20 ديسمبر، 2024 9:17 ص

أين حق الشعب يا أعداء هيئة المسائلة والعدالة؟

أين حق الشعب يا أعداء هيئة المسائلة والعدالة؟

طلب مسؤولان حزبيان من مدير مستشفى الأمراض الصدرية والتدرن الرئوي في التويثة بأطراف بغداد تسليمهما مريضاً بلغ مرض السل فيه درجة اليأس. إستصحب الحزبيان المريض (مع التحوطات الصحية لنفسيهما إفتراضاً!!) وتوجها نحو قصر النهاية حيث يُحتجز فيه النشطاء السياسيون الحزبيون للتحقيق معهم وإنتزاع الإعترافات. طلبا من المدير إحضار أخطر الموقوفين. فتم لهما ذلك. طلب المسؤولان من جلاوزة السجن فتح أفواه المتهمين وطلبا من المريض البصاق في أفواه أولئك الحزبيين.

نستطيع أن نتوقع النتيجة…. موت الحزبيين بالتدرن الرئوي.

هذه جريمة ما كان ليعرفها الجمهور لولا أنها كُشفت من قبل السيد حسن العلوي في كتابه “العراق دولة المنظمة السرية” الذي أصدره أيام المعارضة بعد أن إنشق عن النظام وأعاد سردها بعد سقوط النظام في فضائية (الحرة – عراق) على ما أذكر. والسيد العلوي قيادي في حزب البعث العربي الإشتراكي الطغموي(1) وهو باحث ومفكر وعامل في الصحافة ومن المتوقع أنه كان يرصد مسيرة قيادة حزبه فوقع على مثل هذه الجريمة المذكورة ولا أعلم كم حفزته حادثة إعدام إبن خاله المرحوم عدنان الحمداني من ضمن العشرات من قياديي الحزب الذين أعدمهم صدام ظلماً لتدعيم سلطته. ولو لم يكن العلوي بموقعه الحزبي والرسمي لما كان له أن يتعرف على هكذا معلومات لأن الدولة كانت تعمل بالسر ولا تترك أثراً موثَّقاً لأفعالها وخاصة الإجرامية منها.

أعتقد أنها لمن البديهيات أن هذه الجريمة لا تمثل سوى واحدة من بحر من جرائم البعث الطغموي، دون أن يتقدم من يعتذر من الشعب أو يعترف بذنبه أو بذنب من عمل معهم.

الأسئلة الهامة هنا: من هم المجني عليهم؟ ومن هم المجرمون الذين قاموا بتلك الفعلة الشنيعة؟ وبأمر من؟ ومن هم الشهود؟

أعتقد أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولكن كيف السبيل إلى كشف الحقيقة لا بهدف الإنتقام ولكن إحتراماً لقيمة الإنسان وإنصافاً للمواطنين العراقيين وإنتصاراً للعدالة وردعاً لمن يسكنه الإجرام وما أكثرهم وقد شهدنا قتل الأبرياء الذي لم ينقطع منذ سقوط النظام الطغموي حتى اليوم؟

نستطيع إستكمال أركان الجريمة ولكن بأي ثمن؟ على الدولة أن تجند جيشاً من المحققين والمحللين والمعقبين والمختبرات … و..و..و..  .

هذا لجريمة واحدة فقط فكم على الدولة أن تتحمل من أعباء إذا ما أرادت التحقيق في بحر الجرائم؟ وكم يتبقى لها من الجهد لإعادة بناء الدولة وتسيير أمورها ومن بينها مقاضاة الجدد من المتهمين بالإرهاب الذين قتلوا وأصابوا نصف مليون إنسان برئ بعد 2003 قبل أن تفوت المدة القانونية على احتجازهم دون توجيه تهمة محددة ومحاكمة فينقلبون إلى مهمشين ومقصيين وأبرياء يذرف عليهم الدموع كل من له مصلحة في تهشيم العراق أو بالأقل النيل منه للحيلولة دون بناء وإستكمال ديمقراطيته؟

السؤال الأهم لمن يتبرقعون ببرقع العدالة والقانون وهم يريدون نسفهما بالمطالبة بتوجه من له قضية إلى القضاء الجنائي مباشرة وإلغاء قانون المسائلة والعدالة: دلّونا على كيفية الكشف عن مجرمي أمثال جريمة (التويثة – قصر النهاية)؟ دلّونا على كيفية الكشف عن مجرمي المقابر الجماعية؟ دلّونا على كيفية إجابة من يشتكي من غُيّب أحد أفراد عائلته؟

كيف تتحقق العدالة في مثل هذه الحالات وأمثالها إذا شرّع مجلس النواب طلبكم بإلغاء قانون المسائلة والعدالة وإحالة المسؤولية للقضاء؟ على من يشتكي من فقد أحد أفراد عائلته بإحدى الجرائم المبتكرة وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية؟

