5 نوفمبر، 2024 6:43 ص
Search
Close this search box.

أين الثرى وأين الثريا

أين الثرى وأين الثريا

أين الثرى وأين الثريا***لامجال للتمييز بين الباشا وابن إيران ونافخ بوق الفقاعة والحشاشة
ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء، اما المالكي ادخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما. فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على امن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها افضل بكثير من العراق اليوم. اعتقد ان الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره الى الافضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، واعتقد انه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس امامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. واحسب ان الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وان بعض سياسيه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد ان بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا .. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي. والعراق ايضا ملئ بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التى لا ترى سوى اسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الاجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية واشعال الفتن واقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره. وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم ان الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي احضرهم الى الحكم، ولكن على كل هؤلاء ان يعلموا ان دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة. اعتقد ان الشعب العراقي هو الاكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته واهمها الديمقراطية التى انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه اعوان المالكي بان بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية .. اي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف ان نسمع ان بعض العراقيين ينسون افضال الخليج الذي ساهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الايرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي .. وباي حق يتحدث هؤلاء او ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى اي اساس يرصدون لتك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو «250» مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. اعتقد ان لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الان لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التى تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الاخرون، بعكس اخرين يعبثون بالسلطة والبلد من اجل بلاد اخرى. نقل عن نوري السعيد ذات يومه قوله: «العراق عبارة عن بالوعة وانا اجلس على غطاء فوهتها، فاذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة».. ومع غرابة التشبيه والحالة، فان الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون احكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية واخرها ازمة منطقة الانبار التى تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. واذا كان اهل الحكم يريدون حقا مستقبل افضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التى تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية او السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية. يعلم القاصي والداني ان العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التى تقود البلاد الى بر الامان، فالمالكي ادخل بلاده في اتون ازمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الاخر وصولا الى حل للازمات، وهو لا يأبه اصلا بمسألة تقسيم العراق. واصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التى تعني التخلف. الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الانجازات في معرض تعليقاتهم عن الاوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ ان التجربة الديمقراطية في العراق هى تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون اصل المشكلة وهى ان شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها الى ارض قاحلة. اما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الان، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الاهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والايديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة امريكية، فهو صنيعة الامريكيين الذين اعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف ان يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلي من شعبه. ثم يدعي نوري المالكي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي ان التوترات الطائفية في المنطقة ألقت بظلالها على بلاده، داعيا القوى السياسية إلى رفض التدخل الخارجي وحل المشاكل الداخلية. ثم يدعي ان التنافس الإقليمي والاستقطاب الموجود في المنطقة وما يحيط بالعراق من توتر طائفي أخذ يلقي بظلاله الثقيلة على العراق. وتناسى المالكي ان حكمه هو الذي كرس الاستقطاب واصبح تركة ثقيلة بالعراق. ومع ذلك نراه يطالب بعزل العراق عما سماها بالتيارات التكفيرية التى تعصف بالمنطقة!! والادهى، ان المالكي يجرم الاستقواء باي طرف اقليمي لتقوية طرف عراقي داخلي، لان هذا يعد عملا خطيرا، يفتح أبواب الشر علي العراقيين، في حين ان المالكي نفسه كرس سياسة الاستقواء بإيران والخارج لدعم حكمه وتقوية اواصره مقابل اضعاف بقية مكونات الشعب العراقي. ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي: «الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق».. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين: الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي ان سياساته هى التي اشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الاخرين او الجيران اللهم اذا كان هؤلاء الجيران من اهل فارس الذين يدسون انوفهم في شؤون كل الدول المجاورة. ولهذا، ليس من حق المالكي ان يصف الوضع الحالي في بلاده بانه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الاجواء، وليس من حقه اتهام اي طرف سوى ايران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب ان المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، الا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على ان جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح .. فهو الذي قال:» لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله».. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة: «لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا». نعم .. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الاقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع اقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا اقرب الناس اليه فى الماضي لمجرد ان نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة ايام بلاده إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.

