22 نوفمبر، 2024 10:15 م
Search
Close this search box.

أيها الشايلوكيون الفجار عليكم بـ” فقه التجار” !!

أيها الشايلوكيون الفجار عليكم بـ” فقه التجار” !!

قبل أيام حل أحد اﻷصدقاء من المحافظات الشمالية ضيفا عزيزا علي في وقت متأخر نسبيا قبل إنطلاقه الى رحلة العمرة في صبيحة اليوم التالي من مطار بغداد الدولي ، خرجت مهرولا الى السوق ﻷشتري لوازم الضيافة وبسرعة أفقدتني نباهتي المعتادة في البيع والشراء.. أزعم ذلك .. ذاك أن اﻷسواق العراقية عموما أصبحت مرتعا – للقفاصة والنشالة والمتسولين – وإستحال خلط الرديء بالجيد في عرف التجار – شطارة – والغش في الميزان – لواته – وكثرة الحلف الكاذب – فهلوة – وبعد جولة خاطفة عدت محملا الى ضيفي بكل ما لايصلح للإستهلاك البشري ، بدءا بالسمكة المشوية التي جافت من الرأس الى الذيل ، تماما كالعملية السياسية -اﻷخطبوط قراطية – وإنتهاء بالدجاج الإكسباير ،مرورا بالطماطة – المفعوصة – والبطاطا الخضراء المشبعة بمادة” السولانين” السامة بسبب سوء التخزين والتي حذر موقع الصحة اﻷميركي من تناولها كونها تسبب الهلوسة والغثيان والإسهال ،أما عن الموز والتفاح والبرتقال فقد تبين وبعد وزنها بالميزان المنزلي أنها – طكة ناقص – فضلا عن اﻷجبان واﻷلبان وكلها منتهية الصلاحية من دون أن أكتشف حقيقتها ﻷنني كنت في عجلة من أمري وكان على الباعة أن يحكموا ضمائرهم ويبيعوا بشرف ونزاهة ﻷنها رفعة ووجاهة وإن كان الزبون غافلا عن ألاعيبهم وباﻷخص أن الكثير منهم كان يعلق من الصور المنسوبة للقديسين واﻷولياء والصالحين ربما لإصطياد المغفلين وليس تدينا – وهذا ما أرجحه – ما يشغلهم عن مراقبتهم وإكتشاف أحابيلهم عن كثب، وﻻشك أن من أشدهم خطرا هو ذاك الذي يتاجر بآيات الله تعالى ويمارس غشه تحت يافطة كبيرة مكتوب عليها اﻵية القرآنية الكريمة ” وﻻتبخسوا الناس أشياءهم ” وما دروا أن اﻵية التي تسبقها تتعلق بالبيع والشراء حصرا ، ألا وهي : ” وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ” ، فبأية قداسة تتاجرون ، وبأية صور تملأ جدرانكم بغية التغرير بزبائنكم تنافقون ؟!
الى هؤلاء وأشباههم أقول ومن باب ( سلح عقلك بالعلم ، خير لك من أن تزين جسدك بالجواهر) كما يروى على لسان الحكماء الصينيين ، عليكم بفقه التجار ، قبل أن تستحيلوا فجارا ، أقول ذلك إنطلاقا من خلفيتين ، اﻷولى إعلامية بصفتي أحد أبناء السلطة الرابعة ، والثانية تجارية لكوني أنتسب الى عائلة تمتهن التجارة أبا عن جد منذ العهد الملكي ، فبحكم عملي الصحفي في تحرير اﻷخبار أؤكد بأنه ﻻ تكاد تمر ساعة إلا وأنشر فيها أخبارا عن ضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية والدوائية التالفة والمسرطنة والمخدرة في المنافذ البرية والبحرية والجوية والمحال التجارية والمذاخر واﻷسواق وبكميات كبيرة جدا ﻻيعلم الى أين تذهب بعد إكتشافها ، هل الى المحارق ومواقع الطمر الصحي على وفق السياقات الصحية الدولية وضوابط اﻷمن الغذائي ، أم يعاد تدويرها الى اﻷسواق ثانية بأسماء تجار آخرين وبأوراق استيراد وتصدير مزيفة ، مصحوبة بعبارة – شووو عليه – !!
وبحكم التجارة التي علمتني يقينا بأن تجار العراق اليوم وكما في مسرحية ، وليام شكسبير، الشهيرة ( تاجر البندقية ) قد إنشطروا الى فريقين أجزم أن لاثالث لهما ، إما الى شايلوك اليهودي المرابي الجشع ، وإما الى أنطونيو ، التاجر النزيه الذي يبيع بشرف ﻻبد للتجار أن يتحلوا به حفاظا على السمعة في أقل تقدير !!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في طريقه الى المسجد ، فَرَأى النّاسَ يَتَبَايَعُونَ فقَالَ “يَا مَعْشَرَ التّجّارِ” فَاسْتَجَابُوا له ، ورَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ. فقَالَ “إنّ التّجّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجّاراً. إلاّ مَنِ اتّقَى الله وَبَرّ وصَدَقَ”.
التجارة في العراق اليوم إلا ما رحم ربك عبارة عن – شرارة ستحرق اﻷخضر واليابس ولا أقول شطارة – بكل ماتعني الكلمة من معنى ، حيث الغش في الميزان والتطفيف في المكيال ، بيع الرديء وعدم إخبار الزبون بذلك ، خلط الرديء بالجيد وبيعهما سوية لزيادة الوزن ، كثرة الحلف الصادق والكاذب (اليمين الغموس) لتمشية البضائع ، كثرة الصخب والفحش والتفاحش بين التجار في اﻷسواق ، التحرش وإنتهاك الحرمات وإعمال البصر في العورات ، عدم قضاء الديون – التغليس – والمماطلة فيها أو إنكارها بالتقادم ناهيك عن التعامل بالفايز – الربا – ، التعامل بالبضائع الإكسباير بعد تغيير تأريخ النفاد ،إستيراد البضائع واﻷدوية المضروبة وبيعها في أكياس وعلب أنيقة للناس لخداعهم ( وهذا يشمل كل انواع اﻷجهزة والمعدات وقطع الغيار والتجهيزات المنزلية والصناعية والزراعية والرياضية ..الخ ) ، الإمتناع عن إخراج الزكاة عمدا وبخلا، لا سهوا أو جهلا مع إمتلاك نصابها ،الإمتناع عن إخراج الصدقات كليا مع إمتلاك ما هو فائض عن الحاجة بالاف المرات ،الإحتكار برغم حاجة الناس الماسة الى الغذاء والدواء لرفع أسعاره في اﻷسواق ، بيع المحرمات كالخمور والمخدرات والسلاح بأنواعه والملابس الفاضحة التي لاتناسب مجتمعاتنا المحافظة الى عوام الناس وخواصهم ، دفع الرشى والتعامل بها – دهن السير أو الزردوم كما يطلق عليها محليا – لتسهيل مرور البضائع عبر الجمارك والمنافذ الحدودية وضمان عدم تفتيشها وإخضاعها للتقييس والسيطرة النوعية – هذا إن وجد تقييس أصلا – ، ارتياد الملاهي الليلية والكابريهات ودور البغاء السرية والعلنية في بيروت ودمشق واسطنبول وتايوان وهونغ كونغ وبانكوك وشنغهاي وغيرها من المدن والعواصم التي دأب التجار العراقيون على الإستيراد منها وحدثني بعض منهم بأن ما ينفقه هؤلاء الديناصورات بإمكانه ان يطعم مخيمات للنازحين بأكملها ومنهم من يحرق العملات الصعبة ويشعل بها السجائر بتأثير الخمر ومنهم من ينثرها فوق رؤوس الراقصات ، هذا اضافة الى تبديد اﻷموال بالملايين – بلا وجع قلب – على موائد القمار وفي حلبات الرايسز ، عدم الوفاء بالعقود ولا بالمواعيد ولا بالعهود إلا فيما ندر ، عدم حفظ اﻷمانات وكثرة الخيانات واستشراء السرقات والاختلاسات بينهم والتعامل بالصكوك والعملات المزورة ، حرق المحال والمخازن التجارية بين الحين واﻷخر في حرب غير معلنة بين أسماك قرش التجار ضد بعضهم بعضا وإتهام التماس الكهربائي بذلك ، الإستعانة بمرويات موضوعة لا أصل لها شرعا لترويج البضائع نحو ” فضل الموز ، الباذنجان ، الفراولة ، عصير الزبيب ، عصير البطيخ ، فضل البخور ، الحرمل ” الخ ” ، استيراد مواد من الدرجة العاشرة وترويجها في اﻷسواق المحلية على أنها درجة أولى ، تغيير أصل المنشأ عمدا من الصيني الى اﻷلماني ، السويسري ، الياباني ، الكوري وتزوير أغلفتها التي تطبع محليا أو يتم إستيرادها جاهزة لهذا الغرض ، مضاعفة اﻷرباح بشكل فاحش من دون ضوابط تذكر و حدثني من أثق به أنه إستورد بضاعة أصلية بـ 4 $ للمفرد فباعها، التجار المحليون بعد شرائها منه بـ 15 $ للمفرد ، فما كان منه إلا ان رفع السعر الى 8 $ فباعوها بـ 20 $ !!
لاتقل لي أين الرقابة إطلاﻻﻻﻻﻻﻻﻻقا فبسمكة واحدة – تلبط + 25 الف دينار بإمكان التاجر بيع المحرمات جهارا نهارا ، عيانا بيانا بالتنسيق مع الرقيب شخصيا وبمعيته وهما ينشدان مخمورين ” ما أطيب السمكة، تشوى على النار ، انت في كارك وانا بكاري ، ووووصفكة صفكة صفكة هععععع ” ، أخلاق زبالة !!
فحي على إحياء (فقه التجار) قبل أن يتحولوا الى فجار ، هذا إن لم يكونوا قد تحولوا مصداقا للحديث النبوي الشريف واقعا الى ذلك، وأقترح بتعليق أخلاقيات التجارة وقوانينها على شكل نقاط مخطوطة على لوحات كبيرة عند مداخل اﻷسواق الكبيرة ومخارجها تتبناها الجهات ذات العلاقة لتذكير البائع والمشتري بحقوقهما وواجباتهما ، مع تكثيف الدوريات الرقابية واللجان التفتيشية ومحاسبة المقصرين ، والتذكير الدائم بذلك في خطب الجمعة والمجالس والدواوين العشائرية ، والحث عليها في الندوات والمؤتمرات التي تتناول النزاهة ومحاربة الفساد ﻷنه وكما جاء في اﻷثر أن تسعة أعشار الرزق في التجارة وّأذكرهم جميعا بقوله صلى الله عليه سلم ” التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ” فكن أيها التاجر صدوقا بارا لتنفع الناس وتنجو من خزي الدنيا و عذاب الاخرة ، وﻻ تكن “شايلوكيا ” فاجرا فتهلك وتهلك الناس معك في زمن العسرة العراقية التي أبكت البعيد قبل القريب . اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات