18 ديسمبر، 2024 11:12 م

أين يتعالج المريض العراقي غير المصاب بوباء كورونا ؟!

أين يتعالج المريض العراقي غير المصاب بوباء كورونا ؟!

الحمد لله كل الحمد على ما انعم على بلدنا بوجود خلايا ولجان خاصة لمواجهة وباء كورونا الذي اجتاح كل البلدان ، فلدينا اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية ولدينا خلية الأزمة المشكلة في وزارة الصحة الاتحادية وخلية ألازمة البرلمانية وخلايا للازمة الصحية في إقليم كردستان وفي المحافظات ، وهي تشكيلات لا غبار عليها ولكن رغم جهودها وقراراتها وإجراءاتها إلا إن بلدنا بات يحتل التسلسل 23 عالميا ( من بين 188 دولة ) من حيث عدد الإصابات بالوباء التي تجاوزت 94 ألف حالة حتى ساعة كتابة هذه السطور ، وهذا التسلسل يحمل الكثير من الغرابة والتساؤلات لأن عدد الإصابات في العراق بات أكثر من عدد الإصابات في الصين ( 85 ألف ) رغم إنها موطن الوباء ونحن بعيدين عنها بآلاف الأميال ولا تربطنا معها سوى اتفاقية لا تزال مجرد حبر على ورق ، والحق يقال إن الجهات الصحية المعنية ومنها الجيش الأبيض الذي قدم أعظم التضحيات لم يدخروا جهدا في محاصرة وتطويق الوباء ولكن الأمور خرجت عن السيطرة ، بدليل ارتفاع عدد الإصابات من عدد أصابع اليد في البداية إلى أكثر من ألفين يوميا ، رغم تطبيق نظام الفردي والزوجي والحظر الجزئي في أربعة أيام والكلي لثلاثة أيام في الأسبوع ، ولم تحدد الأسباب الحقيقية لانتشار الوباء فكل ما يطرح اتهامات لا تزال موضع جدال لم يحسب موضوعها لحد اليوم ، وإذا أردنا التحدث عن كورونا ومصائبها فإننا نحتاج للتوسع أكثر من باب التحليل والاستنتاج ، ولكننا اليوم بصدد طرح تساؤل مهم يردده الكثير إن لم نقل الجميع ، وهو لماذا ركزت الجهات المعنية على الوباء وتناست او أهملت الأمراض الأخرى التي تصيب السكان ؟؟ .
فالثابت في الواقع الصحي إن العراقيين يراجعون المستشفيات الحكومية ليس من باب الهواية وإنما لحاجات أغلبها حقيقية ، فحسب إحصاءات بهذا الصدد فان عددهم يتراوح بحدود 80 مليون مراجع سنويا وهذا العدد لم يكن بخاف على احد ، فمستشفيات بغداد ومنها مدينة الطب او مستشفيات المحافظات لا تنقطع عنها المراجعات والازدحامات ليلا ونهار سواء في العيادات الاستشارية او الخارجية او ردهات الطوارئ ، ونسبة إشغال الأسرة كانت تشكل أرقاما مرتفعة عند المقارنة مع غيرنا من الدول في هذا المجال ، وفي ظل تخصيص أغلب المستشفيات العامة او غيرها للأمور الوبائية من باب الاضطرار نجد انخفاضا كبيرا جدا لعدد مراجعي المستشفيات الحكومية ، أما بسبب عدم السماح لهم بالمراجعة او تخوفا منهم من الإصابة بعدوى الوباء او لعدم علمهم أين يراجعون لان دوائر الصحة لم تعلن عن بدائل للمراجعات ، فدوائر الصحة في بغداد والمحافظات لم تفصح عن خططها البديلة في استقبال المرضى غير المصابين بكورونا سواء ما يتعلق بالحالات الطارئة او الباردة ، والكل يعلم إن لدينا عشرات او مئات الآلاف من المصابين بالإمراض المزمنة او الذين يتعرضون لحالات مرضية في الباطنية والقلبية والجراحة وغيرها من عشرات او مئات الأمراض ، فالمراكز الصحية التي يفترض أن تكون الخط الأول للمراجعة تكرس اغلب جهودها للحوامل والأطفال وخدمات الرعاية الصحية الأولية ويعمل فيها أطباء ممارسين ( GP ) وليس بإمكانهم معالجة إلا جزءا صغيرا من الحالات في ظل غياب التخصص وعدم توفر أجهزة التشخيص والأدوية والمستلزمات ، كما إن العيادات الطبية الشعبية التي كانت ملاذا لمرضى الإمراض المزمنة وغيرهم تحولت إلى دور تراثية فقد يتواجد فيها طبيب واحد مقيد من كل الجهات ، لأنها تفتقر إلى الأدوية منذ سنوات وتعتمد على ما توزعه لها وزارة الصحة من كميات لا تسد 10% من الاحتياجات في أحسن الأحوال ، والسؤال المشروع هو أين يذهب أل 80 مليون مراجع في مثل هذا الوصف البسيط في ظل أوجاع وآلام ومضاعفات وأخطار الأمراض ؟ .
ولو افترضنا إن 50% من مراجعي المستشفيات بحاجة ملحة للمراجعات ، فان ذلك يعني إن ما لايقل عن 30او 20 او 10 مليون حالة مرضية قد تركت ( منذ بداية الجائحة حتى اليوم ) بدون غطاء طبي للبحث عن بدائل لمعالجة أمراضهم او إنهم تركوها لمشيئة الله ، وربما بعضهم تعرض للموت بسبب المضاعفات او غيرها من الأسباب ، وللأسف لم نجد إحصائية تقارن بين عدد وفيات كورونا وعدد وفيات الأمراض الأخرى ، كما لم نجد إحصائية تقارن بين عدد الوفيات للفترة نفسها للعام الماضي والعام الحالي بغير وباء كورونا ، الاان ما تأكد للغالبية إن الكثير من المرضى لجاوا إلى بدائل عن المراجعة للمستشفيات الحكومية أبرزها :
. مراجعة العيادات الخاصة والمجمعات الطبية مما أدى إلى زخم شديد للمراجعة .
. شراء الأدوية بشكل مباشر من الصيدليات بطريقة ( By hand) الشائعة محليا .
. مراجعة المستشفيات الأهلية التي ازدادت إعمالها وأسعارها بشكل واسع وكبير .
. الاعتماد على خبرات المعاونين الطبيين والمضمدين ومنهم يتجاوز الصلاحيات.
. إنعاش تجارة العشابين وبعضهم يدعون زورا بخبراتهم لمعالجة كل الأمراض .
. الاعتماد على خبرات الغير للمعالجة ممن مروا بنفس الأمراض بطرق جاهلة .
ولأسباب ودوافع غير معلنة وربما تعرفها الجهات المعنية فقد صدرت التوجيهات بغلق العيادات الخاصة والمجمعات الطبية ابتداءا من 5 تموز الحالي ، وهنا بقي المرضى يتساءلون ما هو البديل لمعالجة ومتابعة حالاتهم المرضية وهم على مواعيد وجلسات ويحتاجون إلى استشارات لحالاتهم وقد تم إبعاد أطبائهم عن العلاج ، وقد صدرت بيانات من وزارة الصحة بأنها ستعالج الحالة من خلال فتح العيادات الاستشارية لأربعة ساعات يوميا ، ولم يجد هذا الخبر مجاله للتطبيق مما أبقى العديد من المرضى وعوائلهم يعيشون المتاهات وبعضهم يضطر للتعكز على المعثرات في ولوج العلاج اجتهادا مما أرهق بعض المرضى وعوائلهم ماديا ومعنويا .
والغاية من هذا العرض ليست الدعوة إلى إعادة فتح العيادات الخاصة والمجمعات الطبية قط لأنه أمر متروك للجهات المعنية في ضوء ما تراه مناسبا ، ولكن الهدف هو التذكير بأنه ليس من المعقول أن تنشغل وزارة الصحة وبقية الأجهزة المعنية في الدولة بوباء كورونا وتترك الخدمات الصحية الأخرى لعموم المواطنين لان في ذلك ذنب كبير ، ورغم يقين الكثير إن هذه الجائحة ظالمة ويمكن أن تفتك بالعراقيين جميعا ، ولكن نسبة ومعدلات الإصابة بالإمراض الأخرى مثبتة في السلاسل الزمنية لجهات الإحصاء الحياتي والصحي حسب الأشهر والسنين السابقة والحالية كما إن أسباب الوفيات قبل كورونا معروفة للجهات الصحية ، ولهذا لا يمكن أن نترك الحاجات الصحية والحوادث والطوارئ والإمراض الأخرى للأقدار ، دون أن نهمل حقيقة نسبة الفقر التي يقال أنها ارتفعت إلى أكثر من 40% في زمن الوباء بسبب توقف او تعثر الكثير من الأعمال ، وكان من المفروض بخلية الأزمة او غيرها منذ بداية عملها أن تضع خطتين مترادفتين او بأية تسمية بحيث تمنع توقف تقديم الخدمات الصحية من خلال تقسيم المؤسسات الصحية إلى وبائية وغير وبائية وعدم السماح بالتداخل بين الاثنين ، فتوقف او قصور الخدمات الصحية ( الاعتيادية ) يخالف مواد كثيرة في دستورنا لعام 2005 كما انه يخالف مواد كثيرة في قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981 ( النافذ حاليا ) كما انه يتقاطع مع الأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في الحصول على خدمات صحية لائقة ، وان ما حصل في بلدنا من قصور في تقديم تلك الخدمات لم يحصل في اغلب البلدان التي تعرضت لحالات اشد في التصدي للجائحة ، ونعتقد إن السبب ليس في محدودية الملاك الطبي والصحي والخدمي او الموارد المادية فحسب وإنما لسوء التخطيط والإدارة التي يجب إن تأخذ كل الاعتبارات والاحتمالات ، وما نخشاه فعلا ومن باب الحرص على شعبنا ( لاسمح الله ) ، هو أن نخرج يوما لا نحن فالحين مع الوباء ولا في تقديم القدر اللازم من الخدمات الصحية للمواطنين غير المصابين ، ونرجوا مع التقدير والعرفان للجيش الأبيض بكل مكوناته من الوزير إلى الغفير إن يعاد النظر بالإجراءات الصحية بما يسمح لجميع المرضى بمراجعة مستشفيات معروفة ومعلنة لتقديم الخدمات الصحية وهم يشعرون بالثقة والأمان من الوباء ، ومن الضروري الإعلان عن المستشفيات التي فيها وحدات طوارئ على مدار اليوم لكي يلجا إليها المواطن في وقت الحاجة الفعلية ، لان المستشفيات الأهلية ليس فيها وحدات طوارئ كما إن ليس فيها خفارات واغلبها تغلق مع مواعيد الحظر الجزئي وهي لم تصمم للحالات الطارئة والفقراء .