 

1. من غرائب الحياة وعجائب القدر أن ينجب العراق شخصيتين مثيرتين للجدل في القرن العشرين يبدأ أسميهما ب نوري ترأسا الحكومة العراقية لأكثر من مرة هما ، نوري باشا السعيد رحمه الله / بغداد ( 1888 – 1958 ) ونوري المالكي / الحلة ( 1950 – ! ) ، الأثنان حكما العراق في فترتين تعتبران من أخطر وأهم وأعقد الفترات حساسية في تاريخ العراق الحديث .

*فالأول / نوري السعيد ترأس مجلس الوزراء / 14 مرة للفترة من ( 1930 – 1958 ) ، ذو خلفيه عسكرية / خريج الأكاديمية العسكرية – اسطنبول وحائز على درجة الأركان من الأستانة عام 1911 ، شارك في حرب البلقان( 1912 – 1913 )، له الدور الأكبر في … تاسيس المملكة العراقية ، وضع الأساسيات الأولى للجيش العراقي ، شارك في الثورة العربية ، حلف بغداد / لمقاومة المدالشيوعي في الشرق الأوسط ، ضم العراق الى عصبة الأمم / الأمم المتحدة حاليا ، كما يعتبر أحد عرابي / المؤسيين لجامعة الدول العربية ….

*والثاني / نوري المالكي ترأس الحكومة العراقية مرتين ( 2006 – ! ) ويطمح بولاية ثالثة ، خلفيته الدراسات الدينية / بكالوريوس أصول الدين ثم ماجستير لغة عربية / جامعة صلاح الدين ، أنتمى الى حزب الدعوة في عام 1970 . وعمل موظفا في التربية و التعليم في مدينة الحلة وفي عام 1970 ترك العراق مغادرا الى ايران ، وفي عام 1987 غادرها الى سوريا وتشكل الفترة التي قضاها خارج العراق ( خاصة أيران !! ) مرتكز مهم في تكوينه الولائي والأنتمائي لأيران وظل هذا التأثير ممتدا الى الأن وأنعكس على أكثر وأهم قراراته .

2 . يكنى نوري السعيد ب … الباشا أو أبو صباح .

بينما يكنى نوري المالكي ب … أبو أسراء أبو أحمد / حمودي .

وهناك فرق كبير بين نجلي الأثنين ، فبينما نجل الأول / صباح كان شخصا عاديا ولم يكن لديه أي دور سياسي أو سلطوي مؤثر في الوضع السياسي أو بالحياة عامة ، وكان الباشا قد طرده لقيامه بمخالفة الأوامر والطيران من تحت الجسر في بغداد ، ثم عينه / الباشا مديرا للسكك ، كما لم يكن لديه أي ثروة مالية تذكر ..

أما نجل الثاني/ أحمد ، فله دور كبير أن كان على المستوى الأمني ( وحسب تصريحات والده / المالكي التلفزيونية مثلا … دوره في ألقاء القبض على بعض أصحاب النفوذ و المليارات في المنطقة الخضراء ! علما أن نجله / أحمد ليس لديه أي منصب أمني أوعسكري ) أما دوره على المستوى التجاري والمالي باتا معروفا لدى الجميع ، حيث أنشأ له كيان خاص به بمساعدة المستشارين العاملين في مكتب رئاسة الوزراء داخل وخارج !!

3. هتافات كانت متداولة في الشارع العراقي أنذاك :

نوري السعيد القندرة … وصالح جبر كيطانة

أما الأن :

كذاب نوري المالكي كذاب !!

4. مقولات كانت مرتبطة بهما :

نوري باشا كان يقول :

دار السيد مأمونة !

والمالكي يقول :

ما ننطيها !! ( ويقصد السلطة / الحكم ) .

5. تقول بعض المصادر أن راتب نوري باشا 150 دينارا عراقيا . ولم يكن لديه أي أملاك

أوعقارات داخل العراق أو خارجه سوى داره المطلة على دجلة ، كما لم تسجل عليه أو على أبنه أي تجاوزات مالية على خزينة الدولة المركزية بصفته رئيسا لمجلس الوزراء .

أما راتب نوري المالكي غير محدد وغير معروف !! لأشرافه على العراق كله ثروة و ميزانية وموارد وخيرات ، أما أملاكه / وأملاك نجله وصهره وخاصته فسيكشفها التاريخ لاحقا أو آجلا !!

6. مشروب نوري باشا المفضل / العرق ( مستكي أو زحلاوي غير معلوم ) .

أما المالكي ليس لدينا معلومة دقيقة عن مشروبه المفضل .

وأرى أن شرب الكحول من عدمه لا يقلل من شأن الرجل أو من وطنيته .

7. الباشا مات بطريقة بشعة / تراجيدية ليس لها سابقة تاريخيا وقد ذكرت ذلك في مقال سابق حول الرجل ، حيث أن الرجل قتل ثم سحل في الشوارع وقطعت أوصاله من قبل الغوغاء ثم سحقت باقي أشلائه بدبابة ثم حرق ما تبقى منها ، أي أن الرجل محي وجوده كليا من الحياة في حينه .

أما المالكي فلا زال حيا يرزق ولا نعلم ولا يعلم هو ما يخبأ له القدر وما يضمر له العراقيين !!

أنني في هذه المقالة ليس بصدد خلق مقارنة أو ذكر عيوب ومثالب ومحاسن الرجلين لأن هذا ليس موضوعنا الاساسي ولكني أرتايت ان أمهد للموضوع من خلال الملاحظات والمؤشرات والنقاط آنفة الذكر لأرتباطها وأنعكاسها بشكل أو بأخر على الموضوع كما أنها تشكل في نفس الوقت جزءا لا يتجزأ من خلفية الموضوع السردية ..

* أولا ماذا ترك لنا نوري باشا السعيد ؟

ترك لنا دولة موحدة شعبا وأرضا ومياها ، فالأديان بكل مذاهبها وطوائفها لا تشكل أي أيجابيات أو أو ميزات أو سلبيات للمنطقة أو للمدينة أو للمكون الشعبي الذي يعتنقها، والموارد والخيرات للدولة والشعب ، لا تهجير ولا ترحيل ولا تسميات وليدة للمناطق كما هي الأن ( الجنوب / الشيعي ، المنطقة الغربية / السنية ، المثلث السني وأقليم كردستان وسهل نينوى .. ) ، ولم يكن

متداولا بين العامة في عهده مصطلحات ك … الروافض ، النواصب والكفرة .

ترك لنا دولة يحكمها دستور/ بها برلمان أسس عام 1925 ، والبرلمان يتكون من مجلس للنواب – ينتخب بالاقتراع للمؤهلين ومجلس للشيوخ يعين اعضائه من قبل الملك .

ترك لنا دولة لا تحكمها المليشات وتنهب دورها الحواسم وتخطف العصابات مواطنيها .

ترك لنا التعليم والقضاء بشكل لائق ، كما ترك لنا جيشا وطنيا ولاؤه للدولة / علما أن الجيش شارك الباشا في بنائه ووضع لبناته الأولى ، لا مذهبية ولا فئوية ولا طائفية تحكمه .

ترك لنا دولة مؤسسات ، ترك لنا مشاريع صحية ، أروائية ، جسور ، توليد للطاقة الكهربائية

من سد دوكان و دربندخان و بحيرة الثرثار .

وأود هنا أن أستطرق بنقطة مهمة وهي السجون ( كنقرة السلمان – الذي كان يضم الكثير من الشيوعيين الذي يكن لهم نوري السعيد كرها شديدا !! ) ، فمن المعروف كان هناك سجون ومسجونين وسجانين ولكن لم تكون هناك سجون سرية ومواقف خاصة ، لم يكن هناك مفقودين / لا مسجونين ولا طلقاء ، لم تكن هناك تصفيات جسدية و لم يكن هناك تعذيب بالشكل الذي نسمع به الأن . ومما يؤخذ على الباشا عدائه الشديد الصريح والمعلن للشيوعية وأعدامه لكوكبة منهم يتقدمهم سلمان يوسف / الأسم الحركي له ( فهد ) ويقال أن السفير البريطاني كان حاضرا لعملية الأعدام وهذا المثلبة سجلت عليه وأكيد أن دوافعها غربية ! ويعتبر الساسة أن الباشا رجل الغرب / بريطانيا وأميركا ، بينما يرى الباشا أن مفاتيح الشرق الاوسط تكمن بيدهما، الباشا لم يكن عميلا ولا خائنا ، لم يمنح / الغرب أي مصالح أو منافع أقتصادية تذكر على حساب العراق، لم يسرق العراق ولكنه بنى العراق لأنه رجل دولة متمرس ، مفاوض من الطراز الأول ، مناور فريد ، معتز برأيه ، يعتبر نفسه أب الجميع ، وبنفس الوقت كان عنيد و عصبي المزاج .

