ما من أحد منا ينسى القنبلة الذرية التي سقطت على مدينة ناكازاكي والتي أودت بحياة أكثر من 80,000 مواطن كلهم أبرياء، والتي مازال أبناؤهم وأحفادهم يدفعون ثمنا باهظا من جراء ما خلفته من اشعاعات تقطع الضرع والحرث والنسل. هذا ماكان في اليابان، ولو اتخذنا من الرقم الرياضي مقياسا لهول الخسائر، ودليلا على فظاعة الجريمة، لتبين لنا ان هناك جرائم أكبر من جريمة ناكازاكي بكثير، لكن الله ساوى بين الفرد والجماعة إكراما للجميع، مايدل على ما للنفس البشرية من قدر كبير ان كانت واحدة او اكثر، كما جاء في القرآن الكريم: “من قتل نفسا بغير نفس او فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”. وجل مانزل في كتاب الله يحث على الرفق بالنفس البشرية وعدم ايلامها والإبتعاد عن كل مايسبب لها الأذى العضوي والنفسي.
ولو تركنا اليابان وقنبلتها وهمَّها و (دردها) والتفتنا الى عراقنا الذي يحضننا بين نهريه، وتحدثنا عن يومنا الحالي، من دون العودة الى عهد الاحتلال العثماني، وبعيدا عن التنكيل بالعهد الملكي، او الإشادة والإطراء بزمن حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، او الذم والتشهير بسني حكم البعث. ولنقل العبارة المألوفة لدينا: (احنا ولد اليوم) ولنقلب اوراق السنين التي تجاوزت الخمسة عشر، والتي عاش فيها العراق تحت حكم سلطات انتخبها واختار شخوصها كما عهدهم، ولنرسم توضيحا بيانيا يتعامد فيه خطا العامل الزمني وعامل الانجاز الفعلي لأكثر من خمسة وثلاثين مليون نفس بشرية عراقية، وبعد استقراء بسيط للنتائج، نضع ماسببه المسؤولون عن سير هذين الخطين من ألم وموت ومرض وفاقة وتخلف في كفة ميزان الحكم، وقنبلة ناكازاكي الذرية في الكفة الثانية، ماذا يكون الحكم. وإنه لمن المفترض أن يكون بناء أول لبنة في العراق الجديد لحظة سقوط صنم صدام، حيث أطلق البعض عليه اسم هدام -وليت شعري أين البناة اليوم؟-.
نعم.. لقد كان من المفترض أن يكون البناء بأعلى درجاته في تلك الحقبة، وكان متوقعا أن يوضع حجر الأساس لبناء البلد بالشكل الذي يليق بالعراقي، عندما تمكن لسان المواطن البسيط من النطق بوجه الظلم والاستبداد وسلب الحقوق وتكميم الافواه. وبات بمقدور الجميع الاعلان عن سخطهم عن قانون او قرار مجحف يصدر من مجلس من المجالس، او هيئة من الهيئات العليا، فحرية التعبير عن الرأي مفتوحة أبوابها على مصراعيها.
لكن الذي حصل أن ساعدا يبني وعشرة سواعد تهدم وتهد مايعلو من بناء، فيكون الأمر كما قيل:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
ومن المؤكد ان المصير سيكون سيئا لو استمر الحال هكذا، وهنا يعود الأمر وحزمه الى ولاة الأمر في البيت العراقي الكبير، فهم رعاة ومسؤولون عن رعيتهم، وعليه يجب أن تكون أيديهم رحومة كل الرحمة للعراقي المحب للخير والبناء والتقدم، وفي ذات الوقت قوية شديدة البطش ببتر العنصر الفاسد في جسد الدولة بلا رحمة وهوادة، وبذلك يكون لكلمة سقوط الصنم جدوى وفائدة للعراقيين، والا فالعراق يكون في طريق الهاوية التي يلوح بها المغرضون بين الحين والآخر، ويكون البلد حينها نسخة طبق الأصل من (ناكازاكي).