهان لمصدر واحد، لكن إِيران استطاعت الصُمود بوجه هذين العدويّن. لا بلّْ أَكثر من ذلك، فقد أَحرزت إِيران تقدُّماً كبيراً في مجال الصّناعة و التَّكنولوجيا النوويَّة. ليّْس ذلك فحسبّْ، و إِنَّما مضت إِيران قُدماً، لتطويق المحور الأَمريكي السعودي، من خلال دعمها لمحور المقاومة الاسلاميّة، في المنطقة العربيّة.

كما أَنَّ إِيران بَرمجَتّْ امكانياتها، لتكون دولة أَكبر من حجم التحديات التي تواجهها، من أَمريكا و حلفائها، مُعتمدة على تنّْمية قدراتها الذَّاتيَّة أوّلاً، و التعاون مع المحور المضادّ لأَمريكا، روسيا الصين كوريا الشماليّة ثانياً.

(منذ أكثر من ثلاثة عقود، ظلّ الحصار الاقتصاديّ والماليّ يمثّل ركنًا ثابتًا في سياسة الضّغط التي تتبعها الولايات المتّحدة الأميركيّة تجاه إيران. وفي هذا السّياق بإمكاننا فهم كلّ العقوبات الأوروبيّة الأخيرة ضدّ طهران، والتي جاءت على خلفيّة عدم استجابة إيران لمطالب الوكالة الدوليّة للطّاقة النوويّة، بخصوص مشروعها النوويّ . ….. صُنِّف الاقتصاد الإيرانيّ في سنة 2010 ثالثَ أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والتاسع والعشرين في العالم بحجم 337.9 مليار دولار.)(المركز العربي لابحاث ودراسة السياسات)(انتهى).

بعدما عرفنا (التَّدليْس في السياسة الأَمريكيّة)، الذي يُنتج حالة (التَّمترس الخليجي)، علينا أَنّْ نعرف (العُرس) الإِيراني. فإِيران وضَعَتّْ أَمام مجموعة (1+5) خياران لا ثالث لهما:

1. أَمَّا المُضي باتّجاه توقيع الاتّفاق النَّووي مع إِيران، في نهاية شهر حزيران القادم. و بذلك ستدخل إِيران الى النادي الدُّولي النَّوويّ، مع احتفاظها بخبراتها التكنولوجيَّة الحاليَّة، مع امكانيَّة تطويرها مستقبلاً.

2. أَو الغاء هذا الاتّفاق (فقد أَصدر الكونكرس الأَميريكي قبل أَيام قراراً، يُلزمُ الرَّئيس الأَمريكي، بعرض ما يتمُّ التوصل إِليّه من اتّفاق، بخصوص الملف النَّووي الإِيراني، على الكونكرس للموافقة عليه أَو رفضه). و في هذه الحالة فإِنَّ إِيران،

ستحصلّْ على فرصة ذهبيَّة، لتطوير قدراتها النَوويَّة و بمستويات مُتقدِّمة جداً. و كذلك ستندَفعُ إِيران، لزيادة توّْثيق علاقاتها الاستراتيجيَّة، مع روسيا و الصين و كوريا الشماليَّة. وفي حالة تحقيق أَيّ من تلك الحالتين أَعلاه، فإِنَّ إِيران ستَحتَفل بعُرسها السياسيّ التاريخيّ قريباً.