18 ديسمبر، 2024 6:21 م

أين نحن من إدارة الجودة الشاملة ؟

أين نحن من إدارة الجودة الشاملة ؟

تتبنى المؤسسات والشركات الانتاجية و الخدمية الناجحة تطبيقات المفاهيم المتعلقة في إدارة أنظمة الجودة للسعي في تحقيق التحسين المستمر على مستوى الاداء العام لها باتجاه المسار الأمثل نحو الوصول الى الاهداف التي وجدت من أجلها ،
ويشمل هذا المؤسسات العاملة الأخرى ذات العلاقة في حياة المجتمعات كالمؤسسات التعليمية والعسكرية والامنية…….. الخ.
في هذا المجال وضعت معايير عالمية معتمدة لغايات تقييم الاداء للمؤسسات المختلفة لتحديد مديات تطابق المنتج بانواعه مع الشروط والمواصفات القياسية وتأشير درجة الحيود أو المغادرة في عمل هذه المؤسسات ، و غالبا ً ما يعتمد التقييم على مصادر معلومات محددة ومحايدة منها المعاينة الحسية للمنتج أو بوساطة الاستبيانات الخاصة باستدراج أراء الزبون تجاه نوعية وجودة السلع أو الخدمات ، وعلى وفق نتائج هذا التقييم وما يتضمنه من مؤشرات الانحراف عن مقاييس الجودة المعتمدة تقوم الادارات العليا في المؤسسات المعنية بوضع خطط وبرامج محددة وفاعلة لتطوير عملها وقد يمتد ذلك الى التعديل الجزئي أو الشامل للسياسات المتبعة من قبلها .
ولأهمية هذا الجانب الأساسي شرعت المؤسسات بمختلف صنوف القطاعات باستحداث أقساماً خاصة له تحت عنوان السيطرة النوعية مهمتها مراقبة الجودة في كافة مراحل العمليات الانتاجية مع تسخير أذرع مجساتها للتأكد من وصول المنتج وهو مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة الى المستهلك النهائي ، بالاضافة الى ذلك ولغرض تقوية الموقف التنافسي تسعى الكثير من المؤسسات المختلفة الى الحصول على الشهادات الدولية من الجهات المانحة لها وهي شركات عالمية متخصصة مهمتها تدقيق شروط منح هذه الشهادات بعد قيامها بتدقيق توافر شروطها بوساطة القيام بزيارات ميدانية لمواقع عمل المؤسسة طالبة الشهادة ، ومن أجل تعزيز ثقة الزبائن بالمنتجات تسعى هذه المؤسسات الى الحصول على علامة الجودة من جهات محايدة ومعترف بها رسميا لتقوم بطبعها على ملصق يوضع على المنتج النهائي لها .
من جانب اخر وفي العديد من الدول وبهدف ضمان حماية فاعلة للمستهلكين تم تأسيس جهات حكومية متخصصة لمراقبة مطابقة المواصفات المعتمدة للمنتجات وتوعية المواطنين بما يتعلق بجودة السلع كما أسست جمعيات خاصة تعمل بهذا التوجه تتلخص مهامها في مساندة المستهلك لدى الجهات القضائية وتبصيره بالمنتوجات المطروحة في الاسواق وتحريضه على عدم اقتنائها في حالة مخالفتها لشروط الجودة حفاظا على سلامته حيث حملت عنوان ( جمعيات حماية المستهلك) والتي كان حضورها واضح التأثير في تحفيز المؤسسات على تطوير منتجاتها.
إن الاجراءات التي تخص مراقبة الجودة لا تقتصر على السلع والخدمات المنتجة محليا ً بل يتعدى ذلك الى المستوردة منها وهذا يستدعي بناء قدرات مهنية نزيهة توكل اليها عمليات التدقيق الشامل للأقرار على صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات المعتمدة قبل السماح بدخولها البلاد و عرضها في الاسواق المحلية لتكون في متناول المواطنين ، وهنا لابد من الاشارة الى اهتمام الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ بداية ستينيات القرن الماضي في وضع أنظمة خاصة لمراقبة جودة المنتجات المختلفة حيث كان استحداث هيئة المواصفات والمقاييس وإصدار القانون بالرقم ١٥ لسنة ١٩٦٣ م لتنظيم عملها وما تلا ذلك من لوائح وتشريعات تصب بنفس الاتجاه ، فكان القانون بالرقم ٩٢ لسنة ١٩٧٣م الخاص بالرقابة الصناعية وما أعقب ذلك من إصدار قانون الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بالرقم ٥٤ لسنة ١٩٧٩م تأكيدا ً على هذه السلسلة من الاهتمامات .
إن ما يعانيه العراق حاليا ً من فقدان المراقبة على جودة السلع والخدمات المنتجة محليا أو المستوردة منها يعد من أبرز التحديات القائمة وعلى المعنيين من القائمين على السلطة وضع الاجراءات الصارمة لمنع وصول المنتجات الضارة المصنعة في الخارج الى المواطنين نتيجة لضعف الرقابة الحدودية ، أما على مستوى الانتاج المحلي وعلى الرغم من وجود أكثر من ٥٠ الف مصنع تم تعطيله بعد سنة الاحتلال عام ٢٠٠٣ م لأسباب مختلفة إلا إن الضرورة لاتزال قائمة الى تطوير اللوائح والانظمة الخاصة بالمواصفات العراقية يوازي هذا توفير شروط الدعم المهني للدوائر الرقابية العاملة وتحصين العاملين فيها من الوقوع في مستنقع الفساد السائد .
إن منع إستيراد البضائع الفاسدة أو المصابة بعيوب تصنيعية تعد من أولى المهام الملقاة على الملاكات الوطنية العاملة في الجهاز الحكومي ولا يقتصر ذلك على السلع الغذائية أو الاجهزة والمركبات وما الى ذلك من منتجات مختلفة بل يتعدى ذلك الى جميع ما يتم إستيراده من سلع وخدمات فعلى سبيل المثال : يستورد العراق بحدود ١٢٠٠ ميكاواط ( معدل) من الطاقة الكهربائية المصنعة في إيران عبر خطوط نقل تعمل بجهد ١٣٢ كيلو فولت لتغذية بعض المناطق القريبة من الحدود الشرقية للبلاد حيث جرى هذا بعد فصل التغذية الكهربائية لها عن المنظومة الوطنية العاملة…. غالبا ً ما يشكو سكان هذه المناطق من مستهلكي الكهرباء الايرانية من الهبوط في مستوى الفولتية عن القيمة المعتمدة وكذلك عدم الاستقرار في انسيابية التيار الكهربائي الواصل اليهم مما يؤثر على عمل وسلامة الأجهزة المنزلية المستخدمة .
ما أوردته آنفا ً يعد نموذجا واضحاً على أرض الواقع للانحرافات الحاصلة والمؤشرة في مواصفات وجودة الخدمات المقدمة للمواطن والتي تستدعي حزمة من الاجراءات بهدف السيطرة على نوعيتها مع إستمرار العمل في نشاط المراقبة الدقيقة لمنع الحيود عن المواصفات القياسية وللحد من الهدر الحاصل في الثروات الوطنية نتيجة للتهاون المتعمد أو عدم الاكتراث لضرورات تطبيق أنظمة مراقبة الجودة المعمول بها في دول ألعالم المتحضرة والتي تحكمها سلطات وطنية مستقلة نزيهة .

* مهندس استشاري