لا أزعم أنني ضليع بشؤون إدارة دولتنا ولا مطلع على بواطن أمورها وآلية عملها على وجه الدقة والدليل والتوثيق. فليست مهمتي التحقيق ولا المساءلة ولا الاستجواب.
لكنّي، ومن منطلق القياس والمقارنة وتطبيق الباترون، أزعم أنني قادر على أن أرجم بالغيب.
نعم أنا مطلعٌ ولكن من باب الرجم بالغيب ومن باب التخمين المستند إلى القياس والمعرفة بأسلوب التفكير “العراقي” الذي وُجدَ على الدوام وإن اتخذ مداه تحت ظلّ ” الحكومات ” التي تعاقبت على ” حكم ” العراق منذ 2003.
في مقدوري أن أجزم بأن الوظائف والمناصب الكبيرة والصغيرة تنشأ على قاعدة ” القيطان ” الذي يحتاج إلى ” حذاء “: لدينا الموظف لكنّنا نعدم المنصب فلنبتدع له منصبا، ولنخلق له ” فرصة العمل ” ولنؤسس له ما تتطلبه الفرصة والمنصب من مستلزمات وكوادر وميزانيات فنكون بذلك قد خدمنا محسوبنا وضممنا إليه محاسيب آخرين وضمنّا الجنّة لنا وله فقد كان سببا في تشغيل سرب من ” العاطلين “.
عنّت لي الفكرة وأنا اسمع بفضيحة أبناء سفير العراق في البرتغال.
ليس من همّي أن أناقش الفضيحة في ذاتها. فالفضائح من طرازها كثيرة وفيرة.
بل أتساءل عن مدى حاجة البلد إلى أن يمثله سفير في البرتغال.
أين هي البرتغال من ” البين “؟
وما هو دورها في ” سياساتنا ” الاقتصادية والتجارية والسياسية؟
وكم تبعد البرتغال عن إسبانيا؟
وأيّة مصالح لنا في البرتغال؟
ليست لديّ وثائق لأقول أنّ البرتغال وأمثالها ما هي إلا أماكن فتحت فيها سفارات لتشغيل أناس لا ندري أين نضعهم. أو أناس نريد تكريمهم ونفعهم ونريد أن ” يكوّنوا أنفسهم “.
أقول إنني أرجم بالغيب على مبدأ القياس لأننا نرى كثيرا من الموظفين في دوائرنا ومؤسساتنا يشغلون مناصب ووظائف ويتقاضون رواتب ومخصصات لمجرد الانتماء والقرب والعلاقة. أمّا كم يؤدون وكم يخدمون وكم يقدمون فليست هذه هي المسألة.
هي البطالة المقنعة في الداخل والخارج. في السفراء وفي الأجراء.
في العالم المتحضر توجد دوائر لتشغيل العاطلين عن العمل. يسجّل فيها العاطل من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس ويترك من بين ما يترك من بيانات عنوانه ورقم هاتفه.
تربط هذه الدوائر بجميع مؤسسات الدولة والشركات العاملة فيها ومرافق الخدمة.
أو بالأحرى فإنّ جميع المؤسسات والشركات والفعاليات التجارية ومرافق الخدمة ملزمة بالرجوع إليها.
فإن ذهب خريج محاسبة إلى شركة طالبا عملا فيها أو احتاجت تلك الشركة إلى محاسب للعمل فيها فهي ملزمة بمخاطبة دائرة التشغيل تلك لسؤالها عن توفر درجة محاسب لديها، فإن توفرت الدرجة فمن سيعمل في الشركة هو من ترشحه دائرة التشغيل، وإن لم تتوفر الدرجة فالدائرة تصرّح للشركة بتوظيف طالب الوظيفة ذاك.
ووراء ذلك كله حساب وكتاب لأنّ مراقبي العمل والوزارة مكلفين بمحاسبة كلّ صاحب عمل يستخدم عمالا أو موظفين من دون موافقتها ومن دون أن يحظى العامل بترشيحها، وإلا تعرَض صاحبُ العمل لغرامة باهظة.
هكذا تنتظم الأمور وتسير.
وهكذا تتقدم الأمم
وهكذا يتساوى الناس في الفرص وتتحقق العدالة الاجتماعية
وهكذا نضع كلّ قطعة في مكانها الشاغر لتكتمل الرقعة وتنتظم.
أمّا التكديس والعشوائية والاعتباطية ووضع غير الضروري في غير الضروري وشراء حذاء من أجل ” القيطان ” فهي من شيم الأغبياء والهدامين والذين لم يعرفوا في حياتهم غير الفوضى وغير التخريب.