قبل عدة أسابيع تصور اغلب العراقيين إن محافظة صلاح الدين قد تحررت بالكامل, خصوصا بعد ما أعلنت الحكومة العراقية ومن على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي إن العمليات في تكريت قد تمت على أتم وجه وانه تم تحرير تكريت من قبضة الدواعش, فخرجت المسيرات في عموم المحافظات وهي تحتفي بهذا النصر !!!.
وهنا نتساءل, ما هي نتيجة وثمار تحرير مدينة تكريت مركز المحافظة ؟! وهل حجم هذه المدينة يتناسب مع كل ما قدم من تضحيات وخسائر في المعدات والأرواح من اجل تحريرها ؟ وهل بالفعل تحررت محافظة صلاح الدين ؟!.
الإجابة على التساؤل الأول هي, إن النتائج والثمار المتحصلة من تحرير تكريت فهي لم تحقق سوى المكسب الإعلامي المصطنع, فمعركة تحرير تكريت لم تحقق شيء معنوي أو مادي للحكومة العراقية وللمليشيات وإيران, بل العكس تماما إن هذه المعركة قد أحبطت كل معنويات من ذكرناهم, وعجزوا عن دخول هذه المدينة إلا بعد إن تدخلت طائرات التحالف الدولي بقيادة أمريكا, وهذا هو قمة الإحباط المعنوي, أما الجانب المادي فتلك القوات – الحشد وإيران والحكومة العراقية – فقد خسرت الكثير في هذه المعركة من حيث العدة والعدد والأرواح.
أما الإجابة على التساؤل الثاني, فنتركها لسماحة المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني, الذي أجاب على استفتاء رفع له بخصوص معارك تكريت بتاريخ 6/ 4 / 2015م بعنوان ” تكريت وإيران هزيمة أو هزيمتان ” حيث قال سماحته …
{ … خسارة عسكرية : ابسط محلل عسكري أو مطلع على الشؤون العسكرية يعلم ويتيقن إن موقع تكريت العسكري ومساحتها الجغرافية لا تستحق عشر معشار الخسائر الجسيمة بالإفراد والمعدات التي خسرتها قوات الحكومة والمليشيات وقيادات إيران، والمؤسف والمؤلم إن الخسارة الكبرى وقعت وتقع على المغرر بهم من أبنائنا العراقيين الذين صاروا حطب ووقود نار طائفية مفتعلة، فالمعارك كانت ولا تزال خاسرة وستبقى خاسرة مادامت نفس الوسائل والمخططات والأفكار والقيادات موجودة ومادام المنهج هو نفس المنهج الطائفي العنصري التكفيري…}.
أما الإجابة على التساؤل الثالث فهي : إن محافظة صلاح الدين لم تتحرر بالكامل بل إن نسبة ما تم تحريره لا يتجاوز 40% الأربعون بالمائة من مساحة المحافظة, أما بقية القرى والمناطق فهي إلى هذه اللحظة ما تزال بيد ” داعش “, فنحن لم نسمع إلا بتحرير مدينة تكريت و ” ال بو عجيل والعوجة والعلم ” وهذه قرى ونواحي, أما سامراء فهي أساسا لم تتعرض لأي سقوط بيد التنظيم فقط تعرضت لجملة من الاعتداءات المتكررة فقط, أما بقية الاقضية والنواحي فهي لهذه اللحظة أما خاضعة لسيطرة داعش أو تشهد معارك كر وفر بين القوات الحكومية والحشد من جهة وداعش من جهة أخرى.
وما يشهده الآن مصفى بيجي من معارك خير دليل وشاهد على إن محافظة صلاح الدين لم تتحرر وهي لهذه اللحظة ما تزال تحت سيطرة تنظيم داعش, فهذا التنظيم وحسب وكالات أنباء استطاع أن يستولي على ستين بالمائة 60% من مرافق ومنشأة مصفى بيجي, وبحسب ادعاءات التنظيم إن المصفى بالكامل تحت سيطرته, وهذا بحد ذاته ينزع نشوة النصر المصطنع التي اصطنعتها الحكومة العراقية والمليشيات ومن بعدها إيران, فهي لم تحرر سوى مناطق لا تعتبر ذات أهمية للتنظيم فهو تركها وتراجع عنها وركز على السيطرة على مناطق أخرى تحقق له مكسب مالي كبير كالمصفى, وما يؤكد إن تنظيم الدولة هو من ترك تكريت من تلقاء نفسه ما صرح به قائد سرايا الخرساني في العراق بعد معارك تكريت, إذ قال ” بعد دخولنا إلى تكريت لم نجد جثث لقتلاهم ولم نجد جرحى ولم يكن هناك أسرى, دخلنا إلى المدينة ووجدناها فارغة “.
فتنظيم داعش أرهق الحكومة العراقية والمليشيات وإيران واستنزف قواهم في معارك تكريت وبعد ذلك أعطاهم تلك المدينة وسيطر على بقية المدن والمناطق ورمى بثقله على احتلال مصفى بيجي الذي يعد أهم شيء في محافظة صلاح الدين, وقد استطاع أن يسلبه من الحكومة العراقية, وهذا إن دل على شيء فانه يدل على إن محافظة صلاح الدين لم تتحرر وما تزال بيد تنظيم الدولة.