20 مايو، 2024 12:21 م
Search
Close this search box.

أين نحن من الحكومة المثالية لأمير المؤمنين(عليه السلام)؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

أغلب الإسلاميين المتصدين للعملية السياسية بعد التغيير يزعمون أنهم من اتباع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، بيد أن أعمالهم لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بسيرته وعدله وزهده وحكمته، وهكذا كانت حكومة أمير المؤمنين عليّ (عليه الصلاة والسلام) حيث طبق منهاج الإسلام الصحيح الذي أنزله الله تعالى إلى الأرض، لأجل راحة العباد وعمران البلاد، بينما ادعياء الولاية قد جلبوا بنفاقهم وجشعهم الويلات للعباد والدمار للبلاد وأرجعونا القهقري لعشرات السنين إلى الوراء.فترى جليا حكم أمير المؤمنين النموذجي أشياء لعلّ البشر يستغربها في عصرنا الحاضر، ومن هنا يعلم السر في قول سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة) ولا نزال نراوح مكاننا بل ننتكس الى الوراء ما دمنا بعيدين عن منهج أهل البيت عليهم السلام الذين أسسوا نظام الحكم العادل الذي ينضوي تحت لوائه الانسان، ذلك المخلوق الذي فضله الله تعالى على سائر مخلوقاته بالتكريم والتبجيل والسيادة، ليشق طريقه وسط الزحام التراكمي للحياة ريثما يصل إلى الحياة الحرة الكريمة، تقديرا لنعمة الكمال والعقل التي تؤتي أكلها اذا استغلها الانسان لإسعاد بني جنسه في بعدها الايجابي، ولكنها تكون وبالا عليه اذا ما سخرها في بعدها السلبي.
وقلما نجد نظاما قام بتوفير المسكن والمأكل والمشرب وسائر الخدمات لكل الناس مثلما نجده في حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) الذي قام بتشييد أسس الحياة الحرة الكريمة، رغم ما واجهه من مشاكل وحروب داخليه أشعلها الناكثون والقاسطون والمارقون في فترة حمكه القصيرة التي دامت زهاء الأربع سنوات، علما أن حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت واسعة جداً، تشمل ما يقارب خمسين دولة حسب خارطة اليوم، منها مصر والحجاز واليمن وإيران والخليج والعراق وغيرها، فهي أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، ومع ذلك وفر الإمام (عليه السلام) بسياسته الحكيمة كل ذلك لكل شعبه، أما حكومتنا المنتخبة فإنها وبدل ان توظف عائدات البترول الهائلة لتوفير الخدمات طيلة الثلاث عشر سنة التي مضت من زمن التغيير انغمست في تأجيج الفتن الطائفية وانصرفت عن اغاثة الشعب واعمار البلاد وتوغلت في فسادها وتلبية مطامعها الشخصية والحزبية والقومية غير عابئة بما سيؤول إليه مصير الأمة التي لاقت ما لاقت من دمار وخراب جراء سياستهم المشؤومة وخيانتهم الماحقة وجشعهم المارق الذي لا يحده حد ولا يصده صد.من الطبيعي أن الإمام (عليه السلام) طبق قانون الإسلام بكامله، فالقانون الشرعي يقول: (الأرض لله ولمن عمّرها).( الكافي: ج5 ص279 ح2) فكان (عليه السلام) يعطي الأرض للناس مجاناً، ثم يساعدهم من بيت المال لأجل إحياء الأراضي وعمرانها بالزراعة والاعمار والسكن، مضافاً إلى أن التجارة والزراعة والصناعة وغيرها كانت في حكومته (عليه السلام) حرة، وكان الناس ينتفعون بمختلف المكاسب ويحصلون على الأرزاق المحللة، بالإضافة إلى ما كان يقسم عليهم الإمام (عليه السلام) من بيت المال، وكان الناس يحصلون على الماء بحفر الأنهر والآبار، وذلك بملأ حرّيتهم، ومن دون أية ضريبة أو إجازة أو ما أشبه.
وبذلك كله تمكن الإمام (عليه السلام) أن يهيأ لعموم شعبه المسكن والرزق والماء، وهذا ما لم تتمكن منه حتى البلاد الغربية التي تدعي أنها وصلت إلى قمة الحضارة في يومنا هذا، فضلا عن حكومتنا المنتخبة التي فشلت في توفير السكن اللائق والعمل المناسب والخدمات التي تحافظ على كرامة الانسان من قبيل النظافة والمجاري والماء الصالح للشرب والكهرباء وسائر الخدمات الأخرى، فإنها إما معدومة أو متلكئة بالرغم من الميزانيات الانفجارية التي كانت وما تزال تتمتع بها حكوماتنا المتعاقبة بعد التغيير لحد الآن، ولكن المحاصصة التي ضربت أطنابها في جميع مرافق الدولة قد اجهضت المشروع الاصلاحي التنموي الذي كان يطمح اليه الشعب العراقي بعد خلاصه من حقبة البعث البائد.  
وعند اجراء مقارنة بسيطة في زماننا الذي تتقاطر فيه جيوش الفقراء والأرامل والأيتام والعاطلين عن العمل الذين يعانون من أبسط مقومات العيش الكريم، نجد أننا في واد وسياسة أمير المؤمنين في واد آخر، فالتاريخ يذكر أنه لا يوجد حتى فقير واحد في بلاد الإمام (عليه السلام) وقد انتفت البطالة أيضاً في ظل حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجود الكسب الحلال لكل إنسان، ولم يكن يوجد في بلاد الإمام (عليه السلام) الواسعة حتى محتاج واحد، فقد قال (عليه السلام) في كلمة له: (لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع). ( ارشاد القلوب: ص14) فان في استعماله (عليه السلام) كلمة (لعل) إشارة إلى نفي الفقر عن البلاد بحيث لم يكن القائد متيقناً بوجود فقير واحد، وقصة الإمام (عليه السلام) مع النصراني المكفوف مما يؤيد هذا المطلب أيضاً: حيث كان الإمام (عليه السلام) في شوارع الكوفة.. فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف (عليه السلام) متعجباً وقال (عليه الصلاة والسلام): ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي انه (عليه السلام) رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟
قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف.
فقال الإمام (عليه السلام): ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً. (راجع وسائل الشيعة: ج11 ص49 باب19 ح1).
دولة العدل الإلهي التي اسس لها امير المؤمنين في الكوفة في غضون أربع سنوات ونيف، لو قدر لها البقاء لأغدق الله تعالى النعم على العباد وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن مؤامرات الفجار والفسقة والظالمين حالت دون ذلك، ولكن الإمام علي عليه السلام قد أسس للعدل والقسط في توزيع الثروة وتكافؤ الفرص في توفير الأعمال للجميع كل حسب ما يحمل من مواهب وقدرات ذهنية وجسمية، وصولا إلى حالة الرفاه والتكافل الاجتماعي.
والطامة الكبرى ان الذين يدعون الانتساب الى امير المؤمنين ممن تصدوا للعملية السياسية في العراق بعيد سقوط الصنم، هم بعيدون كل البعد عن زهده وعدله وكياسته في الحكم، فتراهم فشلوا ذلك الفشل الذريع في مشروعهم الذي أطلقوا عليه زورا وبهتانا بالمشروع الاسلامي، ولا يحق لأحد كائنا من كان أن يدعي الانتساب لدولة أمير المؤمنين من دون أن يواسي الفقراء بمعيشتهم، ومن دون أن يقدم المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة، وما نراه اليوم من الساسة الجدد مغايرا تماما لما كان عليه امير المؤمنين نهجا وزهدا ودستورا ومآلا. 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب