بين الحين والآخر يعقد العراق اتفاقات مع بعض الدول وتبحث مؤسساته مع جهات اجنبية مماثلة التعاون الثنائي وافتتاح خطوط انتاجية في بلادنا على أساس انها تغنينا عن الاستيراد. كل شركة او مؤسسة صناعية تحاول ان تسير امورها بمفردها، والمتابع لبعض الاتفاقات وما وقع من بروتوكولات لا يجد انها تشكل اولوية لتطوير الاقتصاد الوطني، بل ان الحكومة والبلاد تفتقد الى خطة استراتيجية واضحة ومحددة في التوجه لأي من القطاعات، وبالتالي اي منها سيشكل تأثيراً ملموساً على الاقتصاد الوطني والاوضاع الاجتماعية في العراق ومقدار اسهام هذا التأثير للخروج من الازمة الشاملة التي تلف البلاد.
في العراق لدينا 196 شركة ومؤسسة تابعة للقطاع العام والاغلبية الساحقة منها بحاجة الى اعادة تأهيل وتطوير وتحديث لمعداتها وخطوطها الانتاجية. ربما العاملة منها بشكل طبيعي لا يتجاوز عددها اصابع اليد، كما هناك اراض زراعية لا تزال بوراً لم تستغل وهي تابعة للدولة، الى جانب شركات القطاع الخاص التي تعمل بامكانات شحيحة وهي تستوعب الشراكة الاجنبية والاستثمار فيها، لكي تكون رأسمالية وتستحدث فرص عمل اضافية وتنتج ما يحقق الاكتفاء الذاتي اذا لم تصل للتصدير.
كما ان هناك قطاعاً يبدو التخلف فيه ظاهر للعيان وملموس من ذوي التخصص وعامة الناس، وهو القطاع السياحي، لاسيما السياحة الدينية والعناية بالاثار والاماكن التي نطمح ان تضاف الى التراث العالمي وحمايته. كل هذه القطاعات وغيرها لم نسمع عن عقد اتفاقات بشأنها مع الدول الصديقة والرأسمال العالمي لتطويرها وتحسينها لتسهم في اضافات مالية الى الدخل الوطني وتخفف بنسب ملموسة من الاعتماد على النفط. يقال ان الاوضاع الامنية غير مستقرة ولا تساعد على تكوين بيئة ملائمة للاستثمار في الاقتصاد الوطني، هذا صحيح الى حد ما ولكن مناطق العراق ليست على درجة واحدة، هناك مناطق مستقرة ومهيأة وواعدة في ربحيتها اذا ما جرى تحسين البيئة القانونية والاجتماعية والقضاء على الفساد واعطاء صورة مغايرة لما هو عليه العراق اليوم، وكذلك التقييد باحكام القانون على الاقل بداية كي يعرف الشريك المستثمر في القطاع الخاص والاجنبي حدود وضعه.
المتخصصون منذ زمن يشخصون العوائق والساعون الى اقامة المشاريع بحت اصواتهم بالشكاوى من العراقيل، والنافذة الوحيدة التي تحدثت عنها الحكومات طويلاً لا تزال تتناسل الى نوافذ وكل وقوف امامها يتطلب مالاً وجهداً بحيث يجعل المشروع غير ذي جدوى، فيلجأ المستثمر الى الاستيراد الاسهل والاكثر ربحية والاسرع في تحقيقها. ان القوانين المعطلة واضيف اليها مؤخراً قانون الامر الواقع، وهو قانون العشائر للفصل في المنازعات مع الشركات الاجنبية وابتزازها مثلما حدث في البصرة، كلها طاردة للاستثمارات وتطوير الصناعات.
على اية حال ما يهمنا، هو توجه الدولة الى الاولويات والبدء في دوائرها ومؤسساتها اولاً وفي القطاع الخاص ثانياً، اننا نلاحظ على سبيل المثال الاهتمام بصناعة السيارات الصغيرة والتي اصبحت خردة في بلدان اخرى، ونهمل صناعة المكائن والمعدات للمعامل وللقطاع الزراعي، كما لا تزال صناعات استراتيجية أخرى مهملة ولا احد يعقد اتفاقاً لتطويرها وانتشالها، وعلى سبيل المثال ايضاً الصناعات البتروكيمياويات وتكرير النفط والحديد والصلب وما الى ذلك مما هو اساسي لبناء صناعة محلية متطورة ومواكبة لبلدان الجوار على الاقل.
العراق بلد يستورد كل شيء تقريباً ونادراً ما يصنع غذاءه وملبسه ومواد البناء ومنازله، وهذه من الاولويات المؤثرة في الحياة اليومية والتي تمتص اعداد غفيرة من البطالة وتخفف من الفقر المتفشي في ارجاء الوطن.