القاضي ينادي على شهود الدفاع عن المتهم …
الشاهد الأول : سيدي القاضي ( أنا صاحب ثروة فاسدة )، والحياة تستحق أن نعيشها بحق، بعيداً عن المبادئ والشعارات والهتافات، ولكي نصل الى المجد المنشود، علينا أن نجمع طرفيه ( المال والسلطة ) ولطالما كنا فاشلين في الوصول الى السلطة ونيل مراتبها، لتركيز وضعنا، بعد حصولنا على المال، قررنا أن نلعب مع صاحب العمامة، لعبة الحياة القذرة، اقتربنا منهم، لنطهّر أفعالنا، ونغسل أموالنا، من عفن سرقتها والاستحواذ عليها بشكل غير قانوني، سيدي القاضي، العمامة مقدسة، لا أحد يجرأ مَسّ جلالتها، فاندماجنا معها يعطينا المشروعية في الحياة، والحصانة من المساءلة، والمعمّم لا يَسأل حين يأخذ، فالمهم أن يقبض الثمن، ليكمل هو أيضاً دورته في الحياة، نشتري لهم القصور الفارهة، آنّى يشاؤون في العالم، نزقّهم بالمال زقّاً، ندعم كرنفالاتهم، مواسم خطاباتهم، نكثر اللحم في قدورهم، ننعّم الفرش من تحتهم، نجلس عن يمينهم، ونكتسب من نورهم، نحن المقربون الذين لايقربنا محاسب أو حاسد، تسيّدنا المجتمع، وامتلكنا مفاتيح جميع الأبواب .. سيدي القاضي، بقاءنا مرهون ببقاء هؤلاء، إن رحلوا، بانت عورتنا، وانكشفت حقيقة هويتنا، نحن اللامنتمون الّا الى أنفسنا، اتركوهم لنعيش
الشاهد الثاني : سيدي القاضي، أنا يسموني لگلگي، لولا العمامة، ما ساويت طاسة لبلبي، مجهولٌ نكرةٌ حقير، في المجتمع منبوذ وصغير، لحستُ مداس المعمّم كيما أصير، استعملتُ لساني حتى أطير، وأجتنب العيش كالصراصير، اقتربت شيئاً فشيئاً من ممالك هؤلاء، تسللتُ خفيةً وانحشرت بين الطوابير، كذبتُ وحرّفتُ صحف الحديث والمزامير، أقسمت زوراً، أنّ المرجعَ ملاك ماله من نظير، والمرجع بائسٌ بليدٌ لا يعرف هذه الفنون، ويجهل لغة الزرازير، انطلت عليه حيلتي، وصار قربي منه سلوتي، أُقدّس سرّه صباح مساء، انفضُ جلبابه بكرة وعشيا، اطبّل له بين الجماهير، أنسب له كرامات وأوهام، أنسبُ له أفعال الكرام، أنسب له كل فضيلة، حين يجلس وحين ينام، والمرجع ساكت مسترخٍ على تخرصاتي وما أقول، حتى أتت اللحظة المباركة التي لن تزول، صرتُ أنا المرجعُ، وهو عن كل ما أقول مسؤول، أُفتي لمن أشاء بما أشاء وأزيد في المنقول، ودعّت عالم القذارة وعيشة الطراطير، سيدي القاضي، لقد انتشلني المعمّم من عالمي السُفلّي، وسكتَ عمّا يصير، صرتُ بابه الذي منه يؤتى، وصوته الذي اختفى، ونوره الذي دنى فتدلى، فكان مني قاب قوسين أو أدنى .. سيدي القاضي، اتركوا المعمّم يعيش، فنعيش حتى الحياة تنجلي، فأنا لن أعود يوماً، طاسة لبلبي
الشاهد الثالث : أنا السُلطة، أنا الإمبراطور، أنا صاحب القبضة الحديدية، سيدي القاضي، هذا الماثل أمامكم، كان خير عون لي، في البطش بالناس واستملاك البلاد، برّر لي جرائمي، زكّى أفعالي، فتح لي طريق سحق الشعب، بارك جهودي في تسفير وطرد كل من لا يعجبني، من العباد الى خارج البلاد، كنت أحميه ويحميني، أغازله ويغازلني، تاركين الملايين في جدل حول سرّ علاقتنا، وعلى طول الخط، كانت العمامة في حساباتي، فبعضهم بالسرّ والعلن بايعني، وبعضهم أخفى أمراً وجهر بآخر، فتاواه الغبية في السياسة، كانت تغنيني عن حروب بكاملها، سلوكه المشوه، زاد من ضعف الكثير ممن يعارضوني، كنت أستخدمه كما أشاء، بدراية منه أو جهل، ضعيفاً كان أمامي على طول الخط، فهمّهُ الوحيد، كان عرشه التليد، عنوانه كمرجع ، وبحثه الخارج، وبيت المال، ودون ذلك، لا يُشغل له المعمّم بال .. سيدي القاضي، أدهشتني قدرته في المراوغة وتبديل الرأي والتناقض في المواقف، فكنت أسلّط بعضهم على بعض، وهم بكل غباء أو دراية يقبلون المهمة، أصابعنا كانت تكتب الكثير من فتاواههم، وعيوننا راصدة لكل سكناتهم، ومن يتجاوز خطنا الأحمر، ينقلع من الخريطة، ليأتي سلفٌ صالح، فيجلس في برانيّ الخلف الطالح، كرقع شطرنج نحركهم، نتسلى بهم، نقضى على جنود الخصم بهم، ووقتما نشاء، نقول للملك ( كش ملك ) .. سيدي القاضي، نحن بحاجة لهؤلاء
القاضي يرفع الجلسة للمداولة والنطق بالحكم بعدها
تصبحون على وطن
[email protected]
خاص بكتابات