من المؤشرات أعلاه يتضح لنا أن الحكم في العراق أبان عهد الباشا كان حكما دستوريا ، نعم كانت هناك أخطاء ولكن لا تذكر مقارنة بالأنجازات لذا نستطيع أن نقول أنه في عهد الباشا نوري السعيد كانت هناك دولة مؤسساتية و كان هناك دستور و نظام .

* ثانيا وبعد مرور أكثر من نصف قرن على حكم الباشا نوري السعيد ، وتراس المالكي لحكومة العراق ماذا لدينا الأن ؟

أول الغيث ، نقول هل يوجد حكومة في العراق ، ولكن أين العراق ! الجواب بكل بساطة لا توجد حكومة في العراق لان العراق ليس عراق ، لأسباب كثيرة منها :

1. نوري المالكي ، رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة ، وزير الدفاع ، وزير الداخلية … لا يمكنه أن يدير دولة بهكذا حجم لعدم أمتلاكه القدرة و الامكانية و الكفاءة

وخلفيته الدراسية / بكالوربوس أصول الدين و واقعه الوظيفي لا يتعدى كونه موظفا في وزارة التربية ، فكيف له أن يعرف مثلا الأختلاف بين الأهداف الستراتيجية والاهداف التكتيكية للدولة العراقية ، وكيف يقود الجيش ولم يسمع من قبل بمصطلحات ك / السوق العام ، تحرك القطعات ، التجحفل ، الأستطلاع ، التعبئة ، الأسناد البري و الجوي ، تأمين القطعات والتغطية الجوية .. و أعلى تأهيل حصل عليه ماجستير لغة عربية ! وكيف لمختص بالقواعد العربية !! أن يقود أجتماعا لقادة أركان العمليات البرية والجوية وهو لم يقود معركة !! وهو ليس عسكريا أصلا !!

نعم أنه جاء بالانتخابات ( بالرغم من حصوله 89 مقعدا والقائمة العراقية حصلت 91 مقعدا عام 2006 ) ولكن أي أنتخابات ! وهل الحكم يستلزم فقط الفوز بالأنتخابات وما بها من لعب سياسية قذرة ! أضافة الى تأثير الموازنات الأقليمية و الدولية على نتائجها .

الحكم يستلزم قائدا متمرسا ، مثقفا ، يجمع العراق كله تحت جناحيه ،أما المالكي حكم

العراق بطريقته الخاصة ، وكان حاكما متفقا عليه فقط من قبل فئة معينة من الشيعة وهي أقلية أذا قورنت بشيعة العراق أضافة الى فئة مضللة أخرى ثم فئة من السنة أطلق عليها / سنة المالكي لاحقا ! أضافة الى أقليات دينية وجودها من عدمه ليس مؤثر في العملية السياسية لانهم أصلا مغيبين ومضطهدين .

2. مجلس الوزراء الذي يترأسه المالكي شكل على أساس المحاصصة الطائفية و الحزبية ، وحس معادلات صعبة ، يفتقد الى المهنية والخبرة العملية لان أعضائه مرشحين من قبل أحزابهم ولا خيار لرفضهم ، كما أن الوزراء تباع مناصبهم داخل الحزب نفسه كما يقال بالعامية / السرقفلية . فكيف سيكون الاداء و الانجاز المقدم لهكذا وزراء . وهل يمكن لهكذا وزراء أن يبنوا العراق !

3. الجيش في عهد المالكي بلا عقيدة وبلا ولاء ، طائفي الطابع ، لا يحارب من أجل حماية أرض العراق لذا هرب / بعد أن نزعوا رتبهم العسكرية في أول هجوم لداعش / الارهابية على الموصل ،الجيش هنا لا يحمي الأرض بل هو أدات بيد المالكي ، هل هكذا جيش يعتبر جيشا حسب المفاهيم المعروفة للجيوش ! أم هو تشكيلات أو ميليشيات للحاكم .

4. ونتيجة للسياسات بعد 2003 أصبح شعب العراق ، منقسم في الداخل ، ومشتت في الخارج

ليس له هدف محدد ، فلجأ المستفيدون الى تشكيل أحزاب وكيانات سياسية وتجمعات بلغ

عددها 504 كيان ( حسب ما أدلى به أياد الزيدي الخبير في الأنتخابات ) / عدد نفوس

العراق 36 مليون نسمة ، وأذا قارنا ما سبق مثلا بعدد الأحزاب بالولايات المتحدة الاميريكية التي عدد نفوسها 315 مليون نسمة فسنجد هناك حزبان رئيسيان / الجمهوري والديمقراطي و6 أحزاب أخرى تعمل في الساحة . هذه المعلومة تدلل على أن الشعب شارد الذهن ، بلا قرار ، لا يعرف ماذا يريد ، ليس له هدف محدد ، ضائع ، وذلك لعدم وجود قائد يحدد له الرؤية المستقبلية ، فتاه بين … لقمة العيش والعلاج الطبي وهموم الدراسة ومتطلبات الحياة الأخرى، أما المالكي فهو في واد والشعب في واد أخر لا شي يجمعهما ، ولا وجود لأي علاقة محددة بين الشعب والحاكم / المالكي ، فلا وجود مثلا زيارات ميدانية للحاكم لتفقد أحوال الرعية لأن المالكي ليس لديه الوقت والأمكانية لأدارة الحكومة والجيش و الداخلية و الأمن.. ألا أذا كان سوبرمان ، أذن الرعية يرعاها الله والمالكي يرعى خاصته !!

5. الأديان والمذاهب ، سابقا كان كل شي محدد وواضح دينيا ومذهبيا ، الأن المنابع واحدة ولكن الاجتهادات تعددت حسب أهوائها وميلها في تأييد الحاكم / المالكي من عدمه ، وحتى الكلمة الفصل بالنسبة للمرجعيات / مع تقديرنا لها ، أصبحت بعيدة كل البعد عن تقييم الحاكم / المالكي بشكل موضوعي وشفاف ، لأعتبارات مذهبية أو لتاثير الجارة ايران على قرارالمرجعيات .

6. هل أستطاع المالكي أن يحافظ على أرض العراق !! هل المالكي يحكم الأن العراق ! الجواب لا ، فقد فشل المالكي في التعامل مع أكثر الملفات ، منها قضية كركوك مثلا التي خسرها نتيجة السياسات الخاطئة المتبعة والتي على أثرها قضم الاكراد كركوك لصالحهم .

فكم عراقا أنت الان ياعراق ، الشمال يريد الأنفصال / علما أن الكرد بينهم أيضا مختلفين ولكنهم على حكومة المركز متفقين في الرأي ، المحافظات الغربية / الصورة بها غير واضحة تشتعل نشاطا سياسيا أضافة الى حراك ثورة العشائر والمقاومة والمنظمات الاخرى/ داعش ، الموصل تحت قبضة الأرهابيين / داعش ( التي أعطت مهلة للأقليات من مسيحيين وغيرهم من 17.07.2014لغاية 19.07.2014 بتغيير دينهم أو دفع الجزية أو ترك الموصل بملابسهم أو الحد أي القتل ! أين مسوؤلية المالكي من رعيته أن كان له رعية ! ) أما سامراء و تكريت وديالى والحلة وغيرها لا زالوا في كر وفر بين الحكومة وداعش والمتحالفين معها !

7. كيف يحكم المالكي العراق وليس له أستقلالية في القرار وليس لديه أي رؤية مستقبلية ، أضافة الى أنعدام الخطط الستراتيجية لطاقمه وتخلل أي خطط مرحلية للوزراء التنفيذيين وهذا يرجع كله / في كل ما ذكر وما لم يذكر لأن القرارات المركزية المتخذة يجب أن يؤخذ بها مشورة أيران / أي أن القرار النهائي لدى أيران .

النقاط و المؤشرات كثيرة وما ذكر غيض من فيض ولم أبتدع شيئا ، وخلاصة القول أنه كان لدينا حكومة في عهد نوري السعيد / رغم مابها من مآخذ ومثالب وأخطاء وظلم …

أما الأن … الحكومة كارتونية ورئيس الحكومة لا يحكم ومجلس الوزراء دمى تحركهم مصالحهم ، المحافظات تتناقص ، الجيش ليس له عقيدة والشعب مسجون في سجن كبير كان يدعى العراق . أما العراق الذي كنا نعرفه أمسى أشلاء عراق تراب أرضه بقايا جثث الشهداء والضحايا والمظلومين وسماد أرضه دماء القتلى .

 

أأيهم اوكل العراقيين بوري وأيهم خنع للامريكان وكرم قتلاهم وأيهم نفخ الفقاعة وانفجرت عليه وأيهم سيس السياسة وجعلها لعبة لل—اللكو وأيهم لعب المحيبس ولوحده واضاعه وأيهم باع ثلثي العراق ويقول مؤامرة وأطراف خارجية وداعش كانوا بالنعل ينهزمون وينصادون وعفى عن جهابذه جيشه المتخاذلين وأهدى الاقليم كل تجهيزات الجيش وأثبت عراقيته ورد فضلهم حين لملموه وقت النظام المغبور وأيهم قتل اهله وابناء جلدته واستثمر العراق كخردة وأقرضه لايران الجارة المسلمة وحسب رأي مسيلمة وأيهم لاينطيها حيث لايوجد احد يقدر يأخذها وووووو….ويكفي ان يتهاتر مع الفنان رمضان وهم استقدموه وباسلوب التوافقية والتشاركية !!!

 

هل يُشرف العراق على تيه جديد؟ ما اشبه اليوم بالبارحة، فالمتابع لسياق الاحداث في المشهد العراقي هذه الايام لابد ان تعود به الذاكرة الى الماضي، في تسلسل زمني لا يكاد يخلو من تشابه مفرط في ما كان وما هو قائم الان. لدرجة يكاد ان يكون القدر متهما بالتجني، في ما يصنعه من تكرار بائس لهذا البلد، الذي ما يلبث ان يخرج من شرنقة حتى تتكالب عليه الظروف ليدخل عنوة في شرنقة اخرى، كأن المجهول كتب على اجياله الدوران مدى الدهر في حلقة مفرغه.فاذا عدنا الى مطلع القرن الماضي، نشهد تطابقا غريبا مع ما هو قائم اليوم، في معظم اوجه التطابق المنشود تتبعها، ابتداءً من كون المرحلتين تأسيسيتين ولم ترس الدولة ركائزها المؤسساتية بشكل كامل ورصين، الى جانب وجود قوات اجنبية محتلة على الارض، واخيرا وليس آخرا، غياب واضح للعدالة الاجتماعية، يخلف احباطا متناميا لدى مختلف شرائح المجتمع العراقي. ومن سخرية القدر ايضا أن يتطابق اسما رئيس الوزراء لتلك الحقبة مع الحالي، ليجتمع النوريان في الصفة والاسم ويختلفا بالألقاب فقط، السعيد والمالكي، وتدور الشبهات والاتهامات حولهما بحسب زعم الاخرين.فنوري السعيد كان قد احكم قبضته على مفاصل الدولة في العهد الملكي، على الرغم من سلامة نواياه (حسب ادعاء من كان على تماس بمحيطة القريب)، الهادفة الى تحسين الواقع المعاشي والاجتماعي، والنهوض بواقع هذا البلد على الصعيدين المحلي والدولي، الا انه تسبب بأسوأ كارثة في ذلك العهد بحق نفسه وبلده، كما ينقل التاريخ.وافضى تفرده بالحكم الى انهيار كبير لمؤسسات الدولة والديمقراطية الناشئة، بعد تفشي الفساد السياسي والمالي بشكل افقي وعامودي. وهو ذات السيناريو القائم حاليا مع المالكي وحكومته التي تتهم من قبل الكثيرين بالفساد في عصرنا الحالي.حيث دفع الواقع المتردي في عهد رئيس وزراء الملك بالعراقيين الى ولوج سبل متعرجة غير محسوبة املا في الخلاص، بعد ان تمادت سلطة السعيد في الاستخفاف بتطلعات الشعب، واجهضت احلامه بدولة كريمة، ليساق العراق الى خيارات مؤلمة، ودهاليز مظلمة رُهن اثناءها مصير الشعب بأمزجة الدكتاتوريين والانقلابيين، كما هو معروف.وما يختلف حاليا عما مضى هو العامل الزمني ذاته، لاسيما ان الكرة لا تزال في ملعب المالكي والبرلمان العراقي، لتجنيب البلاد الوقوع في المحذور، وتفادي مصير شبيه بمصير نظام نوري السعيد، وما سوف يعقبه من انهيار كارثي لمرتكزات التجربة الديمقراطية، ولمؤسسات الدولة.فرئيس الوزراء العراقي كما يرى البعض قد يكون غير قادر على التغيير في ظل اسقاطات ما احاط به نفسه من قيود سياسية، وبيروقراطية، اطاحت ببرنامجه الحكومي مسبقا، فهل سيتحلى بشجاعة اكبر للتنحي، خصوصا انه قادر على العودة مجددا الى دفه الحكم في المستقبل القريب. وعود على بدء، صحيح ان مسؤولية ما حل بالعراق طيلة تلك الفترة يتحمل وزرها نوري السعيد لانفراده بالسلطة وممارساته القمعية والبوليسية، التي اخذت طابعا استبداديا منذ توليه وزارته الثانية، عندما بات يترقب خيفة كل نقد ويسعى الى تكميم الافواه بكل ما أوتي من قوة، الا ان النظام السياسي الذي كان قائما آنذاك، يتشارك المسؤولية مع السعيد بشكل متساو في ما حل بالعراق، خصوصا ان النواب وموظفي الدولة الكبار في تلك الفترة، ارتضوا لأنفسهم الخنوع لسلطانه، وعدم الاكتراث بما يختلج في نفوس الشعب من نقمة على التردي الحاصل في مفاصل الدولة، بعد ان احجمت الاحزاب بمختلف اطيافها عن التصدي لسياسات الحكومة الخاطئة، وانشغلت بمصالحها الفئوية والجهوية.وهو واقع بات ينسحب في وقتنا الحالي على اعضاء مجلس النواب الحالي، الذين جعلوا من انفسهم رجع صدى لا اكثر، بعد ان انفرط من ايديهم زمام المبادرة، وباتوا يعولون على بعض الجهات املا في التغيير، غير مدركين انهم مفاتيح تلك الحلول وليس غيرهم، وان الحكومة او الامريكان او حتى الدول الاقليمية المجاورة، ليس لها الحق او القدرة في تقويم او تعديل مسار العملية السياسية في العراق الا من خلالهم، فهل يكونون قادرين بدورهم على الانعتاق من الحالة السلبية التي وضعوا انفسهم فيها، والخروج من ثوب المتفرج الى ثوب المبادر، قبل ان ينزع الشعب عنهم كل ما يرتدونه، لا سمح الله. ونسترجع على مضض حقبة ما بعد الملكية الغابرة.فمظاهرات الغضب التي تجتاح مدننا الان نابعة من النقمة على ما هو قائم، وارادة شعبية تهدف الى التغيير، وهو امل قادم لم يعد تطبيقه محصورا بمزاج السياسيين، فسلطة الشعب وان خفت بصيصها الا ان عودتها كالبركان، لا يسلم من لظاه احد.صحيح ان الخيارات الانفعالية غالبا ما تكون ذات مردودات سلبية تفضي الى اضرار اكثر مما هو قائم، الا ان فكرة الخلاص التي تهيمن على الفكر الجماعي تحجب التبصر وتسقط من اذهان المنتفضين نسب الخسارة والنفع.فهل سيكون ساسة العراق قادرين على تجنيبنا وأنفسهم تيهاً جديداَ

 

ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء،أما المالكي فأدخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما.

فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على أمن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها أفضل بكثير من العراق اليوم.

أعتقد أن الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره إلى الأفضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، وأعتقد أنه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس أمامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. وأحسب أن الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وأن بعض سياسييه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد أن بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا.. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي.

والعراق أيضا مليء بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التي لا ترى سوى أسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الأجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية وإشعال الفتن وإقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره.

وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي أحضرهم إلى الحكم، ولكن على كل هؤلاء أن يعلموا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

وأعتقد أن الشعب العراقي هو الأكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته وأهمها الديمقراطية التي انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه أعوان المالكي بأن بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية.. أي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف أن نسمع أن بعض العراقيين ينسون أفضال الخليج الذي أسهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الإيرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي.. وبأي حق يتحدث هؤلاء أو ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى أي أساس يرصدون تلك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو (250) مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. أعتقد أنه لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الآن لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التي تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الآخرون، بعكس آخرين يعبثون بالسلطة والبلد من أجل بلاد أخرى.

ونقل عن نوري السعيد ذات يوم قوله : “العراق عبارة عن بالوعة وأنا أجلس على غطاء فوهتها، فإذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة”.. ومع غرابة التشبه والحالة، فإن الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون إحكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية وآخرها أزمة منطقة الأنبار التي تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. وإذا كان أهل الحكم يريدون حقا مستقبلا أفضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التي تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية أو السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية.

ويعلم القاصي والداني أن العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فالمالكي أدخل بلاده في أتون أزمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الآخر وصولا إلى حل للأزمات، وهو لا يأبه أصلا بمسألة تقسيم العراق. وأصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التي تعني التخلف.

الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الإنجازات في معرض تعليقاتهم عن الأوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ أن التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون أصل المشكلة وهي أن شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها إلى أرض قاحلة.

أما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الآن، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الأهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والأيديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة أمريكية، فهو صنيعة الأمريكيين الذين أعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف أن يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلى من شعبه..

ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي :” الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق”.. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين : الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي أن سياساته هي التي إشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الآخرين أو الجيران اللهم إذا كان هؤلاء الجيران من أهل فارس الذين يدسون أنوفهم في شؤون كل الدول المجاورة.

ولهذا، ليس من حق المالكي أن يصف الوضع الحالي في بلاده بأنه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الأجواء، وليس من حقه اتهام أي طرف سوى إيران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب أن المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، إلا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على أن جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح.. فهو الذي قال :” لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله”.. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة :” لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا”.

نعم.. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الإقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع إقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا أقرب الناس إليه في الماضي لمجرد أن نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة أيام بلادهم إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.

تختزل مأساة العراق الطريقة التي قتل بها نوري السعيد في العام 1958 خلال الانقلاب العسكري على العائلة المالكة، ووصول نوري المالكي إلى السلطة وقيام “داعش”. بين نوري السعيد من جهة ونوري المالكي و”داعش” من جهة أخرى، مسافة تقلّ عن ستين عاما. المسافة كافية لفهم سقوط العراق وتحوّله من دولة واعدة، تحكمها أسرة هاشمية كان رئيس الوزراء فيها رجل انفتاح ينتمي إلى العالم، إلى دولة فاشلة ليس معروفا فيها من أكثر تزمتا من الآخر. هل المالكي الشيعي أكثر تزمتا من “داعش” السنّية، أم العكس صحيح؟

منذ غاب الهاشميون ورجال مثل نوري السعيد في ذلك اليوم الأسود، انتهى العراق عمليا. هل من مبالغة في ذلك؟ ثمة من سيقول ذلك. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ غياب العائلة الهاشمية كان بمثابة غياب للمظلّة التي تجمع بين العرب والأكراد والتركمان والسنّة والشيعة والمسيحيين واليهود الذين عانوا من ظلم ليس بعده ظلم في العراق، حتى قبل انقلاب العام 1958.

لم يعد في الإمكان إنقاذ العراق. كلّ ما يمكن عمله هو إيجاد صيغة جديدة للبلد، ذات طابع فيدرالي أو كونفيدرالي، بعيدا عن مذهبية نوري المالكي الذي عجّل بتفجير الكيان وأوصل رجلا مثل مسعود البارزاني إلى مرحلة اليأس من بلد موحّد اسمه العراق… كما جعل أهل السنّة يعجبون بتنظيم إرهابي لا حدود لمدى تخلّفه مثل “داعش”.

لماذا مزيد من الدماء في الوقت الذي يمكن تقاسم الأرض والسلطة والثروة في آن… إلا إذا كانت إيران في وارد قبض ثمن الدولة الكردية المستقلّة بالطريقة التي ترتئيها، والتي قد لا تكون بعيدة عن ضمان وضع يدها على جزء من الثروة النفطية للعراق!

أحدث المقالات

أحدث المقالات