نظام “الأغلبية والأقلية الوطنية” الذي يدعو الآن إلى تبنّيه رئيس المجلس الأعلى الاسلامي عمار الحكيم، وقبله نادى به رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، هو بالتأكيد النظام الأنسب لإدارة الدولة، ليس في العراق حسب وإنما في سائر دول العالم.
نظام الأغلبية والأقلية يعني أن الفائز الأكبر في الانتخابات العامة أو المحلية، هو مَنْ يتولّى الحكم على مستوى البلاد أو الولاية أو المقاطعة أو المحافظة لمدة محدّدة. والفائز الأكبر قد يعني حزباً واحداً أو ائتلافاً من عدة أحزاب. هذه ليست فكرة مبتكرة من السيد الحكيم أو السيد المالكي، إنما هو نظام متّبع في بلدان أوروبا وأميركا منذ قرون، وهو معتمد الآن في الدول الآخذة بالنظام الديمقراطي كلها تقريباً، ويُعدّ عماداً للديمقراطية التي من شروطها أن يكون الحكم في يد الأغلبية فيما الأقلية تأخذ دور المعارضة القوية. نعم القوية، فالنظام الديمقراطي يوفّر للأقلية كل الضمانات لأن تمارس السياسة على نحو مكافئ لممارسة الأغلبية، ولا يعني أبداً أن تستبدّ الأغلبية بالحكم وتفرض نظاماً دكتاتورياً، وتصادر حق المعارضة في النقد والاعتراض والاحتجاج.
النظام هذا ملائم تماماً للعراق أيضاً. كان يتعيّن اعتماده منذ البداية. دستور العراق (2005) تبنّى هذا النظام لكنّ القوى السياسية المتهالكة على السلطة والنفوذ والمال شاءت أن تتّبع نظاماً بديلاً هو نظام التوافق الذى تحوّل إلى نظام محاصصة طائفية وقومية وحزبية، وجرى في إطاره احتكار القوى السياسية المتحاصصة السلطة برمّتها وصولاً الى مستوى وظائف الموظفين الصغار. الذريعة كانت أن نظام التوافق يطمّئن الجميع (الشيعة والسنة والكرد) الى أن أحداً لن يجري تهميشه ولن تُصادر حقوقه، وأن هذا النظام غير الدستوري سيكون لدورة برلمانية واحدة. ما حصل أن نظام المحاصصة آل إلى أن يكون هو الدستور البديل، وغير مرة أعلن مسؤولون في القوى المتحاصصة جهاراً أن نظام المحاصصة وُجد ليبقى وأنه أصبح أمراً واقعاً، مع أنه في ظل نظام المحاصصة جرت حرب طائفية دموية بين الأحزاب الاسلامية وميليشياتها، فيما انتهى على صعيد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان إلى أن الأخيرة تلحّ الآن بطلب “طلاق ودّي” بين بغداد وأربيل لعدم إمكان التعايش السلمي بينهما .. أي إن نظام المحاصصة لم يبرّر نفسه أبداً.
نظام الأغلبية والأقلية مناسب للعراق، لكن ليس بالصيغة التي يطرحها السيد الحكيم، وقبله السيد المالكي، ذلك أن الحزبين والائتلافين اللذين يقودهما الرجلان هما من طائفة واحدة (الشيعة) ومن قومية واحدة (العرب)، فيما لزوم نجاعة نظام الأغلبية والأقلية أن تكون الأحزاب المنخرطة في الانتخابات عابرة للطوائف والقوميات.
يمكن لكتلتي دولة القانون والمواطن، ومعهما كتلة الاحرار، أن يكوّنا أغلبية في مجلس النواب تؤهلهما لتشكيل حكومة، بيد أن هذه الحكومة ستكون شيعية – عربية، وفي ضوء تجربة الحكم منذ 2005 حتى اليوم فإن حكومة تشكّلها أحزاب الأكثرية الشيعية ستعني تهميشاً للكرد والسنّة العرب.
كيما يقنعنا السيد الحكيم، وكذا السيد المالكي، بجديّة وجدوى دعوتهما إلى نظام الأغلبية والأقلية، يتعيّن قبلاً أن يتحوّلا بحزبيهما (المجلس الأعلى والدعوة الإسلامي) وائتلافيهما (المواطن ودولة القانون) من حزبين وائتلافين طائفيين (نسبة إلى الطائفة الشيعية) إلى حزبين وائتلافين وطنيين يضمّ كل منهما في صفوفه السنّة الى جانب الشيعة، والكرد والتركمان والآشوريين والكلدان والأرمن الى جانب العرب، والمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين واليهود والبهائيين والزرادشتيين إلى جانب المسلمين.
هل يُمكن لهذا أن يحصل؟!
نقلا عن المدى