هل إعترف المذنبون وتابوا وساهموا في بناء دولة ونظام لم يشهد العراق مثيلاً لهما منذ فجر التأريخ ليتم الصفح عنهم وطوي صفحة العدالة الإنتقالية؟

بالمقابل ألم يتم احتضان كل من يثبت ولاءه للنظام الديمقراطي رغم خضوعه لقانون إجتثاث البعث ومن ثم لقانون المسائلة والعدالة؟ فلماذا لم يفعل الآخرون؟

لكن هناك من أصروا على تمجيد جرائم الماضي ورموزه وواصلوا الإجرام وحاولوا التستر عليه (حتى أنكر أحد نوابهم، وهو حيدر الملا، جريمة عرس الدجيل وهي جريمة “طازجة”)  وأربكوا الدولة وعطلوا إعادة بنائها وإستكمال ركائزها الديمقراطية وأججوا الطائفية بعد أن كانت مبرقعة لعقود وأفسدوا وخربوا وما أسهل الإفساد والتخريب !!

خلاصة لابد من إستمرار العمل بقانون المسائلة والعدالة لتحميل القياديين في نظام البعث الطغموي مسؤولية جماعية عن الجرائم التي إقترفها حزبهم دون التمكن من تحديد هوية مقترفها لتتم إحالته إلى القضاء، كالجرائم المذكورة أعلاه،. ألم يقسموا على خدمة أبناء الشعب وحماية أرواحهم؟ فلماذا لم يفعلوا ذلك؟ إذا كانوا خائفين من بطش الدكتاتور فلماذا يستمرون في إبداء التأييد له ولنظامه في مناسبات عدة، علماً أن الخوف من البطش لا يعفي القيادي من مسؤوليتهً قانوناً؟ فكما القانون لا يحمي المغفلين، فهو لا يحمي الجبناء أيضاً.   

أتفهم تماماً إلحاح الطغمويين على إلغاء قانون المسائلة والعدالة لأنهم يريدون ديمومة الزخم للإرهاب والإرهابيين والتخريب والمخربين من داخل العملية السياسية وصولاً إلى هدفهم المتمثل في إستعادة نظامهم الطغموي البائد خاصة وأن آمالهم بدأت تنتعش في ما يختبئ تحت غطاء محاربة داعش إذا كان راعي داعش الأكبر(2) على رأس حملة ضربها وقادة داعش هم من خريجي سجن بوكا الأمريكي في البصرة والحليم تكفيه الإشارة!

ولكنني لا أفهم كيف يتبنى أحد أطراف التحالف الوطني مطلب إلغاء قانون المسائلة والعدالة؟

هل هي طريقة لإصلاح الطغموي الذي رأى ويرى في مثل هذه الأدوات للإصلاح ما يدعوه الى الضحك والسخرية؟

أم هو “التجاوب” مع إنتقاد الرئيس أوباما لقانون “إجتثاث البعث” والقانون من إنتاج الأمريكيين أنفسهم يوم ظنوا أنهم باقون في العراق فتوجَّب الإلتزام بالعدالة الإنتقالية الحقة أمام الرأي العام العالمي، كما فعلوا مع الحزبين النازي في المانيا والفاشي في إيطاليا، والآن ينقلبون عليه لأسباب تكتيكية تخفي وراءها ما تخفي؟

إذا كان الأمر كذلك فهو بادرة خطيرة وعلى العراقيين من أنصار الوطنية والديمقراطية أن يستعدوا للنزول إلى الشوارع لحماية سيادة وإستقلال وديمقراطية ونفط بلادهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1):للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181

(2): يقول الباحث في مؤسّسة “بروكينز” الاميركية “غريغوري غوس” المتخصّص بقضايا الشرق الاوسط وصاحب العلاقة الوثيقة بدوائر القرار الاميركية : (أنّ الإدارة الاميركية لن تُقدم على وساطة جديّة أو تدخّل فاعل في حروب الشرق الاوسط كونها تعتبر أنّ مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة من العالم لا تزال غير مهدّدة ، وهي لا تمانع فكرةَ ترك الامور تأخذ مداها أكثر في اطار لعبة عض الاصابع الجارية طالما أنّ لا خطر مباشراً على هذه المصالح ، لاستنفاذ الطرفين كلّ قوتهما والاقتناع في نهاية المطاف بأنّ لا حلولَ سحرية او عسكرية ، وأنّ الحل الوحيد هو من خلال التفاوض السياسي وإنجاز التسوية وفق “نظرة واقعية”)

واضح أن كلام السيد غوس هو إفصاح ملطّف عن علم أمريكا بمن يرعى داعش نيابة عنها ويسخرها لمصالح تتلائم والمصالح الأمريكية. إذا علمنا أن أمريكا غضبت لأن الطيران السوري هاجم الداعشيين في مدينة القائم الحدودية، فلا يبقى لدينا شك في أن أمريكا، بالأقل وبالحدود الدنيا، هي تعرف من يحرك داعش وهي راضية عنهم.       

أحدث المقالات

أحدث المقالات