18 ديسمبر، 2024 8:43 م

قبل الاجابة على هذا التساؤل، من الضروري ان نعرف من هو علي الزبيدي. وفي الجواب نقول: انه احد منافذ توزيع الصحف والمطبوعات الاخرى، وهي في طريقها للقارئ. وفي رسالة وردتني منه منذ سنوات، قال الزبيدي: انا عاشق للصحافة. وضعت صحافة بلادي بين ضلوعي، احميها من حر ومن برد. انها عشقي وحياتي.
قلت لعائلتي
اضاف علي الزبيدي برسالته: قلت لعائلتي كفنوني بورق الصحف حين اموت. في تلك السنوات افترش الموزع علي الارض تحت جسر عبور المشاة في ساحة المتحف بمنطقة العلاوي، الذي يؤمن عبور المشاة بين جامع (بنية) ومحطة السكك. تحت هذا الجسر الحديدي كان موزع الصحف والمطبوعات علي الزبيدي، يأمل في حماية نفسه من حر الصيف. ولكن هل يحميه هذا الجسر ويحمي مطبوعاته من برد ومطر الشتاء. حين التقيته في مطلع تسعينات القرن الماضي، كان ظهره قد تقوس، وبصره ضعيف، ويعاني من هموم عمل صعبة.
رسالة بورق الصحف
الرسالة التي وردتني من علي الزبيدي، مطولة. وقد استخدم فضلات ورق الصحف لكتابتها وبمقاس (بطال) الذي يعرفه الطباعيون والصحفيون جيداً، ثم حشر كل تلك الصفحات العريضة في ظرف وارسلها لي على عنواني الذي يعرفه.
واثر رسالته، كتبت عن مشاعري تجاهه خاصة، واصحاب اكشاك بيع الصحف عامة، في تسعينات القرن الماضي في جريدة عراقية يومية، تحت عنوان: (ماذا يريد علي الزبيدي). ويبدو ان الكاتب والمكتبي البصري اليساري جاسم المطير، وقد اطلع على ما كتبته. كما اطلع ايضاً على ما كتبته عن موزعة الصحف في البصرة (ام علي). سألني المطير في حينها: ماذا يمكن ان نساعد هذين الموزعين؟ ويومها تبادلنا افكاراً حول هذا الموضوع.
غاب علي واختفى الجسر
وانقطعت صلة التواصل بيننا. غاب علي. وكانت امواج الاحداث تضرب شواطئ الحاضر العراقي بعنف. وبالتالي كانت صعوبة في تفقد صديق او زميل عمل. لكني- رغم ذلك- تذكرته. وقصدت ساحة المتحف. وبالذات الرصيف المجاور لجامع (بنية). بحثت عن علي الزبيدي فلم اجده، ولم اجد صحفه. ولم اجد الجسر الذي كان يستظل به. فقط وجدت: الجسر الجديد، وسيارات النقل والمارة، وضجيج الشارع. لم اجرؤ على السؤال عنه خوفاً من خبر محزن. وبقي عاشق الصحف علي الزبيدي طيفاً ملوناً في ساحة المتحف. اسـأل عن علي الزبيدي ولا اريد جواباً محزناً.
المكتبية البصرية
علي الزبيدي، احد منافذ التوزيع التي توفر لنا الصحف يوم لم يكن انترنت. وتوفرها لنا بنسخة ورقية الان. ومن الاحبة باعة الصحف والمطبوعات: (اياد الخفاجي/ ابو سلوان) صاحب كشك في مرآب النقل الموحد في البياع، و(المياحي او سيف) صاحب كشك في نفس المرآب، الذي غادر ملتحقاً بالحشد الشعبي، و(عباس) ابو المجلات صاحب بسطة قريباً من تمثال الرصافي، ساحة الامين.
وفي البصرة التقيت البصرية (ام علي). كانت صحفها تفترش الارض على ضفة نهر العشار في البصرة. سألتها فاجابتني ان زوجها بائع للصحف. وهو الان طريح الفراش. لذلك قامت بالعمل بدلاً عنه. سألتها ان كان عائد هذا العمل يكفي لمعيشتهم، اجابت: (يمه (جدر) الحكومة جبير. كلنه ناكل منه). كانت البصرية (ام علي) قانعة. ولاحظت مسحة حزن تعلو وجهها وهندامها.
مطلع هذا العام، وتحديداً مساء يوم (6/ 1/ 2016)، كنت في البصرة لحضور مهرجان المربد. قصدت (بسطة) المكتبية (ام علي) على ضفة نهر العشار. فلم اجدها. سألت المكتبي البصري المعروف (غازي فيصل/ ابو مصطفى) عن المكتبية ام علي. فذكر لي: ان زوجها انتقل الى جوار ربه. وتوقفت هي عن عمل بيع الصحف. كنت حريصاً على ان التقيها، واسألها عن (جدر) الحكومة. ولكن؟!.
وابقى اتابع اخبار اصحاب اكشاك بيع الصحف، واسأل عنهم، دون ان انسى بائع الصحف البصري (ناصر ابو الجريد).