ليست بعيدة عنا الأيام الأولى لسقوط صنم المقبور، وكيف بعث هذا الحدث في نفوس أغلبنا -وليس جميعنا- أملا كبيرا لتحول كبير في حياة العراقيين، لاسيما الذين جايلوا عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والذين ذاق أغلبهم مرارة السياسة المتبعة آنذاك، والنهج الذي كان مفروضا عليهم رغما عن أنوفهم. فكانت أيامهم سائرة ككابوس في ليل بهيم، ولا أحد ينكر كم كانت صعبة -بل مستحيلة- الإطاحة بنظام صدام لو بقي الأمر على العراقيين وحدهم، وبدا هذا واضحا عقب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 يوم صار سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى من محافظات العراق جميعها، لولا اتباع نظام صدام سياسة القمع الدموي التي فتكت بالثائرين ضد النظام، والمطالبين بنهاية جثومه على صدور العراقيين، بعد أن انزلق البلد على يده شر منزلق، وضاع كثير من حقوق الشعب تحت أنقاض الحروب والسياسات الهوجاء التي مارسها ضد فئات البلد وشرائحه كافة.
ولكن الذي حدث هو تماما عكس ما تشتهي السفن، فقد بسط هذا الشبح جناحه المرعب على مدن الوسط والجنوب ومارس على سكانها كل مايمتلك من وسائل الانتقام، فأفرغ جام غضبه على المواطنين مستغلا الحصار يدا ضاربة ضمها الى باقي أياديه الضاربة المتمثلة بأزلامه وحزبه، فغاب خلف قضبان السجون من غاب وزهقت روح بعضهم، ولم يجد بعض آخر من الأحرار بداً من الهجرة خارج أرض الوطن للخلاص بـ (العزيزة)، ولم يتغير الحال إلا الى الأسوأ حتى جاء عام له أسماء عدة، فمنا من أسماه عام التحرير.. وآخرون أسموه عام الاحتلال.. وكذلك عام السقوط.. وعام الغزو.. وهو في كل الأحوال تحقق فيه حلم واحد هو الخلاص من الصنم، وهذا بحد ذاته غاية المنى والطلب ولكن..! الذي حدث بعد ذلك كان أكثر من مهول وأغرب من العجائب والغرائب، وقد هون العراقيون على أنفسهم وطأة الأحداث بإلقاء اللائمة في سوء ماحصل في بداية الأمر، على طريقة الإدارة سيئة الصيت التي أنشأها بول برايمر حينها. ولكن الأمر لم يقف على هذا الرجل لينزاح بانزياحه.. فقد كان لمن أخلفه ومن تصدر عتبات المراكز القيادية في البلد شر إدارة، ولم يفلح أحد من مسؤولينا بتجاوز المحن التي صادفت البلاد، بل كان الأمر أكثر سوءا، لاسيما وان الهادمين أكثر من البنائين كما يقول الشاعر:
لو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى
فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
وهذا الحال مازال قائما رغم تجاوزنا دزينة من الأعوام على ذاك العام المتعدد الأسماء، ويالخيبة العراقيين حين يرون الحال أسوأ بفعل الهادمين يوما بعد آخر، رغم حجم أملهم بمن ينتخبونه ورغم ظنهم بان القفز فوق العقبات يسير على يديه بانسيابية، ولكن..! يبدو ان العراقيين قد قاربوا الى حد ما وصف الشاعر في بيتيه:
عجبا للزمـان في حالتيه
وبـلاء ذهبـت منـه إليـه
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
ولهم في القادم من الأيام خفايا من ساستهم ومن الذين يتبوأون مناصب البت في قرارات الحاضر والمستقبل، فهاهم ساستنا يتحفوننا بين آونة وأخرى بشطحات وفلتات لها أول وليس لها في الأفق المنظور آخر، وهي لاتنم عن حرصهم على بلدهم ولا على شعبهم.