ظهرت الى السطح، ودون سابق أعلان، الأزمة مع قطر بشكل لافت. رغم إن جذورها تمتد الى فترة ليست بالقصيرة، وهي مسألة تأزم العلاقة بين قطر والسعودية، بين حين وآخر. المعلن، الظاهر للعيان، ينحصر في مسائل رئيسية هي؛ دور قطر البارز في قضايا ما يسمى بالربيع العربي الداعم له، والموقف من الجناح المتطرف للمقاومة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص حركة المقاومة الاسلامية
“حماس”، ووجود قيادييها في الدوحة، وعلى رأسهم خالد مشعل. والموقف على وجه العموم من قضايا الأخوان المسلمين ومساندة قطر لهم. والسياسة الخارجية القطرية، غير المسموح بها خليجياً، التي تتسم بالتحرر، بشكل لافت، عن السياسة الخارجية الخليجية التقليدية، التي من أبرز صفاتها، إنها توصف بالمحافِظة. والخروج القطري عن مألوف البيت الخليجي. وكذلك الموقف من مسألة الأعلام القطري، المتميز بحرية التعبير، وعلى رأسه قناة الجزيرة، المثيرة للجدل في الوسط الخليجي. هذا هو المعلن. أما ما هو الأمر الذي هو في الخفاء، والذي لا يثار بشكل واضح، ولا تناقش قضيته الحقيقية، فأنه لا يخرج عن الصراع الدائر، خفية على الغالب، وجهاراً في بعض الأحيان، بين المملكة العربية السعودية، التي تحاول أن تسوق نفسها على إنها الأخت الكبرى، وبين الشاق عن عصى الطاعة، دولة قطر. صراع النفوذ، الذي لن تسمح به المملكة السعودية، والذي، تفجر مؤخراً، وظهر بهذا الشكل، للعيان.
كادت المنطقة أن تنزلق الى ما هو أسوء. واليوم الاول، والثاني، كان على أشده. وقد توقع البعض، سيناريو مماثل لدخول العراق الكويت. ولكن عدة مبادرات، أبرزها مبادرة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وتحركه السريع، وطرحه مسألة الحوار لحل المسائل بين قطر والأطراف الأخرى، أوقف التداعي. ورغم ما أثير عن فشل محاولته، عندما زار السعودية، دون إعلن شيء. ولكنها وضحت فاعليتها، في تأجيل خطاب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لإعطاء فرصة لجهود أمير دولة الكويت، ومن بعد ذلك، زيارة أمير قطر للكويت، والتي أعطت إنطباعاً معاكساً. وجاءت جولة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى عدد من دول العالم، وتأكيده، بشكل هادىء، ومنتج، على الحوار لحل الأزمة، أعطت نتائجها في تأجيل تداعيات الموقف، الى ما هو أسوء.
الأزمة، إنقسم العالم بشأنها. الأول ؛ كان مجموعة السعودية الإمارات مصر، ومعها موقف الولايات المتحدة، المتناقض. فقد كان لكل من وزارة الخارجية الأمريكية، ومعها البنتاغون موقف من الأزمة، وللرئيس الأمريكي ترامب موقف آخر، لا يتسم بالإتزان. فقد علقت صحيفة نيويورك تايمز، عن. لك الموقف، بالقول؛ إن ترامب أدخل نفسه في النزاع المرير الذي يحصل في الخليج. ووقف الى جانب المملكة السعودية، في عزلها لجارتها ” الصغيرة” قطر. وهو بذلك يقامر بالعلاقات الإستراتيجية الإمريكية الهامة. فيما بين وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، بأن الولايات المتحدة، تدعو جميع الأطراف للجلوس معاً ، وإنهاء هذه الخلافات بالتأكيد. وجاء مطابقاً لهذا الرأي، ما قاله وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، من أنه متفائل بأن لن يكون هناك آثاراً ناتجة عن الموقف الدراماتيكي على الإطلاق. وعليه فأن مثل هذه التناقضات سوف تركن الحالة الخليجية الى حالة الجمود، ولفترة ليست بالقصيرة. وبطبيعة الحال، فإن حالة الجمود لها تأثيراتها السلبية على المجمل، فهي خسارة بالإقتصاد، والأمن، وهتك للنسيج الإجتماعي للمنطقة.
أما الموقف الدولي؛ فقد كان هو الآخر حاسم. فأيران وتركيا لاعبين أقليميين كبيرين، رفضا أي تدهور لأمن الخليج. وأعلنت تركيا على لسان رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، أن الأزمة يجب أن تحل عن طريق الحوار، وأن لا تتعدى نهاية رمضان. وأكدت كل منهما إنسجام الرؤية الأيرانية التركية، وتعززت بزيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية الى أنقرة. وكذلك روسيا التي زارها وزير خارجية قطر، أولت إهتماماً لحل الأزمة، مبني على الحوار لحل المسائل العالقة. وهذا ما فعلته كل من ألمانيا وفرنسا، اللتين أعلنتا موقف موحد، إنهما ضد التصعيد العسكري، ومع ضرورة اللجوء الى الحوار بين الطرفين. أما الصين، فقد أعلنت أن الحفاظ على الهدوء والإستقرار في الخليج هو الأفضل للجميع. وإن الصين، في ظل الشد والجذب، والتي تتسم سياستها بالحياد، تجد نفسها أمام وضع صعب، يحتم عليها التعامل مع أطراف متناقضة، تربطها بها مصالح حيوية، يصعب التضحية بأي منها. وبذلك فقد أظهر الموقف الدولي عدم إرتياح لأي تصعيد في منطقة الخليج
الخلاصة: فأن ما أفرزته الأشكالية الحالية بين السعودية وحلفائها من جهة، وبين قطر من جهة أخرى، هو في إنتقال خط الأزمة من سوريا والعراق، الى منطقة الخليج. والأمر لا يعدو عن إنتظار إشعال الفتيل، لتلتهب المنطقة من جديد، بصراع لا يقل عن سابقته، في منطقة حساسة جداً للأقليم، وللعالم بأسره. وكما معهود في تدويل أزمات المنطقة. فإن هذه الأزمة جاهزة هي الأخرى، لأن تتدخل أطراف شتى فيها، بحيث تفقد الدول المحلية اللاعبة بوصلة السيطرة عليها، الى ما هو أبعد. إن على هذه الدول أن تعي هذه المخاطر. وإن إتساع رقعة الصراع سوف لن تجني منه، جميع دول المنطقة، إلا الدمار والخسران. الحوار سوف لن يجعل قطر مع إيران، ولن يجعل إيران إلا جار، والحوار نفسة يجعل من جميع دول المنطقة خارج دائرة الخطر. وعلى الجميع أن يعي أن هناك تغير في معالم السلوك، يجب إتباعه، وأن السياسات التي كانت متبعة قبل أكثر من نصف قرن، ما عادت نافعة، ولا يمكن تمريرها. وأن هامش الحرية، والديمقراطية، والمشاركة، وتعدد الآراء، آن لها أن تتسع. الحوار يخلق كل هذه المعطيات. والإنغلاق، والتحجر لا ينتج غير الأزمات، ثم الحروب. فلك ما لك، وعليك ما عليك، وبغير ذلك تبقى الأمور راكدة، متحجرة، جامدة. إن لم تشتعل بحروب مدمرة.